"فايننشال تايمز": القتل الطائفي في سوريا يهز الثقة بالنظام الجديد

لقد أجبر العنف أولئك الذين كانوا في السابق مؤيدين للرئيس أحمد الشرع على الأخذ في الاعتبار الأغلبية السنية المتنامية.

0:00
  • "فايننشال تايمز": القتل الطائفي في سوريا يهز الثقة بالنظام الجديد

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر مقالاً يتناول تصاعد التوتر الطائفي في سوريا بعد تسلّم أحمد الشرع السلطة، وفشل الحكومة الجديدة في توحيد البلاد أو كبح العنف الطائفي، وخاصة عقب الاشتباكات الدامية في السويداء بين الدروز والعشائر السنية، وما تبعها من انقسامات داخل المجتمع السوري، مشدداً على فقدان الثقة بالقيادة الجديدة حتى من بعض أنصارها السابقين.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

عندما نظّمت زين وعشرات من ناشطي المجتمع المدني اعتصاماً أمام مبنى البرلمان المغلق في دمشق احتجاجاً على العنف الطائفي في جنوب سوريا الشهر الماضي، تعرضوا للإهانة من قبل المارة أولاً، ثم تعرضوا للهجوم.

ووفقاً لعدد من الحاضرين، انقضّ شبان يحملون عصياً خشبية على المجموعة، متهمين إياهم بالدفاع عن "الخونة" من دروز السويداء، الذين كانوا متورطين في اشتباكات مع قبائل بدوية سنية وقوات حكومية أسفرت عن مقتل المئات.

وقالت زين: "ظلّ الشباب الذين هاجمونا يهتفون: لسنا سوريين، نحن عشائر"، واصفةً كيف مزّقوا لافتات المتظاهرين التي تضمنت شعارات مثل "دم السوري على أيدي السوريين حرام".

وأضافت: "ظلّوا يهتفون.. نحن سنّة، سنّة". كانت السيدة البالغة من العمر 34 عاماً من بين الكثيرين الذين رحّبوا بحذر بالزعيم الإسلامي السنّي أحمد الشرع في كانون الأول/ديسمبر، مبتهجين بإسقاط بشار الأسد وفرصة إعادة بناء الدولة الممزقة، حتى لو كانت تختلف مع أيديولوجية الشرع.

لكن البهجة التي ميّزت تلك الأيام الأولى حلّ محلها تدريجياً التوتر الطائفي وتنامي الشعبوية السنية.

وقالت زين، في إشارة إلى الانتفاضة الشعبية ضد الأسد التي أدت إلى الحرب الأهلية: "بينما دعمت الجماهير المتظاهرين في عام 2011، فإنهم اليوم يخونونهم".

لقد قوّضت أعمال العنف التي اندلعت في السويداء الشهر الماضي الثقة الحذرة التي وضعها العديد من السوريين في الشرع. بل إن المزاج الوطني أصبح أكثر قتامة، تاركاً الكثيرين، بمن فيهم السنة الذين يشكلون حوالي ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 25 مليون نسمة، يتساءلون عمّا إذا كان الشرع سيعزز الوحدة الوطنية أم الصراع الطائفي.

وعد الشرع، الذي كانت جماعته المتمردة تابعة سابقاً لتنظيم القاعدة، بحماية حقوق الأقليات والحكم الشامل. لكن المحللين يقولون إنه لم يبذل جهداً يُذكر لكبح الشعور القومي السني المتنامي، ويعود ذلك جزئياً إلى كونه أداةً فعّالة لاسترضاء قاعدته الشعبية.

تنظر العناصر الأكثر تطرفاً في قاعدة الشرع إلى الطوائف والأديان الأخرى على أنها زنادقة، في حين أن جماعته المتمردة السابقة، هيئة تحرير الشام، التي يشكل قدامى مقاتليها نواة قوات الأمن السورية، لها تاريخ من الانتهاكات ضد المسيحيين والدروز.

يخشى بعض الأقليات بشكل متزايد أن يكونوا عرضة للخطر. قالت أمل جرجس، وهي بائعة مسيحية تبلغ من العمر 56 عاماً في دمشق: "يشعر السنة بأنهم المنتصرون، وأنهم ليسوا الأغلبية فحسب، بل أصبحوا أيضاً حكاماً أقوياء".

وأضافت: "جميع أصدقائي السنة يتجاهلون الأفعال السيئة التي تقوم بها هذه الحكومة لأنهم لا يريدون التخلي عن هذا الشعور بالنصر"، "لذا، كأقليات، يُجبروننا على الشعور بأننا رعاياهم، وأن علينا أن نتعامل معهم بحذر شديد وإلا سيعاقبوننا".

واندلعت أولى شرارات العنف الرئيسية في آذار/مارس، عندما تطورت الاشتباكات بين القوات الحكومية وقوات العلويين في المناطق الساحلية إلى عمليات قتل للمدنيين، قُتل فيها أكثر من 1400 شخص.

وحرصاً منها على استعادة الثقة، أمرت الحكومة بإجراء تحقيق في أعمال العنف. وخلصت لاحقاً إلى أن بعض قوات أمن الدولة شاركت في فظائع جماعية.

وكان الغضب الوطني محدوداً جزئياً بسبب تورط المتمردين العلويين الذين لا يزالون يُنظر إليهم على أنهم مؤيدون لنظام الأسد. لكن العديد من السوريين يجدون صعوبة في تجاهل عمليات القتل في السويداء.

واتُهمت القوات الحكومية، التي أُرسلت لقمع العنف، بالمشاركة في عمليات قتل انتقامية ضد الدروز. وشنّت "إسرائيل" بدورها ضربات ضد قوات أمن الشرع باسم الدفاع عن الأقلية، ما زاد من تأجيج الانقسامات وانعدام الثقة.

صرّح سكان دروز لصحيفة "فاينانشل تايمز" أنّ عمليات القتل الطائفي للمدنيين كانت متفشية، ولا سيما بعد وصول العشائر السنية من مناطق أخرى من البلاد للدفاع عن إخوانهم البدو.

يُظهر أحد مقاطع الفيديو من السويداء ما يبدو أنهم مقاتلون حكوميون يسألون رجلاً ملطخاً بالدماء على الأرض عما إذا كان درزياً أم سنياً. يجيب الرجل فقط بأنه سوري، وهي إجابة تؤدي إلى إعدامه رمياً بالرصاص.

في حين وردت تقارير عن فظائع ارتكبها جميع الأطراف، بما في ذلك الميليشيات الدرزية، إلا أنّ مثل هذه المقاطع أثارت الرعب في جميع أنحاء سوريا.

قال عبد الله عمر، طالب جامعي يبلغ من العمر 24 عاماً في حلب: "لطالما كنت من معجبي الشرع، وبصفتي سنياً، فأنا فخور بما كان يحاول القيام به. لكن هذا الفيديو حطم ثقتي به بعض الشيء". لا أقول إنّ المجازر مسؤوليته الكاملة، لكنه يُظهر أنه لا يستطيع السيطرة على شعبه، أو ربما لا يريد ذلك.. هل هو هنا فعلاً لتحسين سوريا؟ لم أعد أعرف.

حاولت حكومة الشرع استعادة الدعم، فأدانت الانتهاكات المبلغ عنها، وأعلنت عن تحقيق مماثل للتحقيق الذي أُجري بعد مجازر آذار/مارس. كما أعلن عن إجراء انتخابات برلمانية في أيلول/سبتمبر، بتخصيص ثلث المقاعد البالغ عددها 210 مقاعد،للمناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة حالياً مثل السويداء والشمال الشرقي الذي يديره الكرد.

لكن تزايد العنف الأسبوع الماضي، مثل الاشتباكات بين مقاتلي الحكومة والقوات التي يقودها الكراد،زاد من عرقلة جهود الشرع لتوحيد البلاد.

بالنسبة لبعض السوريين، فات الأوان. عمل حسام، وهو مدرس درزي يبلغ من العمر 52 عاماً، لأشهر مع أعضاء الحركة العلمانية في السويداء للدعوة إلى حكم أكثر شمولاً، بما في ذلك انتخابات حرة ونزيهة، وحوار وطني، ودستور.

قال حسام: "لقد رفضوا كل شيء. من فقدوا أحباءهم في هذا العنف: هل تريد أن تطلب منهم العمل مع حكومة الشرع؟ لن يقبلوا ذلك أبداً".

وأضاف: "نحن سوريون... لكن اليوم، لا يمكننا قبول أن يحكمنا هؤلاء الإرهابيون من دمشق. إذا تعاملنا معهم، فهذا يعني أننا سنوقع على أحكام إعدامنا. وهذا مستحيل".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.