"واشنطن بوست": ترامب ليس رجلاً من فولاذ
سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهدّد الصناعة الأميركية، وقد يكون المبرّر هو السعي إلى الاستقلال الأميركي، إلّا أنّ النتيجة ستكون حرّية وازدهاراً أقلّ.
-
شركة فولاذ الولايات المتحدة (يو أس ستيل)
هيئة تحرير صحيفة "واشنطن بوست" تنشر مقالاً يناقش السياسات الاقتصادية الحمائية في قطاع الصلب الأميركي، خاصة الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب، وتأثيرها الاقتصادي والسياسي محلياً ودولياً.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
ليس دونالد ترامب أول رئيس أميركي يحاول إنقاذ صناعة الصلب والمعادن في البلاد. وخلال رئاسة جورج دبليو بوش، فرضت الحكومة الأميركية على التوالي جولات من الرسوم الجمركية لحماية قطاع رائد ساهم في بناء الصناعة الثقيلة الأميركية بدءاً من القرن الـ19. ومع أنّ هذه الرسوم أضرّت اقتصاد الولايات المتحدة في القرن الماضي، لكنّ ترامب يريد فرض رسوم أكبر الآن، حيث فرض مؤخّراً رسوماً جمركية ضخمة بنسبة 50% على واردات الصلب والألمنيوم.
من الصعب التقليل من حجم الأذى الذي ستلحقه هذه الرسوم. لكن، من المؤكّد أنّها ستعقّد المفاوضات التجارية التي تجريها إدارة ترامب مع عشرات الدول. وكان الاتحاد الأوروبي قد هدّد بالفعل بالردّ واتّخاذ إجراءات.
ربّما يمكن التكهّن بأنّ الرسوم الجمركية الجديدة ستستخدم كورقة ضغط مفيدة في مفاوضات التجارة الدولية. لكنّ التاريخ الحديث لزيادة الرسوم الجمركية على الصلب والمعادن يشير إلى أنّها ستبقى قائمة، وستكون ضارّة حتّى من دون ردّ انتقامي من أيّ من الدول. وقد وجدت دراسة حول رسوم بوش الجمركية عام 2002 أنّ ارتفاع أسعار الصلب كلّف خسارة 200 ألف وظيفة في مختلف القطاعات الاقتصادية، أي أكثر من إجمالي عدد العمال المنتجين للصلب آنذاك. وقدّرت دراسة أخرى، أجراها اقتصاديون في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، أنّ الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم، التي فرضت في آذار/مارس 2018، خلال ولاية ترامب الأولى، زادت ما يقرب من ألف وظيفة في إنتاج الصلب بحلول منتصف عام 2019، لكنّها كلّفت نحو 75 ألف وظيفة في قطاع التصنيع بشكل عام.
فالمعادن والفولاذ تشكّل ركيزة أساسية في مختلف قطاعات الاقتصاد، مثل صنّاع قطع غيار الآليات والدرّاجات النارية، والأجهزة المنزلية، والآلات الزراعية، ومعدّات التعدين، وأدوات استخراج النفط، والبطّاريات، والمركبات العسكرية، جميعها بحاجة إلى كمّيات كبيرة من الصلب. وكذلك الحال بالنسبة لقطاع البناء وشركات صناعة السيّارات. كما أنّ ضمان إمدادات كافية من الفولاذ بأسعار معقولة ضرورة أمنية وطنية، وهو سبب إضافي لتعزيز العلاقات مع الدول الصديقة المصنّعة للصلب، مثل كندا، بدلاً من إضعافها.
لوهلة بدا أنّ ترامب يخفّف حدّة نهجه القومي تجاه الصلب، حين ألغى حقّ النقض الذي استخدمه الرئيس جو بايدن ضدّ عرض شركة "نيبون ستيل" اليابانية بقيمة 14 مليار دولار أميركي لشراء شركة الصلب الأميركية. ومن شأن مليارات الدولارات من الاستثمارات الجديدة التي وعدت بها الشركة اليابانية في الشركة الأميركية المحاصرة السابقة أن تعزّز إنتاج الصلب، وتحمي الوظائف والعمالة. فالبديل الأكثر ترجيحاً لهذه الصفقة، وهو مزيج من شركة "يو أس ستيل" ومنافستها المحلّية "كليفلاند-كليفز"، وهذا من شأنه أن يخلق شبه احتكار في أنواع مختلفة من الصلب، من ضمنها تلك المستخدمة في صناعة السيارات.
ومع ذلك، حتّى هذه الأخبار التي تبدو جيدة جاءت مع محاذير كبيرة. لا يزال الكثير من الأمور غير واضح، ولكن يبدو أنّ اليابانيين سيوقّعون على اتفاقية أمن قومي تسمح بإشراف فيدرالي على عملياتهم في أميركا الشمالية، والمكوّنة من مجلس إدارة أميركي بالكامل يمكن للحكومة الأميركية أن تعيّن 3 أعضاء منهم، ممّا يمنحهم حقّ النقض على قرارات الشركة. وهذا سيترك الشركة تحت رحمة الحكومة الأميركية المتقلّبة باستمرار.
لم يبدأ هذا الموقف مع ترامب. فقد استخدم بايدن حقّ النقض (الفيتو) ضدّ استحواذ "نيبون" في العام الماضي في محاولة للحفاظ على بنسلفانيا، الولاية المتأرجحة انتخابياً وذات الأهمّية الحاسمة في صفّ "الديمقراطيين"، مغازلاً نقابة عمال الصلب المتحدة، التي عارضت قيادتها الصفقة. كما أعاد تنشيط السياسة الصناعية الأميركية، مروّجاً لخطط الاستثمار المكلفة التي توجّهها الدولة في مجال الرقائق الإلكترونية والطاقة الخضراء والنقل. لكنّ ترامب يعزّز الجهود الفيدرالية للتلاعب بالاقتصاد الخاص، في قطاع الصلب وكلّ القطاعات الأخرى تقريباً.
قد يكون المبرّر هو السعي إلى الاستقلال الأميركي، والنتيجة ستكون حرّية وازدهاراً أقلّ.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.