أزمة تهز "الجيش" الإسرائيلي.. خلافات حادة بين وزير "الأمن" ورئيس الأركان

تبادل للاتهامات وخلافات حادة بين وزير "الأمن" الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، ورئيس هيئة الأركان العامة في "الجيش"، هرتسي هاليفي، تبرز إلى العلن، وسط تزايد التحليلات والقراءات بشأن خلفية هذا الخلاف وتداعياته.

  • وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس (وسط) إلى جانب رئيس الأركان هرتسي هاليفي (يمين)
    وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس (وسط) إلى جانب رئيس الأركان هرتسي هاليفي (يمين)

أخرج تبادل الاتهامات بين وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، و"الجيش" الإسرائيلي، في عدة بيانات صدرت عنهما، الأربعاء الماضي، إلى العلن، مستوى توتر العلاقاتِ الكبير بين كاتس ورئيس هيئة الأركان العامة في "الجيش"، هرتسي هاليفي، بشأن مدى تعاون "الجيش" مع تحقيق مراقب الدولة، متنياهو أنغلمان، في إخفاقات عملية طوفان الأقصى (الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023)، الأمر الذي استدعى عقد اجتماع بين كاتس وهاليفي، الخميس، في محاولة لخفض لهيب التوتر بينهما، والذي شغل الساحة الإسرائيلية، ولاسيما من جانب كبار الخبراء والمعلقين، الذين استفاضوا في عرض القراءات والتحليلات بشأن خلفية هذا الخلاف وتداعياته.

حرب البيانات

افتتح كاتس جولة مواجهة كلامية مع "الجيش" الإسرائيلي، بحيث وجّه انتقادات لاذعة إلى "الجيش" ورئيس أركانه، في بيان صدر عنه، ورد فيه أنّه "أمر رئيس هيئة الأركان العامة بالسماح لمراقب الدولة بالوصول إلى أيّ مواد يطلبها"، متوجهاً إلى هاليفي بالقول: "لا يُعقل وجود وضع يُظهر فيه الجيش الإسرائيلي أنّه يتخوّف من انتقادات وشفافية عامة مطلوبة في أثناء قيادتك للجيش".

وهدّد كاتس، في بيانه أيضاً، بأنّه "لن يُصادق على تعيينات لضباط برتبة لواء في الجيش إلى حين انتهاء التحقيقات".

ثم أتى الردّ، في بيان صادر عن المتحدث باسم "الجيش"، دانيال هَاغاري، قال فيه إنّ "الجيش يُجري سلسلة تحقيقات شاملة تتقدّم بموجب أعباء القتال، والضباط الذين يخوضون المعارك هم الذين ينفِّذون التحقيقات".

وأضاف البيان أنّ "اهتماماً قيادياً أقلّ بالقتال من شأنه أن يكلِّف حياة بشر"، وأنّ "الجيش يتعاون بالكامل مع مراقب الدولة، على الرغم من أنّه لم تُجْرَ أبداً رقابة كهذه في أثناء الحرب".

وتابع البيان أنّه "تجري في هذه الأيام 18 عملية رقابة للمراقب في الجيش"، مضيفاً أنّ "إجراءات التعيين في الجيش مهنية وموضوعية"، وأنّ "المسؤولية عن أحداث الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر تُبحث بشكل عميق".

ووجّه "الجيش" الإسرائيلي في بيانه انتقادات مبطنة إلى كاتس، بحيث جاء في البيان أنّ "حل القضايا يجب أن يجري من خلال حوار" بين وزير الأمن ورئيس هيئة الأركان العامة، و"ليس من خلال وسائل الإعلام".

وبعد بيان "الجيش" الإسرائيلي، ردّ المتحدث باسم وزير الأمن، أدير داهان، ملمحاً إلى إقالة هاغاري، وقال إنّ "المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الذي اعتذر مؤخراً بسبب تجاوزه صلاحياته، وهاجم المستوى السياسي، يتجاوز صلاحياته مرة أخرى، ويهاجمُ ويَعِظُ المستوى السياسي. واعتذارُه لن يكفي هذه المرّة".

وبعد تفاقم التوتر بينهما، عقد كاتس وهاليفي، الخميس، اجتماعاً، أكّد فيه هاليفي لكاتس أنّ البيان الذي أصدره هاغاري صدر بموافقته وتحت إشرافه.

هجوم على كاتس دفاعاً عن "الجيش" 

ارتفاع حدة المواجهة بين كاتس وهاليفي دفع قادة المعارضة الإسرائيلية إلى المسارعة إلى مهاجمة كاتس، ومن خلفه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، والدفاع عن رئيس الأركان، و"الجيش" الإسرائيلي.

في هذا السياق، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم"، عن زعيم المعارضة، رئيس حزب "يوجد مستقبل"، يائير لابيد، قوله إنّ هجوم كاتس على هاليفي هو "انحطاط من نوع جديد"، متهماً وزير الأمن بأنّه يهاجم ويهين الضباط الذين يرتدون الزي العسكري في أثناء الحرب، لأنّهم، فقط، قاموا بواجبهم المهني، ورفعوا تقارير صادقة بشأن احتياجات "الجيش" الإسرائيلي وقدرته على تجنيد الجنود.

وأضاف لابيد أنّ هذا الهجوم لا يمثل إهانة لـ"الجيش" الإسرائيلي فحسب، "بل يشكل أيضاً مسّاً مباشراً بالأمن القومي الإسرائيلي، لأنّ هذه التصريحات قد تضر بثقة المواطنين يالقيادة العسكرية خلال وقت حساس يتطلب التنسيق والتعاون الكاملين بين جميع الأطراف".

بدوره، غرّد رئيس "معسكر الدولة"، بني غانتس، في منصة "أكس"، قائلاً إنّ "الثقة" بين وزير الأمن ورئيس الأركان هي "جزء لا يتجزأ من أمن إسرائيل"، موصياً كاتس باستخدام مزيد من المحادثات الشخصية مع رئيس الأركان والضباط الكبار، والتقليل من البيانات الصحافية والتهديدات بالإقالة.

وبينما هاجم عضو "الكنيست"، رام بن باراك، الحكومة، في مقابلة أجراها مع "القناة الـ13" الإسرائيلية، قائلاً إنّها "حكومة إجرامية وعديمة المسؤولية، تنحصر مهمّتها في التشويه والكذب وتكوين واقع مخادع"، رأى المتحدث السابق باسم "الجيش"، العميد في الاحتياط ران كوخاف، في مقابلة مع إذاعة "103 FM"، أنّ تصريحات كاتس وهاغاري "مهينة"، متهماً الجانبين بارتكاب الأخطاء، ومحذراً من أنّ "المنظومة لا تعمل بالشكل المطلوب، وأن الجيش الإسرائيلي لا يحقق أهداف الحرب".

ولفت كوخاف إلى أنّ "الشروع في عملية إعادة التأهيل بين الجمهور والحكومة المركزية، وبين الفرد و"الدولة"، وبين الجمهور والجيش الإسرائيلي، يتطلب إنهاء التحقيقات في إخفاق الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، وحل قضية الأسرى"، داعياً إلى استقالة جميع المسؤولين.

من جهته، قال الخبير في شؤون الأمن القومي، العقيد في الاحتياط كوبي ميروم (قائد ألوية متعددة في الجيش الإسرائيلي سابقاً) لـ"القناة الــ13"، إنّه "توجد مواجهة خفية بشأن مسألة الحرب في غزة، ففي الجيش الإسرائيلي يعتقدون أنّ هذه الحرب هي بلا هدف، بينما يمتنع المستوى السياسي من اتخاذ قرارات استراتيجية بشأن البديل في غزة وآلية المساعدات الإنسانية، كما توجد محاولة لدفع رئيس الأركان إلى الاستقالة من أجل تثبيت التهمة على المستوى العسكري، في إخفاق الـ7 من أكتوبر، وتبرئة المستوى السياسي من أيّ مسؤولية عن ذلك الفشل".

الخلاف أضر بالضباط ذوي الرتب الوسطى

إلى ذلك، انعكس الخلاف بين وزير الأمن ورئيس الأركان سلباً على عدد كبير من الضباط الإسرائيليين، لجهة تأخير ترقياتهم.

وفي هذا الخصوص، كتب مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوآف زيتون، أنّ الفترة الأخيرة تشهد تزايداً في التذمر والاستياء بين مئات الضباط في "الجيش" الإسرائيلي، ولاسيما في التشكيل القتالي، بسبب الجمود في عملية تعيين القادة الجدد برتبة عقيد ولواء، نتيجة الخشية في هيئة الأركان العامة من رفض وزير الأمن، المصادقة عليها، فالضباط الذين كان من المفترض أن يصبحوا قادة الألوية القادمة، والذين يقاتلون منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، كقادة كتائب في مختلف ساحات القتال، يحذّرون من أنّهم لن يتمكنوا من الانتظار أكثر من أجل ترقيتهم بسبب الإرهاق، وخصوصاً بسبب عدم اليقين بشأن التخطيط لمستقبلهم.

وأضاف زيتون أنّ هذا التأثير المتسلسل يسبب ضرراً أيضاً للضباط أصحاب الرتب الأدنى، والذين ينتظرون أيضاً الترقية، إذ يوجد حالياً 700 رائد في حالة انتظار. 

وهدد عدد قليل منهم "الجيش" بأنّه "ليس في مقدورهم الانتظار أكثر، وسوف يتسرحون من الخدمة النظامية ويخرجون إلى الحياة المدنية، على الرغم من تميزهم في القتال الطويل، إذا لم يتم حل الجمود".

وأشار زيتون أيضاً إلى أزمة داخلية تزداد حدة في هذه الأيام، داخل "الجيش" الإسرائيلي، ناتجة من فقدان الثقة المتزايد بين وزير الأمن ورئيس الأركان، الأمر الذي قد يصل إلى نقطة انفجار قد تؤدي إلى إقالة هاليفي أو استقالته.

الهدف: استقالة هاليفي أو إقالته 

وحظي الخلاف بين وزير الأمن ورئيس الأركان باهتمام واسع من جانب المستوى الإعلامي في "إسرائيل"، بحيث تصدّر هذا الموضوع قائمة المتابعة، فرأى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئل، أنّه "لا يوجد شك في أنّ القضية التي كرّست لها القيادة السياسية والعسكرية الأمنية، ساعات أكثر خلال هذا الأسبوع، هي المواجهة بين نتنياهو وكاتس، من جهة، وبين رئيس الأركان هاليفي ورئيس الشاباك رونين بار، من جهة أخرى".

فكاتس، وفقاً لهرئل، يعمد، نيابةً عن نتنياهو، إلى "مفاقمة الخطوات العلنية ضد هاليفي، بهدف تصفية الحسابات مع رئيس الأركان، الذي يضع عراقيل أمام الحكومة في محاولتها إمرار قانون يسمح بالتهرب الجماعي للحريديم (طلبة العلوم الدينية) من الخدمة العسكرية، كما يعمد إلى الإثقال، قدر ما أمكن، على أداء هاليفي وقادة الجيش، من أجل إنهاء فترة ولايتهم، عن طريق الإقالة أو الاستقالة.

وأضاف هرئل أنّ "كاتس، ومن خلفه نتنياهو، يريدان التعجيل في رحيل هاليفي (وحتى إقالته) من أجل تحميله المسؤولية الكاملة عن إخفاقات الـ7 من أكتوبر".

واتهم هرئل نتنياهو بأنّه أقال يوآف غالانت قبل شهرين من وزارة الأمن، وبدّله بكاتس، "فقط من أجل السيطرة الكاملة على وزارة الأمن وإحكام قبضته على قيادة الجيش الإسرائيلي من خلاله، بحيث تم تكليف كاتس بمهمتين محددتين: إمرار قانون التهرب من الخدمة العسكرية، وتحويل حياة كل من رئيس الأركان والقادة الألوية في الجيش الإسرائيلي إلى جحيم".

بدوره، اتّهم معلق الشؤون العسكرية في القناة "الـ 13" الإسرائيلية، أور هيلر، كاتس، بأنّه "يريد من خلال التصعيد مع هاليفي دفعه إلى الاستقالة وترك الجيش الإسرائيلي".

أمّا معلق الشؤون العسكرية في القناة "الـ12" الإسرائيلية، نير دفوري، فرأى أنّ "ما يحدث هو مواجهة تتطور خلف الكواليس بين كاتس وهاليفي، ظهرت إلى الخارج"، فكاتس "يريد أن يثبت للجميع أنّه هو القائد الجديد في المؤسستين العسكرية والأمنية، مؤكداً أنّ "هذه الخطوات سيئة جداً لإسرائيل".

وخلص دفوري إلى أنّ "ما يحدث هو فقدان للصواب والرشد والمسؤولية"، بينما وافقته زميلته في القناة، مراسلة الشؤون السياسية، ليال دفنا، التي رأت أنّ نتنياهو "منذ وقت لا يريد هاغاري متحدثاً باسم الجيش الإسرائيلي، والآن لا يريد إبقاء رئيس الأركان في منصبه، لكن ليس لديه الشجاعة (كما كاتس) لإقالتهما بشكل مباشر، لذلك يبحثان عن وسائل للتضييق عليهما من أجل أن يستقيلا بنفسيهما".

وفي المقابل، ثمة من دعا، بين المعلقين الإسرائيليين، هاليفي إلى الاستقالة فوراً، بحيث رأى محلل الشؤون العسكرية في القناة "الـ14" الإسرائيلية، نوعام أمير، أنّ هاليفي "يريد البقاء حتى منتصف حزيران/يونيو، فـ"هو يظن أنّه هو من سينقذ البلاد، ولا يفهم على الإطلاق ما المطلوب منه"، بينما يريد هاغاري أن يبقى في منصبه حتى يترقى وينال رتبة لواء، ويأمل أن يحل محل "سيلبرمان" في واشنطن، لكن "يبدو أنّ الرجلين لن يحصلا على ما يريدانه".

بدوره، طالب محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، رئيس الأركان بأن يُنهي ولايته بكرامة، ويستقيل الآن، "كونه رئيس أركان سُجل على اسمه أسوأ فشل أمني منذ تأسيس إسرائيل، وتسبب بفوضى مستمرة منذ 15 شهراً، يمكن أن تستمر تبعاتها أعواماً طويلة".

وأضاف يهوشع أنّ "الجيش الإسرائيلي يمر في أسوأ أزمة في تاريخه، إذ يوجد فقدان واسع النطاق للثقة بالجيش، الذي لم ينفذ المهمة التي أُسّس من أجلها، ولا يقل خطورة عن ذلك وجود فقدان ثقة أيضاً من جانب المستوى القيادي المنخفض بالمستويات العليا، وصولاً إلى هيئة الأركان العامة".

اقرأ أيضاً: إعلام إسرائيلي: نتنياهو وكاتس يضيّقان على هاليفي لدفعه نحو تقديم استقالته

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.