"ذا ناشونال إنترست": هل ستعيد سوريا لاجئيها؟
قبل عودة اللاجئين، تحتاج الحكومة السورية الجديدة إلى خطة مدعومة بتمويل دولي قوي، ومراقبة، ودعم سياسي.
-
"ذا ناشونال إنترست": هل ستعيد سوريا لاجئيها؟
مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً يتناول قضية عودة اللاجئين والنازحين السوريين بعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة انتقالية، ويركز على النقاش حول مدى استعداد سوريا لاحتضان ملايين العائدين.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في الأشهر الأخيرة، اكتسبت مسألة متى ستكون سوريا مستعدة لاستقبال ملايين النازحين أهمية في الخطاب السياسي الأوروبي. بعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة أحمد الشرع، بدأ العديد من دول الاتحاد الأوروبي، استجابةً للضغوط المحلية، بتعليق طلبات اللجوء والنظر في ترحيل اللاجئين السوريين.
مع وجود ما يقرب من 14 مليون نازح سوري حول العالم، منهم 6 ملايين في الدول المجاورة وأوروبا، فإن الحاجة ملحّة. وقد عزز ظهور هيئة تحرير الشام، ووعدها بإجراء انتخابات وحماية الأقليات، إلى جانب رفع بعض العقوبات الأميركية والأوروبية، الادعاءات بأن سوريا أصبحت الآن آمنة للعودة. ومع ذلك، يبقى السؤال الحاسم: هل سوريا مستعدة حقاً لإعادة سكانها النازحين إلى وطنهم؟
تقييم واقع اللاجئين
منذ سقوط الأسد، تشير بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى عودة ما يقرب من 500 ألف سوري من الدول المجاورة. ومع ذلك، ورغم التزامات هيئة تحرير الشام، يواجه هؤلاء العائدون تحديات مستمرة: استمرار انعدام الأمن، والعنف المتقطع، والبنية التحتية المدمرة، وضعف الخدمات العامة التي لا تزال منتشرة على نطاق واسع.
ويزيد عدم الاستقرار الاقتصادي ونقص المساكن من تعقيد جهود إعادة الإدماج، ما يلقي بظلال من الشك على جدوى العودة واسعة النطاق. ويتردد صدى هذا التشكك في استطلاعات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث يُعرب الكثير من السوريين في الشتات عن مخاوفهم بشأن السلامة والاستقرار السياسي.
على الرغم من تراجع حدة النزاع المسلح، لا يزال النسيج الاجتماعي والسياسي في سوريا هشاً. وقد تؤدي العودة المبكرة إلى نزوح متجدد إذا ثبت عدم استقرار الظروف. لذا، يجب أن تكون أي استراتيجية للعودة حذرة ومتدرجة، ومبنية على الحقائق على أرض الواقع.
الطائفية وهشاشة التوازن في سوريا
على الرغم من أنّ المخاوف المبكرة من اتساع رقعة العنف الطائفي لم تتحقق، إلا أنّ سوريا لا تزال تعاني من انقسامات اجتماعية عميقة تُهدد الاستقرار وتُعيق العودة الآمنة لملايين النازحين. وقد أحرزت الحكومة الانتقالية بعض التقدم، بما في ذلك تشكيل حكومة أكثر شمولاً تضم ممثلين للكرد وللمسيحيين، وإصدار فتوى دينية لتثبيط جرائم القتل الانتقامية، ودمج الكرد في المؤسسات الوطنية. تُشير هذه الخطوات إلى نية للمضي قدماً نحو سوريا أكثر تمثيلاً وأمناً.
ومع ذلك، فإن هذه الجهود لا تزال غير كافية لتهيئة الظروف اللازمة لإعادة واسعة النطاق. ولا تزال الهجمات تستهدف الأقليات، مثل العلويين والدروز، تُغذيها صلتهم المزعومة بنظام الأسد. كما يُسلط تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، الذي أودى بحياة 25 مدنياً، الضوء على التهديد المستمر الذي يواجه المسيحيين. إضافةً إلى ذلك، تُبرز الضربات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق، والتي أشعلتها اشتباكات السويداء بين الدروز وقوات الحكومة السورية، كيف أنّ التوترات المتصاعدة قد جرّت "إسرائيل" إلى ساحة المعركة.
في العديد من المناطق، قد يجد العائدون أنفسهم يعيشون بجوار خصوم سابقين أو يتنافسون على موارد محدودة، وهو وضع يُنذر بإعادة إشعال الصراع وتجدد النزوح. لا تزال المظالم من دون حل، وما تبقى من التماسك الاجتماعي يتداعى.
يعتمد الاستعداد الحقيقي للعودة إلى الوطن على أكثر من مجرد مبادرات معزولة من الحكومة المركزية. فهو يتطلب مصالحة مستدامة على المستوى المحلي، وضمانات للسلامة والحماية القانونية للأقليات، واستعادة الخدمات الأساسية وسبل العيش. بدون هذه الأمور، سيواجه العائدون عدم الاستقرار والتمييز والأذى المحتمل، ما يُعرّضهم والدول المضيفة لخطر انتهاك المبادئ الإنسانية الدولية، بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر العودة القسرية إلى ظروف غير آمنة.
يُعدّ الدعم الدولي أمراً بالغ الأهمية في إعداد سوريا لهذه المرحلة الانتقالية. وقد بدأت دول الخليج، مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية، بتقديم المساعدات، وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 2.5 مليار يورو لتحقيق الاستقرار. يجب زيادة هذه الموارد مؤقتاً وتوجيهها استراتيجياً نحو بناء السلام المجتمعي، وجهود الأمن المحلية، وبرامج إعادة الإدماج المصممة خصيصاً لمجتمع سوريا المتنوع والمنقسم.
ينبغي أن يُعطي التمويل الأولوية لآليات المصالحة طويلة الأمد، وأن يُمكّن الجهات الفاعلة المحلية، تحت إشراف مؤسسات محايدة، مثل الأمم المتحدة، لضمان الشفافية والمساءلة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال عمليات تدقيق منتظمة، ومتطلبات إعداد التقارير، وفرق مراقبة مُدمجة على المستوى المحلي لتتبع التنفيذ ومنع إساءة الاستخدام.
الأهم من ذلك، أنّ على السوريين أنفسهم قيادة عملية المصالحة. ينبغي تعزيز الحكم المحلي، من دون أن تُهيمن عليه القوى الأجنبية، إذ إن التدخل الدولي المُفرط قد يُولد مقاومة أو يُقوّض الشرعية. وللحفاظ على هذا الزخم، ينبغي أن يكون استمرار المساعدات الدولية، وخاصةً تلك المُخصصة لحماية حقوق الأقليات، مشروطاً بالتزام الحكومة الانتقالية بالتزاماتها.
لن يكون السوريون جاهزون للعودة إلى الوطن إلا عند استيفاء شروط واضحة وقابلة للتحقق. وتشمل هذه الشروط استقرار الأمن في جميع مناطق العودة، وتوفير حماية قانونية فعّالة للأقليات، واستعداد المجتمع لاستقبال النازحين من دون تجدد التوتر، وتوفير بنية تحتية كافية لدعم العائدين. وإلى أن تتحقق هذه المعايير، يجب أن تظل العودة طوعية وتدريجية وخاضعة لمراقبة دقيقة.
أزمة الصحة والألغام الأرضية في سوريا
علاوة على ذلك، لا يزال نظام الرعاية الصحية في سوريا يعاني أزمة خانقة. فقد دمرته سنوات من الحرب والعقوبات التي دمرت معظم البنية التحتية وأجبرت العديد من العاملين في المجال الطبي على الفرار. غالباً ما تعاني المستشفيات والعيادات نقصاً في الكوادر والموارد، ولا سيما في المناطق الريفية والنائية، حيث يكون الوصول إلى الخدمات محدوداً للغاية. في الوقت نفسه، قلّصت المنظمات غير الحكومية عملياتها بسبب تخفيضات التمويل الدولي. ومن دون استثمارات كبيرة، لا يمكن للنظام الهش تلبية احتياجات السكان أو مواجهة الطلب المتزايد. وما يزيد من تفاقم حالة الطوارئ الإنسانية، أزمة الألغام الأرضية والعبوات الناسفة التي خلّفتها الحرب الأهلية، والتي تسببت بالفعل في أكثر من 1000 إصابة في ستة أشهر، ويشكل الأطفال نحو ثلث الضحايا.
في حين يمكن لدول الخليج والاتحاد الأوروبي أن تلعب دوراً حيوياً في توفير المعدات الطبية والأدوية والمساعدة التقنية، يجب أن يكون التعافي طويل الأمد متجذراً في المسؤولية السورية. تعتمد إعادة البناء المستدامة على تدريب الكوادر الطبية المحلية والاحتفاظ بها ودعمها من خلال المؤسسات المجتمعية. ولتجنب الإفراط في الاعتماد على المساعدات، يجب أن تُكمّل القدرات السورية، لا أن تحل محلها. إن توجيه الموارد عبر شبكات الصحة المحلية، مثل الهلال الأحمر العربي السوري، والشراكات الإقليمية، بدلاً من فرض برامج دولية مؤقتة من أعلى إلى أسفل، سيعزز المرونة والمساءلة بمرور الوقت. إضافة إلى ذلك، ينبغي على الحكومة الانتقالية السورية التعاون مع الجهات المانحة الدولية لوضع هياكل وسياسات وإجراءات وبرامج تهدف إلى مسح الألغام الأرضية ومخلفات الحرب من المتفجرات وإزالتها على الفور، إضافة إلى تأمين مخزونات الأسلحة.
إذا لم يُمهّد هذا العمل التمهيدي قبل بدء العودة إلى الوطن، فإن الضغط على نظام الرعاية الصحية الهش أصلاً سيزداد. إن تدفق العائدين من دون بنية تحتية صحية فعّالة من شأنه أن يُثقل كاهل الخدمات القائمة، ويزيد من ندرة المعدات، ويُعمّق الأزمة الإنسانية. لتجنب تفاقم معاناة النازحين، يجب إعطاء الأولوية لاستعادة الرعاية الصحية وإزالة الألغام الأرضية، لا كفكرة ثانوية، بل كشرط أساسي لأي عودة مجدية وكريمة.
ضمان حقوق ملكية اللاجئين
من أكثر التحديات إلحاحاً التي تواجه اللاجئين السوريين العائدين هو غياب حقوق الملكية الآمنة. فقد أفادت لجنة الأمم المتحدة المعنية بسوريا بحدوث عمليات نهب وتدمير واسعة النطاق وممنهجة لممتلكات النازحين، معظمها على أيدي القوات الحكومية السابقة، ما يشكل عائقاً رئيسياً أمام العودة الآمنة والاستقرار طويل الأمد.
ومما يزيد من تعقيد هذه المشكلة قوانين عهد الأسد، مثل المرسوم التشريعي الرقم 66 (2012) والقانون رقم 10 (2018)، اللذان أتاحا للدولة مصادرة الممتلكات من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة أو التعويض. استهدفت هذه القوانين بشكل غير متناسب السكان النازحين، الذين يفتقر الكثير منهم إلى الوثائق أو لم يتمكنوا من الالتزام بالمواعيد الإدارية الصارمة.
ولذلك، في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام الآن، تُعتبر المطالبات بالملكية محفوفة بالمخاطر. إنّ نقص الوثائق والسجلات الرسمية يجعل العائدين عرضة لخطر نزع الملكية. وهذا يردع الأفراد والمستثمرين الأجانب على حد سواء، ما يعطل جهود إعادة الإعمار والحوكمة. لم تُصرّح الحكومة المؤقتة صراحةً عمّا إذا كانت تنوي استبدال المرسوم 66 أو القانون الرقم 10. ومع ذلك، فإنّ الضغط الشعبي المتزايد، والمراجعات القانونية، وتشكيل لجان محلية لتعديل القرارات الرئيسية، يُشير إلى إدراك أوجه القصور في القوانين، وإمكانية التحوّل نحو الإصلاح، على الرغم من عدم الإعلان رسمياً عن إلغائها.
ونظراً لحجم النزوح وتجزئة السيطرة الإقليمية، فإنّ تنظيم لجان مطالبات الملكية على مستوى البلديات فقط غير كافٍ؛ بل ينبغي إنشاؤها إقليمياً أو وطنياً، مع إشراف دولي لضمان الاتساق والشرعية وحماية حقوق النازحين.
ويُقدّم الصراع في البوسنة والهرسك نموذجاً مفيداً. فبعد اتفاقيات دايتون، قامت لجنة مطالبات الملكية العقارية للنازحين واللاجئين (CRPC) بحلّ نزاعات الملكية بشرعية دولية وسلطة مُلزمة. ومن شأن لجنة مطالبات ملكية مماثلة محايدة ومدعومة دولياً أن تُساعد سوريا على معالجة نزاعات الملكية ودعم العودة. لتسهيل ذلك، يمكن للمجتمع الدولي توفير الخبرة الفنية والتمويل والرقابة لضمان عمل اللجنة بشفافية وإنصاف واستقلالية عن النفوذ السياسي.
يجب أن تركز جهود إعادة الإعمار أيضاً على الإسكان والخدمات وسبل العيش لتخفيف التوترات ومنع الصراعات القائمة على الموارد. ينبغي للمانحين والاستثمارات، وخاصةً من أوروبا والخليج، دعم التنمية المجتمعية الشاملة وحماية مساكن الأقليات لضمان سياسة عودة مستدامة.
الشروط الأساسية للعودة الآمنة والمستدامة
إذاً، متى ستكون سوريا مستعدة لاستقبال نازحيها؟ يكمن الحل في استيفاء مجموعة من الشروط المترابطة: حماية واضحة للأقليات وتحقيق المصالحة، ونظام رعاية صحية مرن مدعوم بمساعدات إنسانية مستدامة، وإزالة مخلفات المتفجرات، وحقوق ملكية آمنة وقابلة للتنفيذ. فقط بترسيخ هذه الركائز، يمكن أن تتم عملية العودة بأمان واستدامة.
إنّ وضع خطة إعادة تدريجية ومنسقة بدقة، مدعومة بتمويل ومراقبة ودعم سياسي دولي قوي، أمر ضروري لتجنب العودة المبكرة التي قد تُشعل الصراع وتُسبب نزوحاً جديداً. من خلال هذا النهج التعاوني الدقيق، يمكن لسوريا أن تبدأ برسم مسار نحو الاستقرار ومستقبل يتيح للنازحين السوريين العودة بكرامة وأمان.
كجزء من هذه العملية، ينبغي على الاتحاد الأوروبي وضع خطة شاملة ومصممة بعناية لإعادة النازحين. وينبغي أن تكون أي مساعدة إنمائية أو تخفيف للعقوبات مرتبطين بإعادة النازحين ومشروطين بإحراز تقدم ملموس نحو معايير محددة بوضوح. إضافة إلى ذلك، ينبغي على الاتحاد الأوروبي إنشاء بعثة مراقبة مدنية تحت رعاية الأمم المتحدة للإشراف على عملية العودة، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، والتواصل مع المجتمع المدني السوري لضمان الشفافية والمساءلة. تُعد هذه الإجراءات حاسمة لمنع العودة المبكرة التي قد تؤدي إلى نزوح متجدد أو إثارة ردود فعل سياسية سلبية داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.