"فورين بوليسي": انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران يطارده الآن
يقول خبراء السياسة إنّ الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015، قيّد برنامج طهران بشكل أفضل من الضربات الجوّية الأميركية، التي يراها المراقبون أنّها لم تكن ناجحة.
-
"فورين بوليسي": انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران يطارده الآن
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يتناول فشل الضربات الجوية الأميركية والإسرائيلية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية في تحقيق أهدافها بالكامل، ويطرح تساؤلاً جوهرياً حول جدوى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، ويرى أنّ الحل الدبلوماسي كان أكثر فاعلية واستدامة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
مع استمرار هدوء الغبار بعد الضربات الجوية الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية، والتي كانت تهدف إلى تدمير قدرة طهران على تصنيع الأسلحة النووية، لكنّها لم تنجح تماماً على ما يظهر، ما يطرح سؤالاً واحداً جدّياً عمّا كسبته الولايات المتحدة من الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران قبل 7 سنوات.
تصرّ إدارة ترامب على أنّ الضربات بالقنابل الضخمة "الخارقة للتحصينات" أُلقيت على 3 منشآت رئيسية، ودمّرت البرنامج النووي الإيراني بالكامل. ومع ذلك، خلص تقييم أوّلي أجرته أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى أنّ الهجمات لم تلحق أضراراً كبيرة بالمنشآت الإيرانية، وأخّرت البرنامج النووي بضعة أشهر فقط.
وقد أكّد وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أنّ الهجوم كان "خالياً من العيوب"، وجعل منشأة فوردو النووية الرئيسية تحت الأرض غير صالحة للعمل. كما قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، وبعض المصادر الإسرائيلية إنّ التقييمات الجديدة للهجوم تشير إلى أنّ البرنامج النووي الإيراني قد تراجع لسنوات.
لكنّ إدارة ترامب أقرّت بأنّها لا تعرف مكان مخزون إيران الكبير الذي يبلغ نحو نصف طنّ متري من اليورانيوم عالي التخصيب، وتشير التقارير وصور الأقمار الاصطناعية إلى أنّ إيران ربّما نقلت المخبأ قبل الغارات الجوّية في نهاية الأسبوع الماضي.
جرى تخصيب هذه الكومة من اليورانيوم إلى درجة نقاء 60% القريبة جداً من درجة نقاء 90% المشار إليها على أنّها مؤهّلة لتصنيع أسلحة. كما أنّ الإدارة، مثل بقية المجتمع الدولي، لا تعرف أيضاً عدد أجهزة الطرد المركزي المتقدّمة التي تمتلكها إيران أو مكانها أو عدد الأجهزة الإضافية التي يمكن لطهران تصنيعها. ويظهر أنّ البنية الأساسية لصناعة سلاح لا تزال على حالها، وربّما لدى إيران الآن سبب أكثر من أيّ وقت مضى للتسريع في تجميع تلك القطع معاً.
بعد 7 سنوات من انسحاب إدارة ترامب الأولى من الاتفاق مع إيران، كانت النتيجة زيادة إيرانية حادة ومستدامة في تخصيب اليورانيوم على مدى ذلك الوقت، إلى حين بضعة أسابيع من الدبلوماسية المتقطّعة حيث توّجت بضربات جوّية ربّما عثّرت البرنامج النووي الإيراني، لكنّه لا يزال يعمل.
يقول مدير المخاطر العالمية في اتحاد العلماء الأميركيين جون وولفستال، والذي عمل على منع الانتشار النووي في عهد إدارة أوباما: "علينا أن نحكم بناء على ما كنّا عليه في عام 2018 وما نحن عليه اليوم. وأعتقد أنّ الوضع اليوم أكثر خطورة بكثير، وأنّ إيران أقرب إلى امتلاك قنبلة نووية من أيّ وقت مضى".
لقد أكملت الضربات الأميركية المنخفضة الشدّة على المنشآت النووية الإيرانية الهجمات الإسرائيلية، ولكنّها أيضاً توّجت نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه إيران الذي بدأ في ولايته الأولى، حيث أصرّ على منع إيران من تطوير سلاح نووي أو حتّى مكوّناته الأساسية، مثل اليورانيوم المخصّب، وعليه انسحب من الاتّفاق النووي المتعدّد الأطراف المبرم في عهد أوباما عام 2015، والذي وضع حدوداً متّفقاً عليها لطموحات إيران النووية مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية القاسية وإلغائها.
لقد انتقد العديد من الجمهوريين الأميركيين وصقور إيران الاتّفاق النووي بزعم أنّه قدّم لطهران الكثير من الإغاثة الاقتصادية، وقيّد جزئياً وبشكل محدود زمنياً قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، ولم يفعل شيئاً لمعالجة تقدّمها الشامل في مجال الصواريخ البالستية التي أصبحت تشكّل تهديداً أمنيا خطيراً لـ "إسرائيل".
مع ذلك، لقد وضع ذلك الاتّفاق، على الرغم من كلّ عيوبه، حدّاً لجهود إيران لتخصيب اليورانيوم، وحصرها في المستويات المنخفضة للغاية في مفاعلات نووية مدنية. كما حدّ من قدرة طهران على تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تطوّراً يمكنها تخصيب المزيد من اليورانيوم بسرعة أكبر.
ولعلّ الأهمّ من ذلك كلّه، أنّ الاتّفاق أنشأ نظاماً قوياً للمراقبة والتحقّق يمنح المفتّشين الدوليين وصولاً غير مسبوق إلى المنشآت النووية الإيرانية، وكانت إيران ملتزمة به تماماً حين انسحب منه ترامب.
النقاش الجاري الآن حول إذا ما كانت منشأة فوردو قد تأخّرت بضعة أسابيع أم بضعة أشهر. بموجب الاتّفاق القديم حُيدت منشأة فوردو لمدّة 15 عاماً. لذا، فالمسألة مسألة حسابية بسيطة. كان الحلّ الدبلوماسي مستداماً وقابلاً للتطبيق للغاية، كما قال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، والذي شارك في مفاوضات الاتّفاق.
تستمرّ التقييمات المتضاربة حول فعالية الغارات الأميركية، بينما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخّراً أنّ صدمات الذخائر الأميركية الثقيلة يبدو أنّها عطّلت أجهزة الطرد المركزي المتطوّرة في فوردو، مع أنّ المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، قلّل من تأثر النووي بالضربات الأميركية في تصريحاته الأولى بعد الهجوم.
كما يبدو واضحاً هو أنّ مخزون إيران، الذي يزيد على 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب، لا يزال مجهول المصير، وهذه الكمّية من المواد الانشطارية تكفي لتصنيع قنابل نووية.
يقول ريتشارد نيفيو المسؤول السابق في الأمن القومي في إدارة أوباما، ويعمل الآن في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، "إذا لم نعطّل فعلياً اليورانيوم عالي التخصيب، فإنّ التهديد سيظلّ قائماً".
في حين أنّ اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% كافٍ لصنع قنبلة خام، ستحتاج إيران إلى تخصيبه إلى نسبة نقاء 90% لتطوير سلاح أكثر تطوراً. وأسرع طريقة لتحقيق ذلك هي استخدام أجهزة الطرد المركزي المتطوّرة وخاصّة "آي آر 6"، التي تستخدمها إيران في سلاسلها العملانية.
ومنذ عام 2021، لم يطّلع المفتّشون الدوليون على إنتاج إيران لأجهزة الطرد المركزي الجديدة، ولا يعرفون عدد الأجهزة التي تمتلكها إيران أو عدد الأجهزة الإضافية التي يمكنها بناؤها وتركيبها لتسريع التخصيب النهائي الذي تحتاجه للانطلاق نحو صنع قنبلة.
يتطلّب تصنيع أجهزة الطرد المركزي بعض المواد الخاصة، مثل ألياف الكربون والفولاذ عالي التخصص، ولكن من المرجح أن تكون موجودة بالفعل في مستودع ما تحت الأرض. ومن المرجّح جدّاً أنّهم كانوا يخزّنون موادّ أوّلية لأجهزة الطرد المركزي، وقد أعلنوا بالفعل عن وجود منشأة جديدة تحت الأرض، ومن المحتمل تماماً أنّهم يخصّبون اليورانيوم ونحن لا نعلم بذلك.
يبدو أنّ هناك على الأقلّ نجاة جزئية للبرنامج النووي الإيراني ومكوّناته، بما يعني أنّ إيران قد تكون أقرب إلى امتلاك قنبلة نووية، ممّا كانت عليه قبل أو خلال سنوات الاتفاق مع إدارة باراك أوباما، حيث قدّرت آنذاك المدّة اللازمة لامتلاك قنبلة بنحو عام.
وقد خلصت أجهزة الاستخبارات الأميركية قبل أشهر قليلة إلى أنّ إيران لا تسعى بنشاط إلى تصنيع سلاح نووي، لكنّ هذه الحسابات ربّما تكون قد تبخّرت الآن بعد أن أثار ترامب فكرة "استسلام إيران".
وإذا كانت إيران لا تزال تمتلك أكثر من 400 كيلوغرام ومجموعة من أجهزة الطرد المركزي المتقدّمة، فإنّ خيار التسلّل نحو التطوير متاح أكثر من أيّ وقت مضى. وبالنظر إلى الماضي، لربّما كانت الولايات المتحدة و"إسرائيل" في وضع أفضل لاحتواء طموحات إيران النووية بالحفاظ على الحدود المتفاوض عليها لقدرتها على تخصيب اليورانيوم.
لو كانت الولايات المتحدة متأكّدة من أنّها قضت على البرنامج النووي، لما كان هناك ما يمكن التفاوض عليه. ولكن بسبب هذه المسألة العالقة، فهم حريصون على العودة إلى طاولة المفاوضات. ويأمل أن يتمكّن الطرفان من تخفيف خطوطهما الحمر. لا شكّ في أنّ انعدام الثقة بين الطرفين أعمق من أي وقت مضى، ولكن يجب دائماً قياسه بالبدائل المتاحة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.