"فايننشال تايمز": الذكاء الاصطناعي يقضي على السحر
إنّ عدم معرفة ما إذا كان العمل الفني قد نشأ في قلب شخص ما أو في مركز بيانات يُعد القاتل الأبرز للمتعة.
-
"فايننشال تايمز": الذكاء الاصطناعي يقضي على السحر
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر مقالاً يتناول تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على الإبداع الإنساني والأصالة العاطفية في الحياة اليومية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
خلال الشهر الفائت، ألقى ابن عمي خطابًا رائعًا في حفل عيد ميلاد والده الستين. كان الخطاب مليئًا بكل ما قد يخطر على بالك من عاطفة وذكاء وصدق وإلهام. وقد استمتعتُ كثيرًا بالجلوس والاستماع إليه، ورحت أضحك على النكات المحرجة وأرتشف الشمبانيا بضبط النفس حتى لا تفرغ الكأس سريعًا. لكن فجأةً، غمرني شعور مزعج ومُحبط سلبني فرحتي. ألم يكن الأمرُ مُبالغًا فيه؟ أين تعلّم ابن عمي الصغير كتابةَ خطاب كهذا؟ هل حصل على مساعدة من الذكاء الاصطناعي؟
توجهتُ إليه لاحقًا، وانفجرت الكلمات من فمي قبل أن أتأكد من لباقة أسلوبي. وقلتُ له: "خطابٌ رائع. هل استعنتَ بـتشات جي بي تي؟" وبدا أنني كنتُ ثالث شخص يسأله هذا السؤال، وقد عدّه إطراءً. وأكد لي أن الفكرة برمّتها تعود إليه، وقد صدّقته. لكنني أودّ أن أراهن على خطاب آخر سمعتُه مؤخرًا وحظِي بقبول جيّد، وقد اعتمد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي. وحتى لو كنتُ مخطئة، فإن مجرد تبادر هذه الفكرة إلى ذهني في المناسبتين قلّل من استمتاعي بهما كثيرًا.
هذه الأمثلة، بالطبع، ليست سوى غيض من فيض الذكاء الاصطناعي (نعم، كان بإمكان "تشات جي بي تي" أن يُقدم أداءً أفضل من ذلك). هل سأضحك مجددًا بمثل هذا القدر من القلب على ممثل كوميدي وأنا لا أعرف إن كانت بعض نكاته تم تأليفها بشكل اصطناعي؟ وهل سأتمكن من الشعور بهذا القدر من الإعجاب بعبقرية مغني راب الشعرية؟ وهل سأُعجب ببراعة كاتب في اللغة بالدرجة ذاتها؟ ماذا عن رسالة لطيفة من صديق أو حتى رسالة من حبيب - كيف لي أن أعرف أن هذه الكلمات نابعة من قلبه، وليست من مركز بيانات في شمال فرجينيا؟
أحاول ألا أكون من معارضي التكنولوجيا، وأنا متأكدة من أن الذكاء الاصطناعي سيساعدنا في نهاية المطاف في تحقيق جميع أنواع الاكتشافات العلمية. كما أنني متفائلة دائمًا. ومع ذلك، لكن لا يسعني إلا الشعور بأن الذكاء الاصطناعي يقضي على سحر الحياة.
سيقول البعض – خصوصاً الأشخاص المهتمين في شمال كاليفورنيا - إنّ رد فعلي سخيف وغير مُستنير، وإنّ شكاوى مماثلة أُطلقت مع بزوغ فجر الإنترنت، ومولّد الأصوات الموسيقية، والحاسوب، وآلة الغزل. ولماذا لا أشعر بالقدر نفسه من السعادة والرضا عند مشاهدة إبداع وفن وفكاهة مصطنعة؟ ولماذا لا تتدفق دموعي بالقدر نفسه من الحماس عند قراءة نص نثري مؤثر كتبه نموذج لغويّ كبير؟
بالنسبة لهم، لا وجود للسحر. وكما نشر سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن آي" (OpenAI)، على منصة "إكس" عام 2023، "إنّ كل عمل إبداعي هو مزيج من أحداث جرت في الماضي، بالإضافة إلى جودة حلقة التغذية الراجعة وعدد التكرارات". (نعم، صوت شخص يتمتع حقًا بالإبداع والفن.) "يعتقد الناس بأنه ينبغي لهم تعظيم الإبسيلون، لكن الحيلة تكمن في تعظيم الاثنين الآخرين".
ويبدو أن ألتمان يقصد بكلمة "إبسيلون"، وهي كلمة تُستخدم في الرياضيات للإشارة إلى شيء متناهي الصغر، ذلك الشيء الذي لا يُوصف، الشرارة الفنية، السحر. وهذا أمرٌ تافه بالنسبة له. وحتى لو نعتموني بالحمقاء، أجد صعوبة في تصديق أنه لم يكن هناك سحرٌ في الغرفة عندما أبدع بول مكارتني أغنية البيتلز الشهيرة " Get Back" في دقيقتين فقط، وأن هذا يُمكن اختزاله في معادلة إبداعية بسيطة مثل معادلة ألتمان. أو أن موزارت، وهو في الثامنة من عمره، لم يكن يستشعر قوةً عليا عندما كتب سيمفونيته الأولى. ربما أتحدث عن الله. فهل سينجو الله من ثورة الذكاء الاصطناعي؟
إنّ مثل هذا التوجيه لنوع ما من القوة العليا، حتى بالنسبة إلى أولئك الذين يعتقدون بأن هذه القوة تكمن في أدمغتنا فحسب، معرّض للخطر على أقل تقدير، حيث يلجأ الناس بشكل متزايد إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي للسماح لهم بتجاوز مثل هذا النشاط الذي يتطلب جهدًا. وعلى الرغم من أنني متأكدة من أن الذكاء الاصطناعي قادر على "تعزيز" أو "تحفيز" إبداعك، كما ستخبرك منشورات لا تُحصى على المدونات وحلقات النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي والبودكاست، فإنه قد يحدّ منه بشكل كبير. لذا، حتى لو بلغنا مرحلة يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي على الإبداع البشري، فإن هذا التوجيه هو ما يجب أن نحافظ عليه إذا أردنا الاستمرار في تجربة ما يعنيه أن تكون إنسانًا.
إلا أنّ ما لا يفهمه أتباع التكنولوجيا أمثال ألتمان هو أنّ الإبداع لا يقتصر على الناتج النهائي فحسب؛ بل إن فعل الإبداع في حدّ ذاته هو الهدف في كثير من النواحي. في الوقت الحالي، أتعلّم العزف على الغيتار، ليس رغبةً في تحويله إلى مصدر دخل بديل، بل لمتعة الغناء مع الآخرين. ولا أحد، سواء بشريًا أو آليًا، يستطيع أن يسلبني متعة هذا السحر.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.