"وول ستريت جورنال": مغامرة ترامب الكبرى في معالجة مشكلات الشرق الأوسط
بعد وقف إطلاق النار في غزة، يسعى ترامب إلى تحقيق سلام أوسع في منطقة تحوّلت بفعل عامين من القتال.
-
"وول ستريت جورنال": مغامرة ترامب الكبرى في معالجة مشكلات الشرق الأوسط المستعصية
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تنشر مقالاً يتناول محاولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتقال من وقف إطلاق النار في غزة إلى مشروع سلام شامل في الشرق الأوسط، في وقتٍ يرى فيه أنّ عامين من الحرب قد غيّرا موازين القوى وخلقاً واقعاً جديداً يمكن استثماره لإنهاء الصراعات الممتدة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
يريد ترامب الانتقال سريعاً من وقف إطلاق النار في غزة إلى المشكلة الأشدّ تعقيداً، وهي السلام الأوسع في الشرق الأوسط، مراهناً على أنّ عامين من الحرب غيّرا وجه المنطقة بشكل كبير، لدرجة أنه يمكن تنحية عداوات استمرت عقوداً جانباً.
إنها مقامرة، على غرار الدبلوماسية غير التقليدية التي استخدمها ترامب لتأمين إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس، تتحدّى التفكير التقليدي بشأن المشكلات المستعصية التي تكمن في قلب مشكلات المنطقة، وتخاطر بإشعال التوترات بين "إسرائيل" والفلسطينيين والعالم الإسلامي الأوسع.
يوم الاثنين في "إسرائيل"، قدّم الرئيس رؤية شاملة لإنهاء عصر العنف الحديث الذي عصف بالشرق الأوسط لما يقرب من قرن. طرح ترامب عرضاً للسلام مع إيران، الدولة التي قصفتها الولايات المتحدة هذا العام؛ وحثّ مجموعة أوسع من الدول على إقامة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل"؛ ودعا إلى منطقة خالية من التشدّد والتطرّف.
وقال ترامب في تصريحات أمام البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بعد وقت قصير من إطلاق سراح الرهائن: "هذا هو الفجر التاريخي لشرق أوسط جديد".
كثيراً ما أدّى هذا النوع من الكلام إلى الإحباط أو ما هو أسوأ. فالشرق الأوسط مقبرة للخطط الطموحة. كان المحافظون الجدد في إدارة جورج دبليو بوش يأملون في نشر الديمقراطية بالإطاحة بالديكتاتور العراقي صدام حسين، لكنهم انتهى بهم الأمر إلى نشر تمرّد مدمّر استغرق إخماده سنوات.
لم تتحقّق خطة الرئيس جو بايدن لإنهاء الحرب في غزة والاستفادة من ذلك لإحداث تقدّم نحو إقامة دولة فلسطينية وتوسيع العلاقات الدبلوماسية العربية مع "إسرائيل".
حتى اتفاقيات أوسلو لعام 1993، التي كانت محدودة الأهداف نسبياً، وهدفت إلى رسم مسار للسلام بين "إسرائيل" والفلسطينيين، انهارت في النهاية وسط ضغوط المتطرّفين من كلا الجانبين.
بدأت تظهر بالفعل بعض التصدّعات في المرحلة الثانية من خطة ترامب للسلام. كانت محطته الثانية يوم الاثنين مصر لحضور قمة تضمّ ما يقرب من عشرين دولة لإظهار دعمها للخطة.
وحضر ممثّلون من جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط. ومع ذلك، لم يُطلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحضور. ساعد ترامب في تأمين دعوة، لكنّ الزعيم الإسرائيلي رفضها في النهاية، مشيراً إلى عطلة "سيمحات توراة" التي بدأت ليلة الاثنين.
وقال أشخاص مطلعون على الأمر إنّ عدداً من دول الشرق الأوسط رفض حضوره. لقد جعل تدمير "إسرائيل" لقطاع غزة من الصعب سياسياً الظهور مع نتنياهو، كما أنّ تصرّفات العام الماضي جعلت الدول العربية حذرة من قوة "الجيش" وأجهزة المخابرات الإسرائيلية، واستعداد البلاد لاستخدامها.
انتهى المؤتمر بتوقيع ترامب وقادة تركيا ومصر وقطر على تعهّد سلام مبهم، وفقاً لمسوّدة وثيقة اطلعت عليها صحيفة "وول ستريت جورنال". وعندما سُئل أحد المندوبين عن سير الأمور، أعاد مقطعاً من مسلسل مصري شهير يظهر فيه رئيسٌ متعجرف يفتح ويغلق أغطية وأدراج مكتبه من دون جدوى.
قال مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن خلال إدارة بايدن، عن إطلاق سراح آخر رهائن حماس الأحياء: "إنها بداية النهاية. والآن يأتي العمل الجاد".
تفاصيل قليلة
تدعو خطة ترامب لإنهاء الحرب إلى إنهاء سيطرة حماس، وتشكيل إدارة فلسطينية جديدة غير سياسية، وإدخال قوة متعددة الجنسيات بقيادة عربية لتوفير الأمن.
رفضت حماس بالفعل مطالب نزع سلاحها، وأعادت مقاتليها إلى الشوارع، حيث خاضوا سلسلة من الاشتباكات الدامية مع ميليشيات محلية منافسة وعشائر فلسطينية بارزة. من غير المرجّح أن تتدخّل القوات العربية في هذا الوضع المضطرب، ولا سيما من دون غطاء التقدّم نحو دولة فلسطينية، وهو أمر غير مطروح على الطاولة.
قال دبلوماسيون عرب إنّ المحادثات بشأن تفاصيل تنفيذ الخطة لم تبدأ بعد، ووصفوا العملية بأنها إعلان نجاح، ثم تُرك لفرق التفاوض وضع التفاصيل.
وقال أورين إنّ الأمر سيتطلّب قدراً كبيراً من الدبلوماسية الأميركية ويتطلّب الكثير من وقت ترامب للتغلّب على التحدّيات المقبلة. ويشعر المحلّلون بالقلق من أنّ الرئيس الذي غالباً ما يقفز من قضية إلى أخرى قد يفقد الاهتمام قبل انتهاء المهمّة. قبل مغادرته "إسرائيل"، كان ترامب قد أخبر المبعوث الخاصّ ستيف ويتكوف أنّ الوقت قد حان للاهتمام بالاتفاق النووي مع إيران، ولكن ليس قبل تسوية الحرب في أوكرانيا.
وقال آرون ديفيد ميلر، المفاوض الأميركي السابق في الشرق الأوسط والزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "عليه أن يكون مستعداً لتحمّل هذا الأمر حتى النهاية". "إذا لم يفعل ذلك، فإنّ هذا سوف ينحرف، وسوف ينتهي الأمر بغزة تبدو أشبه بما حدث في السادس من تشرين الأول/أكتوبر، سواء شاركت حماس أم لا"، في إشارة إلى اليوم السابق لبدء الحرب الحالية في عام 2023.
لكنّ قدرة ترامب على تأمين إطلاق سراح بقية الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة في غزة، وتحقيق وقف إطلاق النار في القطاع، كانت إنجازاً دبلوماسياً كبيراً أظهر كيف تتغيّر موازين القوى في المنطقة. ساهمت مصر وقطر وتركيا، وجميعها دول ذات علاقات بحماس، في الضغط على الحركة لقبول صفقة من دون ضمانات بإنهاء الحرب.
قالت تهاني مصطفى، الزميلة الزائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "هناك الكثير من الإرهاق حول قضية فلسطين. كانت دول المنطقة هي التي طالبت أيضاً بنزع سلاح حماس، لمجرّد أنّ لديها أيضاً مصلحة في ضمان هدوء الأوضاع في الأراضي المحتلة".
نجح ترامب في جمع أقوى الدول العربية والإسلامية في العالم للتعبير عن دعمها لخطته للسلام الأوسع نطاقاً، إلى جانب "إسرائيل". جميع هذه الدول لديها تحفّظات على الخطة، لكنّ ترامب، من خلال إصراره على التفاؤل، تحدّى هذه الدول فعليّاً لإثارة هذه التحفّظات علناً والاعتراض على الخطة. لم يفعل أيّ منها ذلك.
في الكنيست، وبّخ ترامب "إسرائيل" بلطف لتماديها في التصعيد خلال العام الماضي، مع تزايد المخاوف العالمية بشأن الخسائر البشرية الناجمة عن استمرار الحرب.
قال محمد هدية، وهو محامٍ ووسيط في المحاكم الفلسطينية، إنّ الفلسطينيين سعداء بانتهاء فصل عصيب من حرب غزة. لكنهم يخشون أيضاً أن يكون هذا بدايةً لواقع أكثر وحشيةً وفوضى على سكان غزة، وكذلك على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، إذا ما شعرت "إسرائيل" بحرية أكبر في قمعها.
وأضاف أنّ السؤال المطروح هو: هل سيواصل الإسرائيليون العاديون الضغط على حكومة نتنياهو لإنهاء الحرب بعد إطلاق سراح الرهائن؟
وتساءل هدية: "كيف سيتعامل الجمهور الإسرائيلي مع غزة، وكيف سيشعر بها، وكيف سيفكّر فيها؟ هذا هو السؤال الأهمّ. هل هم حقاً أهل سلام أم أهل حرب؟".
نقله إلى العربية: الميادين نت.