"فورين بوليسي": هل يتّجه العالم نحو تراجع العولمة؟

تأتي الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب في أعقاب فقدان الثقة في التجارة الحرة والترابط بين البلدان.

  • "فورين بوليسي": هل يتّجه العالم نحو تراجع العولمة؟

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يناقش تراجع العولمة وتأثير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على الاقتصاد العالمي، ويستعرض التحوّلات الكبيرة في النظام التجاري العالمي نتيجة السياسات الحمائية والواقع الجيوسياسي الجديد، مع تسليط الضوء على الصعوبات والتحدّيات التي تواجه الدول الصغيرة والشركات في عصر ما بعد العولمة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

تثير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلاً واسعاً حول مستقبل العولمة، وإن كانت التكتّلات العملاقة ستضطرّ على توطين التصنيع والإنتاج، وكم من الوقت سيستغرق ذلك، وما هي التأثيرات في أسعار السلع اليومية.

وبينما تمثّل تعريفات ترامب صدمة خطيرة للنظام، فإنّ الواقع هو أنّ العالم قد بدأ يتراجع عن العولمة منذ عدّة سنوات، تحت وطأة أسباب منها المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، وتأثير انتشار جائحة كوفيد، والتسابق على التفوّق التكنولوجي، والصعود المتجدّد للنزعات القومية. 

 في الحلقة الجديدة من بودكاست "فورين بوليسي" الحيّ، حاولت استكشاف كيف يمكن أن يؤثّر تسارع التراجع عن العولمة في البلدان، وخاصة تلك التي لديها اقتصادات صغيرة وعادة لا تحظى بكثير من الاهتمام الإعلامي. ضيفا البرنامج، أستاذ السياسة التجارية في جامعة كورنيل إسوار براساد، وإليزابيث براو الزميلة البارزة في "المجلس الأطلسي"، ومؤلّفة كتاب "وداعاً للعولمة/ عودة عالم منقسم".

عن تأثير رسوم ترامب الجمركية على التجارة العالمية يقول إسوار براساد، من المفيد التذكير فيما كانت عليه وعود العولمة في المقام الأوّل من حيث توسيع التجارة والتكامل المالي وما من شأنه أن يرفع الجميع. بالطبع، كانت هناك عواقب توزيعية داخل كلّ دولة. وربّما كان معظم الأميركيين قد تحسّنت أحوالهم بفضل العولمة، لكن حاول أن تقنع مصنّعي السيارات في ولاية ديترويت بذلك. كذلك، اكتسبت ردود الفعل ضدّ العولمة أبعاداً كبيرة، وانتهى الأمر بالعديد من الدول النامية إلى تحمّل ديون مفرطة، وضعت شعوبها تحت وطأة المعاناة.

وليس من الصواب إلقاء اللوم على العولمة في كلّ هذا. فلقد كانت هناك أخطاء في السياسات، ومشكلات تتعلّق بعدم التزام بعض الدول بالقواعد التجارية العادلة وبالطبع، الكثير ممّا يقوله دونالد ترامب غير صحيح، ولكن أحياناً يكون هناك قدر ضئيل من الحقيقة بقوله. على هذا لم تعد التجارة، ناهيك عن التمويل، تعتبر اليوم لعبة محصّلتها إيجابية حيث يستفيد الجميع، وهي الآن لعبة بنتائج صفرية. ومع أنّه كانت هناك بوادر للتغيير مقبلة بالفعل، لكنّ مفاجأة رسوم ترامب الجمركية ستحدث فرقاً كبيراً حقّاً.

والقلق الآن يدور حول طرق استجابة الدول أو الشركات، وإن كانت ستبتعد عن الكفاءة، أي استبدال سلاسل التوريد المتوسّطة والهزيلة بالتنويع. ومع تزايد المخاطر الجيوسياسية، والأخرى المرتبطة بالمناخ المؤثّرة في سلاسل التوريد، تُضاعف رسوم ترامب من الأزمة، لكن ليس لدرجة وصفها بنهاية العولمة تماماً بعد، لكنّها ستتّخذ بالتأكيد شكلاً مختلفاً تماماً.

الباحثة إليزابيث براو ناقشت في مؤلّفاتها تحوّل الدول عن الحدود المفتوحة والتجارة الحرّة والعولمة، وكيف بدأ وتجلّى، حتّى قبل تعريفات ترامب، تقول، على مدار العقد الماضي تقريباً، تراجعت الثقة بالعولمة بشكل حادّ. بدأنا نرى مواطنين عاديين يعربون عن استيائهم منها. رأينا ذلك في بريطانيا مع خروجها من الاتحاد الأوروبي، بالرغم أنّ الناخِبِينَ الإنكليز أُعلموا أنّ بلادهم استفادت مالياً من عضويّتها في الاتحاد الأوروبي، إلّا أنّهم لم يكترثوا لذلك.

 كما رأينا ذلك أيضاً في الولايات المتحدة، رغم أنّ العديد من السياسيين المنتخبين دافعوا بحجّة المصالح المالية التي تزعم بأنّ العولمة تتيح سلعاً أرخص. ومع ذلك، ظلّ الكثيرون غير راضين عنها.

كذلك، حدثت تغييرات جذرية حين بدأت الشركات الغربية العاملة في روسيا والصين بزعم أنّ الوضع "لم يعد كما كان وأصبح محفوفاً بالمخاطر"، لعدّة أسباب منها تزايد الاستبداد السياسي، ممّا حدا بالاستثمارات طويلة الأمد مثل مصانع وشركات الورق التي تزرع الأشجار التي تحتاج 100 عام كي تنمو، التوقّف عن الاستثمار في روسيا لأنّها بِرأيهم لن تكون مستقرّة بما يكفي خلال القرن المقبل.

وفي الصين أيضاً، شعرت الشركات الغربية أنّ ممارسة أعمالها هناك أصبحت أقلّ أماناً. مثلاً، داهمت السلطات الصينية بعض الشركات. وطردت شركات أخرى من البلاد لأنّها لم تعد جزءاً من التوجّه الصيني للانتقال من التصنيع منخفض التكلفة إلى التصنيع عالي الجودة. هكذا بدأ تزايد القلق لدى الشركات والمديرين التنفيذيين الغربيين بشأن روسيا والصين تحديداً، اللّتين كانتا جوهرتي تاج العولمة، ولم يعد العمل فيهما مرغوباً أو آمناً بما يكفي.

الباحث إسوار براساد كان مسؤولاً سابقاً عن قسم الصين في صندوق النقد الدولي، يقول عن مدى تأثير ما يسمّى بـ"صدمة الصين" من كلّ هذا، والتأثيرات على قطاع التصنيع وانعكاسه على الدول الأخرى، لقد كان للصين تأثير بالغ على قطاعات الصناعة الدولية، وخاصّة في الولايات المتحدة. وقد يجادل البعض بأنّه كان من المحتّم أن يعاني اقتصاد حيث أجور العمالة عالية نسبياً مثل اقتصاد الولايات المتحدة، من وضع تنافسي سيّئ مقارنة بالدول ذات الأجور المنخفضة.

وعندما انضمّت الصين إلى منظّمة التجارة العالمية في أوائل العقد الأوّل من القرن الجاري، حصلت على إمكانية الوصول إلى الأسواق الأميركية وغيرها من الأسواق الأجنبية. ولكن كان هناك شعور بأنّ الصين لم تلتزم بالقواعد. فقد حصلت على إمكانية الوصول إلى أسواق في العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، لكنّها لم تتح للشركات الأجنبية من ضمنها الأميركية، إمكانية الوصول ذاتها إلى أسواقها.

بدأت العديد من الشركات الأميركية باستخدام الصين كجزء أساسي من سلاسل التوريد الخاصة بها، وأرادت التوسّع في تلك السوق سريعة النموّ، ولذلك أرادت الحفاظ على علاقة جيدة مع بكين. وكان من أهم العوامل في الحفاظ على استقرار هذه العلاقة، على الأقلّ اقتصادياً، هو جهد الشركات الأميركية للحفاظ على استقرارها.

لقد اختفت تلك القوة الموازنة في السنوات القليلة الماضية، كما ساد اعتقاد لدى الشركات بأنّ الصين ليست لديها نيّة للوفاء بالتزاماتها بفتح أسواقها. وفي حال انخرطت شركة صينية في استثمار أميركي، فسوف تنسخ التكنولوجيا من تلك الشركة، كما تزعم أيضاً الشركات الألمانية واليابانية التي تستثمر في مشاريع مشتركة أنّ شركاءها الصينيين أخذوا تقنيّتهم، ثمّ أصبحوا منافسين لهم للغاية.

قد يكون الردّ المنطقي على رسوم ترامب الجمركية من الدول الأخرى هو التكاتف وزيادة التجارة فيما بينها. وبينما الاقتصاد الصيني قد حقّق أداء جيداً إلى حدّ ما في السنوات الأربع الماضية، على خلفية أنّ الشركات المملوكة للدولة والاستثمار المموّل من الدولة قد بنت قدرة إنتاجية هائلة في الصين، في حين أنّ الاستهلاك المنزلي لم يواكب ذلك.

الآن، يشعر بقية العالم بالرعب، فمن جهة، ستمنع تعريفات ترامب الدول من الوصول إلى أكبر سوق استهلاكية في العالم، ومن جهة أخرى، تسعى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم جاهدة لتقليص صادراتها إلى الأميركيين، لكن لا أحد من الدول الأخرى يريد أن تصل الصادرات الصينية إلى شواطئه، وتهيمن على صناعته. لذلك الجميع عالقون في فخّ صعب للغاية، ربّما ينبغي أن نتحدّث عن صدمة صينية ثانية، والتي ستؤثّر بشكل كبير على إعادة تنظيم التجارة العالمية.

خلال تسعينيّات القرن الماضي كانت معظم الشركات الأميركية تضغط من أجل تجارة حرّة وعلاقات منفتحة مع الصين. والآن، تواجه بيئة تجبرها على تقليل المخاطر، وربّما حتّى فكّ الارتباط. لكن كيف يتعامل تكتل كبير أمضى سنوات في بناء سلاسل توريد تشمل الصين، إضافة إلى الضغط الذي قد تمارسه إدارة ترامب على دول ثالثة، لفكّ الارتباط مع الصين، وما تأثير ذلك على الشركات الكبرى.

تقول الباحثة إليزابيث براو، حين أدركت الشركات الأميركية والغربية ضرورة تقليل تعاملاتها مع الصين، أدركت أنّها عملية بالغة التعقيد بشدّة، وتتضمّنُ إجراءات متعدّدة وخطوات عملية لا حصر لها، ولن تكون سريعة، لكنّ الشركات الغربية تبحث منذ سنوات عن دول للانتقال إليها. وحتّى لو نقلت الشركات مصانعها، فمن أين سيأتي المورّدون، وماذا لو استمرّت مراكزهم في الصين، وكيف يمكن إيجاد بدائل عنهم، مع أنّ هذا يحدث بالفعل منذ أن أضافت إدارة ترامب زيادة على التعريفات الجمركية التي أطلقت الحرب التجارية. والأمر لا يقتصر على الاقتصاد فحسب، بل هو مسألة جيوسياسية. لقد شهدنا تزايداً في المواجهات بين روسيا والغرب من جهة، والصين والغرب من جهة أخرى.

هذه هي الحقيقة والمشكلة الجوهرية للشركات، التي عادة ما تمارس الأعمال في بلد آمن، والصين وروسيا كانتا آمنتين إلى أن أصبحتا خصمين أيديولوجيين فجأة، بينما يستغرق إنشاء سلسلة توريد وقت طويل، تعمل الشركات الغربية أساساً خلف خطوط في هذه المواجهة الأيديولوجية. إضافة، حتّى لو وجدت دولة أخرى لنقل العمليات إليها، فلن تستطيع دولة واحدة أن تحلّ مكان الصين. ومن المرجّح أن نشهد تحالفات أو تجمّعات، مثل فيتنام التي تتعاون مع دول أخرى لتقديم حلول جذّابة للشركات الغربية. ولكن هل ستتحقّق هذه الحلول بسرعة كافية بالنسبة للشركات العاملة في روسيا، حتّى الآن لم يحدث ذلك.

هل يمكن للدول تجاوز الصين أو الولايات المتحدة في التجارة. وهل الاتّفاقيات مثل تلك التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع "ميركوسور"، التجمّع الاقتصادي في أميركا اللاتينية الذي يضمّ البرازيل والأرجنتين والأرغواي قد تشكّل حلّاً، وكم من الوقت سيستغرق ظهور تكتّلات وشراكات أخرى مماثلة. يقول الباحث إسوار براساد عن ذلك، الوضع اليوم معقّدٌ للغاية، حيث يتراجع أكبر اقتصادين عن التجارة، ولكن بطرق مختلفة. مثلاً، الصين تتحدّث عن أهمّية التجارة كونها حامية للعولمة، لكنّها تريد المضي قدماً في العولمة بشروطها الخاصة، لذلك من المتوقّع حصول تحوّلات.

ولقد بدأت الشركات بالتركيز بشكل أكبر على المرونة، ونقل سلاسل إنتاجها وتوريدها نحو مناطق الحلفاء الجيوسياسيين بين الدول. الهند، على سبيل المثال، تعتبر حليفاً للغرب، لذلك تنقل شركة آبل بعض عمليات التصنيع إليها. لكنّ الهند لا تستطيع مواكبة حجم الصين، ولن تستطيع إحداث تغييرات هائلة فورية، ولكنّ التغيير مقبل لا محالة. ومن شبه المؤكّد أنّ تحالفات تجارية ستظهر بين دول أخرى. لكن هناك مشكلة واحدة بمواجهة الدول الصغيرة بصعوبة بالغة، تتركّز في قواعد اللعبة التي قد تمزّقت تماماً.

ولقد أدّت منظّمة التجارة العالمية دوراً بالغ الأهمّية في إلزام الدول الصغيرة والكبيرة على حدّ سواء بمجموعة القواعد نفسها. يمكن القول إنّ بعض الدول الكبرى لم تكن بالضرورة تطبّق هذه القواعد، لكنّ أكبر اقتصاد في العالم انفصل الآن بشكل رئيسي عن منظّمة التجارة العالمية، لذلك الجميع تحت وطأة عالم بلا قواعد عامّة، ومن دون جهة قادرة على إلزام تطبيقها، وهو دور أدّته الولايات المتحدة إلى حدّ ما على مرّ السنوات.

بالطبع القلق كبير بشأن الدول ذات الدخل المنخفض والمعتمدة على التجارة مثل الهند والبرازيل، لكنّ حجمهما الكبير كافٍ لاعتماد كلّ منهما على الذات. مع ذلك، هناك شريحة كبيرة من الدول من ضمنها العديد في أفريقيا، تتمتّع بتركيبة سكانية أفضل من جيل الشباب، وهي بحاجة إلى العولمة لبناء قطاعاتها الصناعية ولإتاحة تشكّل طبقات وسطى نابضة بالحيوية، ثمّ فجأة تجد نفسها في عالم تتحوّل التجارة فيه تحوّلاً جذرياً. على هذا يتوقّع أن تكون بيئة التجارة معادية لتلك الدول تحديداً بشدّة.

وعن إلحاق الضرر غير المتناسب بالدول الصغيرة والأسر والعمال ذوي الدخل المحدود نتيجة لتراجع العولمة، يجادل العديد من الاقتصاديين بأن الرسوم الجمركية ضريبة رجعية، بينما يعتبر المؤيّدون لترامب بأنّ عودة التصنيع ستعوّض ذلك من خلال خلق فرص عمل. عن ذلك تقول الباحثة إليزابيت براو، يمكن جعل التعريفات الجمركية فعّالة للغاية من خلال عزل الدولة عن بقية العالم. مثلاً، سيتمّ استهلاك كلّ إنتاج الولايات المتحدة في داخلها، وهذا يعني بالتأكيد أنّه يوفّر وظائف في قطاعات معيّنة، حيث سيبدأ الأميركيون في تصنيع الألعاب والملابس والأحذية في بلادهم. لكنّ الصعوبة تكمن في أنّ العمّال الأميركيين يريدون أجوراً أعلى نسبياً من معظم العمال في دول العالم، وهذا يؤدّي إلى ارتفاع أسعار السلع كافّة، ممّا يجعل من الصعب على الناس تحمّل تكلّفتها، وبالتالي، سيلج الاقتصاد إلى الانكماش، ولو كانت هناك وظائف جديدة لأنّ التأثير العامّ على الاقتصاد الأميركي سيكون سلبياً للغاية.

 ولهذا السبب يعتقد الاقتصاديون أنّ العولمة أمر جيد للتجارة العالمية، وهي غيّرت الإنتاج على نحو أساسي بطريقة أكثر كفاءة في جميع أنحاء العالم.

لكن، التحدّي الحقيقي يكمن في ضمان أن يجد كلّ فرد فرصته في الاقتصاد في بلاده. وما يثير القلق حقّا بشأن مسار العولمة هو أنّه على الرغم من ضخامة فوائدها، إلّا أنّ هناك شعوراً بأنّها افتقرت إلى سياسات لحماية المتضرّرين. ومع أنّ الاضطرابات أمر لا مفرّ منه في اقتصاد السوق، وخاصة مع العولمة. لذلك إذا لم تتمّ حماية من تتعطّل أشغالهم، بينما تنتشر حالة عدم اليقين من خلال سياسات مثل الرسوم الجمركية، سيشعر الكثيرون بفقدان فوائد العولمة التي أصبحت تعود بالنفع على المزيج السامّ بين النخب الاقتصادية والسياسية فقط.

لذلك، بدلاً من التركيز على العولمة كمشكلة، يجب التفكير في سياسات ضرورية، مثل سياسات دعم الدخل. ومن الصعب خلق شعور بتكافؤ الفرص، والناس بحاجة إلى الحماية من الصعوبات التي قد تكون مؤقّتة. كما، من السهل جدّاً تجاهل العمل الشاقّ الذي يبذل في تلك السياسات، وبدلاً من ذلك التواري خلف عبارة "هذا كلّه خطأ الصين." وللأسف، هذا هو وضع الولايات المتحدة السياسي.

مع ذلك، تبقى التساؤلات الملحّة عن أيّ جوانب إيجابية لتراجع العولمة بالنسبة للعمّال المهمّشين والبيئة، التي تقول عنها الباحثة إليزابيث براو، إنّ من بنوا العولمة فعلوا ذلك من دون أيّ اعتبار للبيئة. ولقد كانت اجتماعات مؤتمر الأطراف، جهداً جديراً بالثناء لمعالجة تغيّر المناخ وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، والتي تمّ تجاهلها إلى حدّ كبير عندما بدأ صانعو السياسات وقادة الأعمال بناء العولمة بدءاً من أواخر الثمانينيّات. وإذا أتيحت لنا فرصة بناء "العولمة 2"، آمل أن تكون معالجة تغيّر المناخ جزءاً من بنيتها.

ولا شكّ في أنّ تقريب المصنّعين من المستهلك أينما كان سيكون مفيداً من الناحية البيئية، بدل نقل كميّات هائلة من البضائع، عبر سلاسل التوريد التي تمتدّ حول العالم، وهو متاح بفضل قطاع الشحن المدهش الذي يستطيع نقل أيّ شيء بتكلفة منخفضة جداً، لكنّه غير ضروري.

أمّا بالنسبة لإعادة الوظائف، وهي فكرة جذّابة، فقد عبّر عنها أشخاص لم يعملوا في المصانع. والسؤال كم من المشاركين في نقاش تراجع العولمة سيعمل في مصنع إذا عاد أحدهم إلى مسقط رأسه.

بينما فقدت الولايات المتحدة جيلاً كاملاً من العمّال، حين أغلقت المصانع أبوابها، أمّا بسبب المكننة أو لنقل مقارّها إلى الخارج. وهؤلاء الآن لم يعودوا في سنّ العمل. لذلك على الولايات المتحدة تدريب عمّال مصانع جدد، وتعليمهم المهارات الجديدة لأنّ التصنيع أصبح أكثر تطوراً من الماضي.

إذا فعلت الولايات المتحدة ذلك، بالطبع سيستفيد الجميع وتتحقّق مصلحة الأمن القومي. لكن من الخطير أن يكون هناك هذا الكمّ الهائل من التصنيع في دول لم تعد حليفاً موثوقاً به.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.