"ناشونال إنترست": إعادة إعمار غزة لا ينبغي أن تؤدي إلى توسيع رقعة الاحتلال

إنّ السياسة الأميركية تسمح لـ"إسرائيل" بتقويض اتفاق وقف إطلاق النار وتزيد من تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة.

  • "ناشونال إنترست": إعادة إعمار غزة لا ينبغي أن تؤدّي إلى توسيع رقعة الاحتلال

مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً يكشف كيف تُسهم برامج "المساعدات الإنسانية" وإعادة الإعمار الأميركية لقطاع غزّة في إدامة الاحتلال الإسرائيلي وتفاقم الكارثة الإنسانية بدل حلّها.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

تُشير التقارير إلى أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمضي قدماً في خطط إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية المُعيبة في غزة، والتي من شأنها إطالة أمد الاحتلال الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين. وللأسف، هذا هو التوجّه السائد منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث دأبت إدارتا ترامب وبايدن السابقتان على الالتزام باستراتيجيات فشلت في معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة في القطاع. وإذا كانت واشنطن تأمل حقاً في حلّ هذه الأزمة والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني الأوسع، فيتعيّن عليها تعديل نهجها ليأخذ في الاعتبار احتياجات الفلسطينيين والدور المفسد الذي تؤدّيه "إسرائيل"، ومواءمة مصلحتها في تقليص وجودها في الشرق الأوسط مع وقف إطلاق النار وجهود السلام.

لكن لسوء الحظ، تتبع إدارة ترامب نهجاً معاكساً. ففي ما يتعلق بالتخطيط لإعادة الإعمار، تشير التقارير إلى أنها تدفع نحو إعادة بناء الجانب الإسرائيلي من قطاع غزة المنقسم الآن، واختارت إعادة تسمية تخطيطها "للمجتمعات الآمنة البديلة" (ASC) لنحو 2.2 مليون فلسطيني. وقد وصف المدافعون عن حقوق الإنسان والعاملون في المجال الإنساني والفلسطينيون في غزة وحتى رؤساء الوزراء الإسرائيليون السابقون المجتمعات الآمنة البديلة بأنها ليست أكثر من محاولة لوضع الفلسطينيين في غزة في معسكرات اعتقال، حيث لن يتمكّنوا من المغادرة في ظلّ الحظر الذي تفرضه القوات الإسرائيلية أو القوة الدولية لتحقيق الاستقرار التي لا تزال مُعلّقة والتي وافق عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مؤخّراً في قرار يدعم خطة ترامب للسلام المكوّنة من 20 نقطة في غزة.

وللتوضيح، لا ينبع تحوّل واشنطن من الإيثار. بل إنّ الهدف المفهوم من إعادة إعمار أجزاء من غزة غير متاحة للفلسطينيين، وتركهم يعانون في أقل من نصف مساحة القطاع، وسط دمارٍ لا يتعدّى الأنقاض ومساعدات إنسانية محدودة لا تزال "إسرائيل" تمنعها إلى حد كبير، في انتهاكٍ لوقف إطلاق النار والقانون الدولي، يتمثّل في الضغط على حماس لتسليم سلاحها. وتأمل واشنطن و"إسرائيل" على الأرجح في زيادة الضغط على الفصيل الفلسطيني في الشارع، من خلال قيام القادة الإسرائيليين بتعزيز قبضتهم على الأراضي التي يحتلونها.

وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحةً أنّ قواته لن تغادر القطاع من دون نزع سلاح حماس، في انتهاكٍ لاتفاق وقف إطلاق النار. ومنذ أن بدأت "إسرائيل" "خطتها العامة" في تشرين الأول/أكتوبر 2024، كان هدفها، ولا يزال، إجبار الفلسطينيين على النزوح إلى مناطق غير خاضعة لسيطرة حماس من خلال استخدام المساعدات الإنسانية والمأوى كسلاح. وقد شكّلت المجتمعات الآمنة البديلة امتداداً لهذا المفهوم. وفي الآونة الأخيرة، ترسّخت هذه الفكرة في عقول العصابات المدعومة من "إسرائيل" التي تسيطر على ما يُسمّى بـ"المناطق الآمنة"، الأمر الذي فتح الباب أمام المزيد من حملات القصف العشوائي في الأراضي الخاضعة لسيطرة حماس.

لطالما تمحور الافتراض الأساسي الكامن وراء نزوح الفلسطينيين إلى المناطق الآمنة حول نزع سلاح حماس والقضاء عليها. وقد استمرت الشائعات في الأسابيع الأخيرة التي تقول إنّ الولايات المتحدة متردّدة في نزع سلاح حماس، نظراً لصعوبة إنشاء قوات دولية لتحقيق الاستقرار. إذ تخشى الدول المشاركة المحتملة من فرض أيّ جهد لنزع السلاح، وقد يؤدّي ذلك في نهاية المطاف إلى مواجهة مباشرة مع حماس. 

وفي ما يخصّ تدفّق المساعدات الإنسانية، تُشير تقارير جديدة إلى أنّ شركة "يو جي سوليوشنز"(UG Solutions) الأمنية، التي تتخذ من ولاية كارولينا الشمالية مقراً لها والمتعاقدة مع مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، تعمل على توظيف أشخاص لتوسيع نطاق عملياتها في القطاع. وفي وقت سابق، صرّح السفير الأميركي لدى "إسرائيل"، مايك هاكابي، بأنّ المؤسسة ستتوسّع لتشمل 16 مركز توزيع. ومع ذلك، أعلنت المجموعة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر أنها ستوقف عملياتها في غزة مع بقائها كمنظمة غير حكومية فاعلة، مُشيرة إلى أنها قد تستأنف عملها في القطاع في المستقبل، استناداً إلى حملة التوظيف المناسبة.

وباعتبارها آلية مساعدة خاصة مدعومة من الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وتديرها شركات مقاولة أميركية، إلى جانب رجال أعمال إسرائيليين ومسؤولين عسكريين سابقين، لم تتمكّن مؤسسة غزة الإنسانية إلا من فتح 4 مراكز لتوزيع المساعدات في أواخر أيار/مايو، بذريعة منع حماس من سرقة المساعدات. ويُذكر أنّ نظام المساعدات التابع للأمم المتحدة كان يُدير أكثر من 400 مركز توزيع في مختلف أنحاء غزة، وكان يُعتبر بشكل عامّ فعّالاً.

لم تكن مؤسسة غزة الإنسانية يوماً منظّمة إنسانية. فهي لا تحترم المبادئ الأساسية للعمل الإنساني المنصوص عليها في القانون الدولي: الإنسانية، والنزاهة، والحياد، والاستقلالية. وقد اتهمت منظمات إنسانية رائدة ومسؤولون في الأمم المتحدة، إلى جانب المدير التنفيذي الأوّل لمؤسسة غزة الإنسانية وموظفون سابقون في شركة "يو جي سوليوشنز"، المؤسسة بعدم العمل وفقاً لهذه المبادئ الأساسية. وتُسلّط بعض التقارير الضوء على انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان من جانب الشركات الأمنية المتعاقدة التي تدعم عمل مؤسسة غزة الإنسانية.

إضافة إلى ذلك، انتهكت مؤسسة غزة الإنسانية، بالتعاون الوثيق مع "الجيش" الإسرائيلي في مناطق عسكرية مغلقة (وهي مناطق يُدمّر فيها كلّ ما يتحرّك)، المبادئ الإنسانية الأساسية بتعريض حياة الفلسطينيين للخطر، وتبنّيها لحجج إسرائيلية حول المساعدات، وجمعها بيانات عن وجوه الفلسطينيين باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع أجهزة الدفاع والاستخبارات الإسرائيلية. وأفادت التقارير بأنّ شركة "يو جي سوليوشنز" وظّفت عدداً كبيراً من الشركات الأمنية المرتبطة بعصابة راكبي الدراجات النارية المعادية للإسلام في الولايات المتحدة.

لقد قتلت "إسرائيل" أكثر من 2000 فلسطيني بالقرب من هذه المراكز، وبرّرت مؤسسة غزة الإنسانية عمليات القتل بأن لا علاقة لها بعملياتها، مُحمّلةً حماس مسؤولية مقتل هؤلاء الأشخاص. وهذه ليست نزاهة أو حياداً، بل هذا تواطؤ على حساب حياة المدنيين.

علاوة على ذلك، فشلت المؤسسة في تقديم مساعدة كافية للفلسطينيين. فكانت المجموعة تهدف إلى توفير 300 مليون وجبة خلال أول 90 يوماً من عملها، أي ما يعادل نحو 1.6 وجبة للشخص الواحد في غزة. وعلى الرغم من نقصها أصلاً، فإنّ ادّعاءها بتوزيع 135 مليون وجبة فقط بحلول 23 آب/أغسطس - أي بعد 90 يوماً من بدء عملها - دليلٌ على ذلك. فقد ضربت المجاعة غزة لأنّ هذه الآلية كانت كارثية.

هذه العيوب مقصودة، ولا تختلف عن عيوب عمليات رصيف المساعدات التي نفّذها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن أو استمرار استخدام عمليات الإنزال الجوي الخطيرة. ولم تُحقّق الجهود السابقة أيّ مستوى مؤثّر من المساعدات إلى القطاع، ما أدّى إلى إصابة الكثير من الجنود الأميركيين، ومهّد الطريق لتجاهل أنظمة الإغاثة المحايدة في غزة وتهميشها. أما الجهود الأخيرة، فأدت إلى مقتل عدد كبير من الفلسطينيين، وفشلت في إحداث تغيير جذري في أزمة الجوع في غزة، التي تطوّرت إلى مجاعة في ظلّ الدعم الذي تقدّمه إدارة ترامب لمؤسسة غزة الإنسانية.  

إنّ العلاقة الأميركية – الإسرائيلية السامة هي التي تدفع واشنطن إلى انتهاج مثل هذه السياسات. والسبب وراء ذلك هو عجز الطبقة السياسية عن إدراك أنّ المصالح الأميركية ــــــ وليس المصالح الإسرائيلية ـــــــ هي التي ينبغي أن تقود السياسة الخارجية الأميركية. كما أنّ جُبن الإدارات الأميركية، الممتد لعقود، يدلّ على أنّ الانصياع لأهواء شريك صغير في صراع كان ينبغي أن ينتهي منذ زمن طويل قد أدى إلى تورّط واشنطن في انتهاكات وحشية لحقوق الإنسان، وأضرّ بسمعتها، وأهدر مواردها، وهو أمر لا يُقارن بما عايشه الفلسطينيون وما زالوا يعانون منه يومياً. 

وينبغي للولايات المتحدة أن لا تستثمر أموال دافعي الضرائب في أيّ جهد يفشل في تحقيق الهدف المُعلن المتمثّل في وقف إطلاق النار المستدام والآمن، وتحسين الأوضاع الإنسانية، وتوسيع نطاق السلام في غزة، ناهيك عن أيّ جهد يخدم مصالح دولة أخرى على حساب كلّ شيء آخر، بما في ذلك أرواح الأبرياء. ويكمن الحلّ الحقيقي في الضغط على "إسرائيل" للالتزام باتفاق وقف إطلاق النار وتطبيق خطة الـ20 نقطة. وحتى هذا النهج لا يرقى إلى المستوى المطلوب لإنهاء الصراع: انسحاب إسرائيلي فوري وبذل جهود لإقامة دولة فلسطينية من دون أيّ شروط مسبقة. 

إنّ ترسيخ "الخط الأصفر" الحالي الفاصل بين الأراضي التي تسيطر عليها حماس وتلك التي تسيطر عليها "إسرائيل" في غزة يشكّل خطة لحرب أبدية، وهو أمر لا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة وسيعزّز من انخراطها في الشرق الأوسط ويصرف انتباه واشنطن عن مخاوفها الرئيسة في الداخل وفي مناطق أخرى من العالم. وأيّ قرار بتعميق التدخّل الأميركي في غزة من خلال الدعم الصارخ من جانب واحد لـ"إسرائيل"، ولا سيّما أنّ هذا الجهد يدعم سياسات فاشلة وغير قانونية تقتل المدنيين، لا يعكس سلوك رئيس مهتم جدّياً بإرساء السلام.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.