عام 2024.. من ضحايا الحروب إلى ارتفاع حرارة الكوكب

عام 2024، عام الحروب والضحايا وسفك الدماء، والانتخابات، وارتفاع حرارة الكوكب.

  • من صور الحرب على غزة
    من صور الحرب على غزة

مجلة "بوليتيكو" الأميركية تنشر تقريراً تتحدّث فيه عن أبرز أحداث وقضايا عام 2024، وقالت إنّه اتسم بالحروب والضحايا وسفك الدماء، والانتخابات، وارتفاع حرارة الكوكب.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرّف:

في عام 2024، عادت سوريا إلى الأخبار، واضطرّ القادة الأوروبيون إلى التركيز مرة أخرى على الهجرة، وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، يستعدّ دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، مما يرسل المزيد من موجات الصدمة عبر المؤسسة السياسية في عام غير مسبوق من الانتخابات.

لا تزال الحروب التي حدّدت عام 2023 مستعرة، وفي بعض الحالات تتصاعد، بتكلفة باهظة على الأرواح البشرية. وكل هذا قد يطغى عليه التهديد الذي يشكّله ارتفاع حرارة العالم، والذي يلوح في الأفق فوق مستقبل البشرية. وعلى الرغم من كثرة التحذيرات من العلماء والمنظّمات الدولية، لا تزال البلدان تفشل في احتواء ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.. وإذا صدّقنا خطابه، فإنّ ولاية ترامب الثانية قد تضعف الجهود الدولية أكثر.

حرب تلو الأخرى

مع مقتل أكثر من 44500 فلسطيني وإصابة 105 آلاف آخرين، وفقاً لوزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس، تستمر التكلفة الإنسانية للحرب على غزة في الارتفاع.

يقدّر المحللون الجغرافيون أنّ ما يقرب من 60% من المباني في قطاع غزة قد تضرّرت بحلول تشرين الثاني/نوفمبر 2024، مما يعني أنّ العديد من النازحين داخلياً البالغ عددهم 1.9 مليون شخص لن يكون لديهم منزل يعودون إليه.

لقد أدّت الحرب على غزّة إلى تصعيد الأعمال العدائية في مختلف أنحاء المنطقة، حيث أدّت الاغتيالات والتفجيرات وهجمات الصواريخ إلى إبراز الصراع بالوكالة بين إيران و"إسرائيل" إلى العلن. وبعد مرور ما يقرب من عام من تبادل الضربات الصاروخية، بلغ الصراع بين "إسرائيل" وحزب الله ذروته في تشرين الأول/أكتوبر، مع الغزو البري الإسرائيلي لجنوب لبنان، على الرغم من انخفاض الهجمات بشكل كبير في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار.

في سوريا المجاورة، أدّت الإطاحة الدرامية بنظام بشار الأسد، والتي أعقبتها بسرعة غارات جوية إسرائيلية على مخزونات الأسلحة في البلاد ووصول القوات البرية عبر المنطقة منزوعة السلاح، إلى زيادة حالة عدم اليقين في المنطقة.

في الطرف الآخر من أوروبا، تستمرّ حرب روسيا في أوكرانيا. حقّق الأوكرانيون بعض النجاحات في عام 2024، لكنّهم أنهوا هذا العام على قدم وساق، بعد أن فقدوا العديد من مكاسبهم الإقليمية وشهدوا مقتل العديد من جنودهم. لكنّ الضغط الروسي المستمر يأتي بتكلفة باهظة لقواتها أيضاً، حيث كانت الأشهر القليلة الماضية وحشيّة بشكل غير عادي. 

عام انتخابي حافل

مع إجراء الانتخابات في أكثر من 60 دولة بما في ذلك فرنسا والمملكة المتحدة وبلغاريا والهند واليابان والولايات المتحدة، فضلاً عن البرلمان الأوروبي، كان عام 2024 عاماً انتخابياً ضخماً. ومع ترسيخ القوى اليمينية لموقفها على نطاق واسع في التيار السياسي الرئيسي، شهدت استطلاعات الرأي نفسها أنّ منصات التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك" تتمتّع بنفوذ أكبر من أيّ وقت مضى وحتى تشكيل الحملات.

كان اندفاع أوروبا نحو اليمين واضحاً في العديد من تصويتات هذا العام. في بعض البلدان، صعدت أحزاب أقصى اليمين إلى السلطة؛ وفي بلدان أخرى، اكتسبت موقفاً يسمح لها بممارسة ضغوط كبيرة على الحكومات.

وأصبح المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون اليمينيون بقيادة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني سماسرة قوة في الاتحاد الأوروبي بعد انتخابات البرلمان الأوروبي في حزيران/يونيو. أدّى قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصادم بالدعوة إلى انتخابات مبكرة في أعقاب تصويت الاتحاد الأوروبي إلى إغراق البلاد في الفوضى السياسية.

ولكن ما كان مثيراً للاهتمام هو أنّ نجاح أقصى اليمين في العديد من الأصوات دعا إلى تحديث الصورة النمطية لناخبيهم باعتبارهم رجالاً مسنّين غاضبين. بدلاً من ذلك، أشارت الانتخابات واستطلاعات الرأي والاستطلاعات في أجزاء مختلفة من الكتلة إلى أنّ الناخبين الشباب كانوا يلقون بتأييدهم بشكل متزايد خلف أحزاب أقصى اليمين.

الذعر بشأن الهجرة

لقد أدّت الحروب وعدم الاستقرار السياسي في دول الجوار الأوروبي، إلى جانب التحوّل الملحوظ نحو اليمين في المشهد السياسي، إلى إعادة قضية الهجرة إلى جدول أعمال الزعماء الأوروبيين. وقد أدّى ارتفاع الدعم لأحزاب أقصى اليمين المناهضة للهجرة في العديد من الدول الأوروبية إلى دفع الحكومات إلى تبنّي سياسات تقييديّة بشكل متزايد.

لقد ولّت أيام سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها أوروبا تجاه اللاجئين السوريين، والتي تجسّدت في شعار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل آنذاك "نستطيع أن نفعل ذلك!". فقد أصبح تأمين حدود أوروبا الأولوية رقم واحد، وفي بعض الأماكن بدأ النقاش السياسي يشمل حتى إبعاد المهاجرين عن أراضي الاتحاد الأوروبي بالكامل.

ولم تكن بروكسل استثناءً من هذا الواقع. فقد وعدت المفوّضية الأوروبية، التي أعيد تشكيلها في الأول من كانون الأول/ديسمبر تحت رئاسة أورسولا فون دير لاين، باتخاذ إجراءات صارمة في التعامل مع الهجرة. والواقع أنّ السياسات التي كانت تعتبر في السابق هامشية ومتطرّفة، مثل إنشاء "مراكز العودة" و"النقاط الساخنة" في بلدان ثالثة لاحتجاز طالبي اللجوء الذين ينتظرون معالجة طلباتهم، فضلاً عن الترحيل القسري، أصبحت الآن راسخة في التيار السياسي السائد.

كما أصبحت منطقة "شنغن" أكبر منطقة سفر حرّ في العالم وجوهرة التاج في التكامل الأوروبي، ضحية لمشاعر معادية للهجرة. أعادت عدة دول، بما في ذلك ألمانيا، فرض ضوابط حدودية مؤقتة داخل المنطقة، مشيرةً إلى المخاطر الأمنية والإرهاب والهجرة كأسباب لتجديد عمليات التفتيش. ومن المفترض أن تكون هذه القيود مؤقتة، ولكن بعضها تمّ تمديدها عدة مرات حتى أصبحت دائمة تقريباً.

الرسوم الجمركية

ولا تتوقّف مشكلات أوروبا عند هذا الحد.. إنّ الاتحاد الأوروبي لديه مخاوف أخرى في عام 2025. فمع النمو الاقتصادي المخيّب للآمال، ومشكلات القدرة التنافسية والقطاع الصناعي المتعثّر، فإنّ آخر ما تحتاجه أوروبا الآن هو حرب تجارية.

ولكن هذا قد يكون بالضبط ما تحصل عليه. فتهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع السلع و60% على السلع الصينية يجعل الأوروبيين يخشون التأثيرات المحتملة. وسوف يكون من الصعب على الكتلة التوفيق بين الصراع بين الولايات المتحدة، أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، والصين، ثاني أكبر شريك تجاري وأكبر مصدر للواردات.

ارتفاع حرارة الكوكب

عام 2024 في طريقه ليكون العام الأكثر سخونة على الإطلاق. كما سيكون أول عام يكون فيه ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية أعلى من مستويات ما قبل الصناعة.

إنّ عدم القدرة على احتواء الانحباس الحراري العالمي إلى 1.5 درجة مئوية - وهو الالتزام الذي قطعته البلدان في مؤتمر باريس للمناخ عام 2015 - هو أحد أعراض فشل التعاون المناخي الدولي.

أكد أحدث تقييم للأمم المتحدة أنّ العمل المناخي العالمي غير كافٍ على الإطلاق. ستؤدي الخطط والسياسات الحالية إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 2.6 إلى 3.1 درجات مئوية هذا القرن، مع عدم وجود احتمال للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى هدف 1.5 درجة مئوية. كما أنّ الحد الأقصى لاتفاقية باريس البالغ 2 درجة مئوية معرّض لخطر جسيم.

ويقول العلماء إنّه مع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية، قد يمرّ العالم بمرحلة لا عودة منها، من شأنها أن تغيّر مناخ الكوكب بشكل كبير وتزيد من مستويات سطح البحر، بما في ذلك من خلال انهيار القمم الجليدية القطبية.

لقد تميّز مؤتمر المناخ "COP29" هذا العام في باكو، أذربيجان، مرة أخرى بالجدال والتناقضات. ففي حين توصّل المفاوضون إلى اتفاق من شأنه أن يجعل الدول الأكثر ثراءً تقدّم ما لا يقلّ عن 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035 لمساعدة الدول الأكثر فقراً في معركتها ضدّ تغيّر المناخ، وجدت العديد من التحليلات أنّ هذا المبلغ أقل بكثير من تريليونات الدولارات اللازمة لمساعدة البلدان الضعيفة التي سيتعيّن عليها تحمّل الجفاف والفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف المتفاقمة.

إنّ عودة ترامب في كانون الثاني/يناير تلقي بظلال من الشكّ ليس فقط على مستقبل الاتفاق بل وعلى مؤتمرات المناخ الدولية ككلّ. ومن المرجّح أن يتراجع الرئيس المنتخب، الذي وصف الاحتباس الحراري العالمي بأنه خدعة، عن العديد من سياسات المناخ الأميركية في وقت رهيب بالنسبة للكوكب.

نقلته إلى العربية: بتول دياب