"آلية الزناد": جعبة العقوبات الغربية على إيران لا تنضب

على الرغم من قول "الترويكا" الأوروبية إن "قرار تفعيل "آلية الزناد لا يعني نهاية العمل الدبلوماسي"، يمكن عدّه إعلان حرب اقتصادية على إيران. لكن محصّلة تكثيف العقوبات الغربية عليها والعدوانية الإسرائيلية تجاهها قد تجلب موقفاً دولياً وإقليمياً مسانداً لها.

  • بقائي يصف تقرير وكالة الطاقة بالمنحاز والسياسي، محذّراً من عواقب تفعيل آلية الزناد ضد إيران
    تفعيل "آلية الزناد" يؤدي إلى تطبيق نسق سابق التجهيز وواسع النطاق من القيود الاقتصادية على إيران، مصمّم ليستهدف قطاعات حيوية في الاقتصاد

أعلنت بريطانيا وألمانيا وفرنسا، أو مجموعة "E3"، رسمياً تفعيل "آلية الزناد". العودة الآنية للعقوبات، لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، جاءت في إخطار رسمي وجّهته "الترويكا" في الـ28 من آب/أغسطس، إلى رئيس مجلس الأمن، إيلوي ألفارو دي ألبا، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، بصفتها منسقة خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPoA)، التي اعتمدها قرار مجلس الأمن رقم 2231 عام 2015.

وأعلن الإخطار تفعيل الآلية وفقاً للفقرة 11 من القرار، التي تمكّن الدول الأعضاء في خطة العمل من المطالبة بإعادة تطبيق جميع عقوبات الأمم المتحدة، التي رُفعت سابقاً، في حال وقوع "خرق إيراني" معتبر للقرار. ووفقاً لنص الرسالة، جاء ذلك نظراً "لتوقُّف إيران بشكل متزايد عن تنفيذ التزاماتها بالخطة"، عبر مراكمتها مخزوناً غير مسبوق من اليورانيوم عالي التخصيب، يتجاوز الحد الأقصى من مخزون اليورانيوم الذي تسمح به خطة العمل الشاملة، ومنه نحو 400 كلغ من يورانيوم "UF6" المخصّب بدرجة نقاء 60%. 

وقالت المجموعة إن قرارها يأتي بعد رفض إيران الامتثال للالتزامات تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحفاظها على معدلات تخصيب عالية لليورانيوم، ورفضها عرضاً قدمته لتمديد أحكام القرار (أي تمديد رفع العقوبات)، بشرط استئناف عمليات التفتيش الأممية الكاملة، وانخراط إيران في محادثات مع الولايات المتحدة. وأكدت استعدادها لإعادة التفاوض بشأن العرض، خلال مدة 30 يوماً من تاريخ الإخطار، ينصّ عليها القرار، على أن يُعاد فرض العقوبات بعدها، ما لم يصوت مجلس الأمن خلالها لصالح تمديد رفع العقوبات، وعدم تفعيل "آلية الزناد".

ومع تأكيد الدول الثلاث أن القرار "لا يعني نهاية العمل الدبلوماسي"، يمكن عدّه - من زاوية عملية - إعلان حرب اقتصادية. تفعيل الآلية يؤدي إلى تطبيق نسق سابق التجهيز وواسع النطاق من القيود الاقتصادية على إيران، مصمّم ليستهدف قطاعات حيوية في الاقتصاد، بشكل واسع يشمل الغاز الطبيعي والقطاع المالي المصرفي والمنتجات العسكرية، ويسعى لتحقيق أضرار اقتصادية ذات تداعيات محتملة. وهذه التداعيات تمثّل، من المنظور الغربي، فرصةً لإضعاف إيران والضغط على دخلها القومي، ومراهنةً على إحداث أزمة اقتصادية تخفض موارد الدولة وقدراتها الشاملة ومنها الصناعية والدفاعية، أو تسبب سخطاً شعبياً.

بصرف النظر عن إجراءات إيران النووية رداً على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، كانت الدول الثلاث لوّحت، ومعها الولايات المتحدة، بورقة الضغط الأممي، في آذار/مارس 2016، بعد أقل من عام على توقيع الاتفاق وخطة العمل. كان ذلك عندما وجّهت "الترويكا" والولايات المتحدة رسالةً إلى الأمين العام السابق للأمم المتحدة، اتهمت فيها إيران بخرق القرار 2231، عبر إجراء اختبارات لصواريخ قالت إنّ "بإمكانها حمل أسلحة نووية"، قبل نحو عامين من إعلان إيران رفع نسبة التخصيب، وهو ما يسمح بامتلاك السلاح النووي بالأساس. والآن، بعد تفعيل "آلية الزناد" ومحصّلة الحرب القصيرة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، يظهر أنّ تحفّظات المجموعة الأوروبية لا تتعلق بالقدرة النووية ذاتها، بل تتجاوز الملف النووي نحو السياسات والتوجهات، ومنها الرفض الإيراني لخلط ملف قدراتها الباليستية بالملف النووي، قبل الاتفاق وبعده.

يتجاهل قرار المجموعة، بشكل تأسيسي، إعلان إيران خطة تقليص التزاماتها بالاتفاق النووي منذ أعوام، بعد انسحاب الولايات المتحدة وإعادتها فرض عقوباتها المتواصلة. هذه الخطة شملت - على سبيل المثال - إعادة تشغيل عمليات التخصيب في منشأة فوردو، وفقاً لما أُعلن رسمياً في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وهو ما بات أحد اتهامات المجموعة الأوروبية لإيران بخرق الاتفاق الآن. وكذلك طُبّقت الخطة بمراحل معلنة، كانت أولاها رفع نسبة التخصيب لتتجاوز حد 3.67%. أما المرحلة الثانية فكانت زيادة مخزون اليورانيوم المخصّب، والثالثة استئناف أنشطة البحث والتطوير النووية، والرابعة خفض التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفتشيها (وشملت تفعيل منشأة فوردو). هذه الخطوات شكّلت المضمون نفسه في "شكاوى" المجموعة الأوروبية إلى مجلس الأمن؛ من عدم السماح للوكالة بالتحقق من الأنشطة ومراقبتها، وإعادة تشغيل عمليات التخصيب في فوردو، و"تجاوز أنشطة البحث والتطوير النووية الحد المسموح".

ينصّ قرار مجلس الأمن 2231 على أن تنتهي صلاحية "آلية الزناد" في الـ18 من تشرين الأول/أكتوبر 2025. من هنا، تستغلّ بريطانيا وألمانيا وفرنسا الفرصة قبل انقضائها، بعد امتناع طويل كان يعكس تبايناً نسبياً بين المقاربة الأوروبية ومقاربة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجاه إيران. لكن على مستوى استراتيجي، ومع اعتبار التوقيت كذلك، يبدو جلياً أن الخطوة تساوق متأخر مع توجّه ترامب التصعيدي، الذي انطلق منذ عام 2018 بالانسحاب من الاتفاق النووي، وتقديم مساعدة اقتصادية إلى الاحتلال الإسرائيلي، الذي أعلن صراحةً، فور انتهاء الحرب مع إيران، نيّته توجيه ضربات جديدة. وجاء ذلك في موقف يتّسق مع الواقع الأوروبي تحت ضغط ترامب، وانفراده ونتنياهو مؤخراً بتحديد التوجهات الاستراتيجية للحلف الغربي، من شرقي أوروبا وإجبار أعضاء "الناتو" على رفع الإنفاق العسكري، إلى إطلاق يد "إسرائيل" في الشرق الأوسط، على الرغم من الاعتراضات الأوروبية في الحالتين.

أحد نقاط ضعف القرار، مع تأثيره السريع على العملة المحلية الإيرانية وجدية ما يطرحه من تحديات، هو غياب دعم مكوّنين مهمين في خطة العمل المشتركة، أي روسيا والصين العضوان الدائمان في مجلس الأمن، وغموض موقف الاتحاد الأوروبي، بوصفه طرفاً منفصلاً عن "E3"، ما قد يشير إلى غياب إجماع أوروبي كافٍ على خطوة بهذا الحجم. وعلى الرغم من أن تصويت مجلس الأمن المقبل، بعد مدة الأيام الـ30، لا يتيح استخدام أي طرف حق "الفيتو"، تفتح "آلية الزناد" الباب لتقارب أعلى (وربما نوعي على المستوى العسكري) لإيران مع الصين، حليفها الاستراتيجي، وروسيا، التي تراعي توازناً استراتيجياً إقليمياً حتى اللحظة في صادرات أسلحتها إليها، مع معادلات وحساسية علاقة روسيا بالولايات المتحدة، والعلاقة الطبيعية بـ"إسرائيل".

لكن محصّلة تكثيف العقوبات الغربية على إيران والعدوانية الإسرائيلية تجاهها، قد تجلب موقفاً دولياً وإقليمياً مسانداً لها. وقد تظهر ترجمة فارقة لذلك في الاقتصاد والدفاع والسياسة الدولية، بموازاة عدوانية ترامب تجاه أطراف كثيرة، من الهند مروراً بجنوب أفريقيا وصولاً إلى المكسيك والبرازيل. وكانت الولايات المتحدة في عهده أول المنسحبين من خطة العمل الشاملة المشتركة، في عام 2018، وهو ما يطرحه الخطاب الإيراني جذراً للمشكلة، مع تأكيده مؤخراً أن "العمل الدبلوماسي مع أوروبا سيتواصل من دون الخضوع للضغط"، وعمله على تشكيل رأي عام دولي واسع، مناهض للحروب الاقتصادية ومنطق العقوبات.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.

اخترنا لك