"نيويورك تايمز": ممداني المنتصر سيصعد إلى الساحة الدولية

تتمتَّع نيويورك بمكانة عالمية تمنحها دوراً قوياً في الدبلوماسية دون الوطنية.

  • "نيويورك تايمز": ممداني المنتصر سيصعد إلى الساحة الدولية

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول تحديات وأبعاد الدور الدولي لعمدة نيويورك الجديد، زهران ممداني، وكيف يمكن أن يتحول من زعيم محلي منتخب على أساس قضايا داخلية إلى فاعلٍ في السياسة الخارجية والدبلوماسية دون الوطنية بحكم مكانة المدينة الاقتصادية والسياسية العالمية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية: 

ركَّزت حملة زهران ممداني الانتخابية لمنصب عمدة مدينة نيويورك على ما سيُقدّمه للمدينة، ولفت الانتباه إلى برنامجه المتضمن إنشاء متاجر بقالة مملوكة للمدينة، ورفع ضريبة الشركات، وإنشاء إدارة للسلامة المجتمعية. وخلال أول مناظرة للمرشَّحين المنافسين على المنصب، سُئلوا عن الدولة التي سيسافرون إليها أولاً كعمدة، وأجاب ممداني بأنه سيبقى في نيويورك، بينما غابت النقاشات حول السياسة الخارجية عن الحملة الانتخابية، باستثناء دعم ممداني لفلسطين وانتقاده "إسرائيل"، وهو أمر مفهوم، مع أنَّه كان أقلَّ اهتماماً بالحديث عن "إسرائيل" وفلسطين مقارنةً بمنافسه أندرو كومو.

وبصفته عمدة الآن، قد يجدُ ممداني نفسه مُتورّطاً في مثل هذه النقاشات، خاصَّةً وأنَّ الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة نيويورك الحضرية حوالي 2.3 تريليون دولار أمريكي، ما يجعلها بمفردها، عاشر أكبر اقتصاد في العالم بعد روسيا مباشرةً. كل هذا يمنح العمدة القدرة على صياغة السياسة الخارجية والدفاع عن مصالح الولاية على الصعيد العالمي.

لقد خاض ممداني حملته الانتخابية حول قضايا داخلية، ولكنَّ الناخبين المتنوعين والدوليين في نيويورك، وقُوَّة المدينة الثقافية الهائلة، ودورها كمركز للاقتصاد العالمي يعني أنَّه كعمدة، سوف يضطرُّ حتماً التعامل مع السياسة الخارجية. كذلك، في مختلف أنحاء البلاد، أصبحت المدن والولايات أكثر جُرأةً في العمل بشكل مستقل عن الحكومة الفيدرالية، حتى في المجالات التي كانت تقليدياً من اختصاص الحكومة الاتحادية، مثل السياسة الخارجية.

ويُعزَّى صعود الدبلوماسية دون الوطنية إلى مجموعة من العوامل. أولاً، أصبحت المناطق الحضرية الآن قوىً اقتصاديةً وسُكّانيةً هائلةً، حيث أصبح الناتج المحلي الإجمالي لعدَّة ولايات من ضمنها نيويورك وتكساس وكاليفورنيا، مُماثلاً في حجمه لاقتصادات الدول الكبرى. وغالباً ما تكون لهذه المناطق رؤىً تختلف عن أولويات الحكومة الاتحادية أو أيديولوجيتها، وهي أهداف يُولّيها السياسيون المحليون اهتماماً بالغاً.

مثلا، تعتبر كاليفورنيا رائدةً في الدبلوماسية دون الوطنية على مستوى الولايات، وقد افتتحت مكتبها التجاري الخاصَّ في المكسيك، وتفاوضت على اتفاقيات تجارية ثنائية مباشرة مع دول أجنبية، وتعهَّدت بدعم أهداف اتفاقية باريس للمناخ بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاقية. حتى عندما لا تتعارض أولويّاتها، تدرك المدن بشكل متزايد حاجتها إلى سياسات خارجية خاصَّة بها للدفاع عن مصالحها على أفضل وجه.

كذلك، أدَّت التحدّيات العالمية، مثل جائحة كورونا وتغيُّر المناخ، إلى مطالبة المواطنين باتّخاذ إجراءات. وهنا، قد يتمكَّن القادة على المستوى دون الوطني من التحرك أسرع من الحكومات الوطنية، وإظهار استجابتهم لرغبات ناخبيهم. وفيما يتعلَّق بالمناخ، تعتبر مجموعة المدن الأربعين مجموعة عالمية تضمُّ 97 مدينةً ملتزمةً بالعمل المناخي، بغضّ النظر عن مواقف حكوماتها الوطنية تجاهه. كما عملت المدن على معالجة السياسات من خلال دعمها لسياسات "مدن الملاذ الآمن"، حيث تُقيَّد المدن تعاونها مع سلطات الهجرة الفيدرالية في جهودها لترحيل المهاجرين غير الشرعيين.

يرتكز هذا الوضع على توتر بين القادة المحليين ومسؤولي الولايات والحكومة الفيدرالية. ويلخص تقرير "الاتّجاهات العالمية" لعام 2021، الصادر عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكي، هذه الديناميكية بشكل جيد، مُوضّحاً أنَّ المدن قد تُؤدّي دوراً مُتزايداً في الشؤون الدولية لأنَّ مواطنيها غالباً ما يرون أنَّ قيادات المدن أكثر موثوقية وأكثر انسجاماً مَعَ معتقداتهم من الحكومات الفيدرالية.

بصفته عمدة نيويورك، سيواجه ممداني هذا التوتر على نحو مباشر. فهو يقود دائرة انتخابية ديمقراطية بأغلبية ساحقة، ويعلن نفسه اشتراكياً ديمقراطياً. أمّا ترامب فهو عكس ذلك، وقد برز العداء بينهما بالفعل خلال الحملة الانتخابية، حيث وصفه ترامب بأنَّه "فظيع" و"سيّئ السمعة" و "مُختل عقلياً". وقد نصَّبَ ممداني نفسه درعا واقياً بين ناخبيه وترامب، الذين يتطلعون إليه لمعالجة القضايا التي يرون أنَّ الحكومة الفيدرالية أخفقت فيها.

وقد أدلى ممداني ببعض التصريحات المتعلِّقة بالسياسة الخارجية، مُتعهّداً باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بناءً على مُذكّرات التوقيف الصادرة بحقّهما من المحكمة الجنائية الدولية إذا زارا المدينة، على الرغم من أنَّ الخبراء القانونيين حذَّروا من أنَّ هذا مستحيل عملياً.

ورغم أنَّ ممداني لا يملك أي إشراف مباشر على مراقب المدينة المالي، فإنَّه قد يحاول مع ذلك الحد من الأماكن التي تنفق فيها المدينة أموالها، والضغط من أجل بيع السندات والاستثمارات المملوكة للأجانب. وفي هذه النقاط من المرجَّح أن يواصل ممداني العمل مع مدن أخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة وحول العالم، مثل تحالف المدن المحايدة كربونياً، الذي يوظف التمويل الخاص لمساعدة المدن على تحقيق الحياد الكربوني. يساعد انضمام نيويورك إلى التحالف المدينة على تحقيق أهداف المناخ العالمية، بينما تراجعت الولايات المتحدة عن التزاماتها الدولية.

بدأت منظَّمة "مدن من أجل العمل" عام 2014 برئاسة عمدة المدينة آنذاك بيل دي بلاسيو، وهي مجموعة تضمُّ 200 رئيس بلدية ومدير تنفيذي من مدن أمريكية، وهي تحثُّ الحكومة المركزية على سنِّ سياسات اتحادية أكثر دعماً للمهاجرين. ومن المتوقَّع أن يواصل ممداني المشاركة في هذه المنظَّمات، وهو دعا في برنامجه الانتخابي إلى الحفاظ على مكانة نيويورك كمدينة ملاذ آمن، وأن يبني أيضاً تحالفات جديدة بقيادة المدينة حول قضايا تهمُّها وتُعتبر محوريةً، مِثْلَ حُقُوقِ العُمّال، والسكن بأسعار معقولة، والتعليم.

قد يسعى ممداني أيضاً إلى تقليص جهود العمل التشاركي مع الخارج لشرطة المدينة، التي لديها قسمها الدولي الخاصُّ، حيث يعمل 14 مُحقّقاً من شرطة نيويورك في وكالات حول العالم مع نظرائهم العالميين. ونظراً لأنَّ وجهة نظر ممداني النقدية لشرطة نيويورك معروفة جيداً، فقد يسعى إلى إلغاء بعض اتفاقيات التعاون الدولي الخاصَّة بها.

يعتبر السفر الدولي وسيلةً أخرى لممداني لبناء علاقات في مجال السياسة الخارجية والاستفادة من شعبيته المتزايدة في الخارج. وهو المولود في أوغندا من أصول هندية، وقد استطاع بناء شبكات داعمة له في أرجاء نيويورك من الجاليات الأفريقية والجنوب آسيوية، ومع ازدياد شعبيته في المدينة وجميع أنحاء الولايات المتحدة، ازدادت شعبيته دوليا أيضاً.

في أوغندا مسقط رأسه، أثار ممداني فخرا وطنياً، وفي أوروبا، تدرَّس حملته كنموذج يحتذى به من قبل سياسيين يساريين آخرين. لكنَّه واجه أيضا انتقادات في الخارج، وخاصَّةً في الهند، حيث أكسبه تنديده المستمرُّ برئيس الوزراء ناريندرا مودي انتقادات. وفي حين أنَّ حملته الانتخابية كانت قائمة على البقاء محلياً، فمن المرجَّح أن يسافر ممداني إلى مدن ودول يحكمها سياسيون متشابهون في التفكير، سعياً لبناء روابط جديدة وسبل للتعاون. ومن المرجَّح أن يكون هذا الانخراط في الاتجاهين.

في عطلة نهاية الأسبوع الماضي من حملة الانتخاب اتَّصل زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيريمي كوربين هاتفياً بممداني لدعمه. وقد يسعى ممداني إلى بناء جسور بين القادة والحركات السياسية اليسارية الأخرى حول العالم بعضهم، مثل عمدة لندن صادق خان، كان بالفعل هدفاً لانتقادات ترامب العدوانية. وقد أدَّى خان دوراً نشطاً في الدفاع عن لندن والمدن ككل على الساحة العالمية. وهو أيضاً المبعوث الخاص لمبادرة معاهدة حظر انتشار الوقود الأحفوري، التي تهدف إلى تعزيز دور المدن في مكافحة أزمة المناخ. كما قاد خان بعثة تجارية إلى نيجيريا وغانا وجنوب إفريقيا، داعياً إلى روابط مباشرة واستثمارات بين مدينة لندن والدول الأفريقية.

لكنَّ قضايا السياسة الخارجية قد تزيد توتُّر العلاقة المتوترة أصلاً بين مجلس المدينة والبيت الأبيض. وفي عام 2019، رفعت إدارة ترامب الأولى دعوى قضائية ضدَّ ولاية كاليفورنيا، بسبب إدراجها مقاطعة كيبيك الكندية في سياستها المتعلقة بتحديد سقف انبعاثات الكربون وتداولها. ورغم رفض الدعوى لاحقاً، جادلت الحكومة الفيدرالية بأنَّ إدراج كيبيك يُقوّض قدرة واشنطن على تنفيذ سياستها الخارجية، وهي حُجَّة يمكن تكرارها بسهولة، اعتماداً على الإجراءات التي يتَّخذها ممداني.

من غير المُرجَّح أن يتَّخذ ممداني نهجاً دولياً، على الأقلِّ في البداية. فقد ركَّزت حملته ومنصته ورسالته بشدَّة على مدينة نيويورك، ويعود ذلك جزئياً إِلى الهجمات التي واجهها والتي وصفته بأنَّه دخيل وأجنبي، كما قد يعرضه اللجوء إلى الدبلوماسية دون الوطنية لمزيد من الهجمات في هذا السياق، خاصَّةً إذا قام بزيارات دولية. 

وعلى هذا النحو، فمن المرجَّح أن يحاول ممداني، بصفته العُمدة، التركيز على تحقيق وعود حملته الانتخابية، ولكنَّ الطبيعة الدولية لمدينة نيويورك، وقاعدته الانتخابية المتنوّعَةِ وَالمُتَشابِكَةِ دَوْلِيّاً، والنسبة المتزايدة من السكان التي تتطلَّع إلى القادة المحليين، وليس الفيدراليين، لاتّخاذِ الإِجْراءاتِ اللازِمَةِ، كُلُّ هٰذا يَعْنِي أَنَّ ممداني سيضطرُّ إلى الاهتمام بالقضايا الخارجية بغضَّ النظر عن مدى محاولته الحثيثة للحفاظ على تركيزه على القضايا المحلية.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.