الحرب على إيران والرهان الخائب.. رهان اللحظة الخاطفة

عمدت أميركا و"إسرائيل" إلى استغلال الخداع والرهان على اللحظة الخاطفة في بداية الحرب، لكن إيران استوعبت الصدمة، وامتصّت تبعات المفاجأة، وبدأت ردّها في مساء اليوم نفسه لبدء الحرب.

  • الحرب على إيران والرهان الخائب.. رهان اللحظة الخاطفة
    الحرب على إيران والرهان الخائب.. رهان اللحظة الخاطفة

في شهر آذار/مارس عام 2025 وصلت رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إيران. رسالة تنطوي على لغة مركّبة من الرغبة في التفاوض، ولم تخلُ من التهديد.

يقول مسعود أسد اللهي، الخبير في الشؤون الدولية والاستراتيجية إنّ الخداع الأميركي بدأ من هذه الرسالة: "لأنه دائماً عندما تريد دولة أن تدخل في مفاوضات مع دولة أخرى، وتعتبرها معادية، تجد وسيطاً محايداً وترسل رسالة عبره. كان يجب على ترامب أن يرسل الرسالة إمّا عبر سلطنة عمان أو عبر دولة قطر، ولكنّ السلطات الإيرانية فوجئت بأنّ الرسالة وصلت عبر دولة الإمارات، وهذه كانت مفاجأة لأنّ الجميع يعرف أنّه على الرغم من التعاون الاقتصادي أو التجارة المتبادلة بين إيران والإمارات، ولكنّ العلاقات السياسية بين الدولتين ليست على ما يرام، ولذلك إرسال الرسالة عبر الإمارات كان له هدف آخر بأنّ هذه رسالة تهديد وليست رسالة للتفاوض".

ويتابع: "الأغرب من هذا، أنّ السلطات الإماراتية أرسلت أنور قرقاش حتى يحمل الرسالة الأميركية إلى إيران، وهو المستشار السياسي لحاكم الإمارات؛ ولكن دائماً عندما كانت الإمارات تريد أن تأخذ مواقف شديدة ومواقف معادية لإيران، يرسل أنور قرقاش إلى وسائل الإعلام وهو دائماً كان يعبّر عن تلك المواقف.

السلطات الإيرانية لم تقبل أن ترسل الردّ عبر الإمارات، وأعلنت أنها سوف ترسل الردّ عبر سلطنة عمان، وهذا كان أول ردّ إيراني قوي على لعبة الخداع هذه".

خداع متشعّب

بدأت المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في شهر نيسان/أبريل 2025، وكان الخداع يتشعّب لإخفاء وإعماء لحظة الحرب؛ فالمفاوضات غير المباشرة في ذاتها كانت خداعاً، وتمّ التركيز الإعلامي قبل الحرب على فكرة أنّ "إسرائيل" تفاجأت بانطلاق هذه المفاوضات، وتمّ التركيز أيضاً على أنها منشغلة بملفات أخرى وعلى رأسها الأسرى الإسرائيليون لدى المقاومة في غزة.

تصريحات ترامب المتناقضة بين الرغبة في التفاوض والتهديد أدّت دوراً كذلك في الخداع؛ ناهيك عن تصدير صورة الخلافات العميقة مع نتنياهو.

استخدمت الولايات المتحدة التناقض كجسر للخداع وتغطية لحظة الحرب. تصدير التناقض كان يعمل على مستويين؛ الأول هو التناقض بين الرغبة في التفاوض والتهديد بالحرب، والثاني تغيير سقوف المطالب الأميركية أثناء جولات التفاوض؛ في محاولة لإظهار إيران كطرف غير متعاون، وبالتالي إدخال العملية التفاوضية في حالة من الاستعصاء، ومن ثم تبرير الحرب.

اقرأ أيضاً: الحرب على إيران.... الرهان الخائب (1-5) هل حدثت الحرب فجأةً؟

لو حلّلنا خطّ الزمن للمفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، في جولاتها الخمس باتجاه السادسة المفترضة، نلاحظ منحنى من التصريحات والمطالب:

وصف الجولة الأولى بأنها بنّاءة، وبعد الجولة الثانية؛ يقول ترامب إن نتنياهو لن يجرّ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران، وأنه مستعدّ للقاء قائد الثورة السيد علي خامنئي. بعد الجولة الثالثة أخذت التصريحات الأميركية منحىً تصعيدياً؛ وفي الأول من أيّار/مايو، حذّر ترامب من فرض عقوبات جديدة على الكيانات التي تشتري النفط أو البتروكيماويات من إيران، وبعدها تتابعت التصريحات الأميركية بشأن هدف التفكيك الكامل لتخصيب اليورانيوم في إيران؛ مما يعني حتى التراجع عن الاتفاقات السابقة بالقبول الأميركي بسقف 3.6% للتخصيب.

تأجّلت الجولة الرابعة من المفاوضات، وسط حالة من الغموض والتوتّر واللايقين؛ وجاءت هذه الجولة في الحادي عشر من أيار/مايو.

بعدها أعطت التصريحات الأميركية دفعة جديدة من التوتر والغموض، وقال ترامب في القمة الخليجية الأميركية إنه يريد اتفاقاً مع إيران، ولكنها – بحسب تعبيره- يجب أن توقف "تبنّيها للإرهاب".

بعد الجولة الخامسة التي انعقدت في الثالث والعشرين من أيّار/مايو، بدأ خطاب التهدئة الأميركي، بهدف الخداع مع اقتراب لحظة الحرب، فكان التشديد على الالتزام بالحلّ الدبلوماسي لملف البرنامج النووي الإيراني، والاستعداد للجولة السادسة من المفاوضات في الخامس عشر من حزيران/يونيو، التي كانت الحرب قد سبقتها.

مرّ منحنى التفاوض بـ 3 محطات؛ في الجولتين الأولى والثانية إثارة مناخات إيجابية، وبعدهما في الثالثة والرابعة رفع منسوب التوتر واللايقين، وبعد الخامسة هبوط منحنى التوتر لتمهيد الأرضية للحرب.

يقول الكاتب والضابط السابق في سلاح البحرية الأميركية، سكوت ريتر "بدا للعالم أنّ كلا الطرفين؛ إيران والولايات المتّحدة الأميركية، قد وصلا إلى أرضيّة مشتركة وأنّ عدداً من العقد قد تبدّدت، وتجلّى ذاك في حديث ستيف  الإيجابي؛ ففي البداية كان قد تحدّث عن السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسب محدودة، ومن ثمّ قلب هذا الحديث رأساً على عقب وبدأ باعتماد سردية مختلفة وهي مرتبطة بتصفير التخصيب، وبالتالي يمكننا القول إنّ هذه المفاوضات كانت جزءاً من المسار الذي اعتمدته الولايات المتّحدة الأميركية في سبيل خلق البيئة الملائمة لإسرائيل".

قبل الفجر... بدء العدوان

بعد الساعة الثالثة والنصف ليلاً بتوقيت طهران، بدأت الأخبار العاجلة بالتواتر؛ حربٌ على إيران. استهداف منشآتٍ نوويّةٍ ومواقع عسكريةٍ ومنشآتٍ للصواريخ البالستيّة، محاولات اغتيالٍ لقادةٍ عسكريين، تأكيد استشهاد قائد حرس الثورة حسين سلامي، يتبعه تأكيد استشهاد قائد هيئة الأركان محمّد باقري كنه، واستشهاد علماء نوويين.

حالةٌ من الإرباك عمّت المشهد، ولكنّ الاستنتاج الفوريّ الذي قفز إلى الأذهان هو أنّ هذه ليست حرباً على المنشآت النوويّة فقط، إنّها الحرب على الدولة، بل هي الحرب المستمرّة على فكرة المقاومة في المنطقة. 

في دراسة للويس رينيه منشورة في مركز "بيغين - السادات" في حزيران/يونيو 2024، أي تقريباً قبل عام من الحرب، يقول: "إنّ الفوائد التي قد تترتّب على اغتيال زعماء الأعداء من شأنها أن تحافظ على الدولة، ولا تنتظر حتّى يصبح الخطر فوريّاً وساحقاً"، ويستند الكاتب حتّى إلى التوراة لتبرير هذه الجرائم.

سياسة الاغتيالات الإسرائيلية فشلت في إيران على محورين؛ الأوّل هو عدم القدرة على استنزاف الخزّان البشريّ الإيرانيّ من البدائل الأكفّاء، والثاني هو فشل عدد من محاولات الاغتيال للقادة السياسيين الإيرانيين. ولو تحرّكنا في الزمن قليلاً بعد اليوم الأوّل؛ فإنّ واحدة من هذه المحاولات الفاشلة استهدفت الرئيس الإيراني ورئيس مجلس الشورى ورئيس السلطة القضائيّة، ويقول مسعود أسد اللهي بخصوص هذه المحاولة: "بعناية إلهية، الاستهداف في المرحلة الأولى لم يصل إلى نتيجة، ولكنّ الإسرائيلي بسبب التنصّت عرف بأنّ الهجوم الأول لم يكن موفّقاً، قام بهجوم ثانٍ بعد ساعة و58 دقيقة في المكان نفسه، الذي هرع إليه الكثير من الناس من الشعب الإيراني، وبشكل تطوّعي، حتى يساعدوا في نجدة المسؤولين تحت الأنقاض، واستشهد عدد كبير من المواطنين الإيرانيين ولكن بقيت كلّ المقامات في السلطة بسلامة كاملة رغم تأسّفنا على استشهاد مواطنين عاديين".

في سياق الإعلان السريع عن بدائل الشهداء في مؤسسات القيادة الإيرانية، كان هنالك دور كبير لقائد الثورة الإسلامية في إيران، السيد علي خامنئي.

يقول مسعود أسد اللهي: "عندما شاهدوا دور سماحة السيد القائد في استنهاض معنويات عالية للشعب الإيراني وإدارة الحرب، ليس فقط في تعيين ضباط جدد، بل بإدارة الحرب شخصياً من غرفة العمليات، ذهبوا لموضوع استهدافه شخصياً، ولكن لأنّه لم يكن يعطي لهم الفرصة للمباغتة والحمد لله لم يستطيعوا أن يستهدفوا سماحة السيد القائد، ولكن لو أعطيت لهم الفرصة كانوا سيقومون بهذا العمل الشنيع لأنهم عرفوا دوره الشخصي لخروج إيران من الصدمة الأولى".

مسيّرات من داخل الأراضي الإيرانية 

منذ "طوفان الأقصى" شاهدنا اتّكاءً إسرائيليّاً على الهجوم المستند إلى عملياتٍ استخباريةٍ؛ ابتداءً من البايجر في لبنان وصولاً إلى إطلاق مسيّراتٍ من داخل الأراضي الإيرانية. هذا يدلّ على أنّ العتاد الضخم لـ"إسرائيل" ومعها الولايات المتحدة غير كافٍ في المواجهة.

نشر موقع DroneLife تحليلاً بعنوان "الغزو الصامت: كيف تسلّلت المسيّرات الإسرائيلية إلى إيران؟"، ويقول فيها نصبت "إسرائيل" شبكةً معقّدةً من المسيّرات داخل الأراضي الإيرانية، وفي ذلك تشابهٌ في التكتيك مع هجوم المسيّرات الأوكرانية من داخل الأراضي الروسيّة؛ الذي حدث خلال الشهر نفسه.

يقول مسعود أسد اللهي: "مجموعة متنوّعة جداً استخدمها الطرف الإسرائيلي، درّبها وجهّزها بهذه المسيّرات الصغيرة، وهذه المسيّرات كانت مجهّزة في مكان لدخول شريحة هواتف ذكية، هذه الشريحة عادية موجودة يستطيع كلّ إيراني أن يشتريها لهاتفه الذكي، لذلك تمّ استخدام هذه الشرائح في هذه المسيّرات الصغيرة كواد كوبتر، وبمجرّد تفعيل هذه الشريحة كانت تتصل عبر الإنترنت بمركز القيادة في إسرائيل. ولذلك من كان يطلق الكواد كوبتر لا يوجّهها إلى الهدف بنفسه، بل على العكس هو كان يطلقها ويهرب، وكان مقر القيادة في إسرائيل يوجّه الكواد كوبتر إلى شقق سكنية للأساتذة الجامعيين، والعلماء النوويين، والقيادات العسكرية".

ويقول سكوت ريتر بخصوص هذه المسيّرات التي انطلقت من داخل الأراضي الإيرانية: "إسرائيل قامت باعتماد العمليات السرية التي قام بها عملاء سريون داخل الأراضي الإيرانية، وقاموا بإطلاق طائراتٍ مسيّرة من داخل الأراضي الإيرانية، وكان من الواضح أنّ هذه المقدّرات كانت جاهزة وموجودة؛ ومن الممكن استخدامها خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2024 ولكن اختارت إسرائيل عدم استخدامها".

ما قامت به "إسرائيل" حينها هو دخول الأجواء العراقية في بغداد، واستهداف الأراضي الإيرانية، وبعدها أيضاً بنشر تقارير فيما يتعلّق بقدرة الدفاعات الجوية الإيرانية على التصدّي لهذه الضربات، وأعتقد أنّ هذا كان جزءاً لا يتجزّأ من سردية خداع اعتمدتها "إسرائيل" في سبيل جرّ إيران إلى إبقاء هذه الدفاعات الجوية على أهبّة الاستعداد، ومنصبّة في أماكن واضحة؛ يمكن لـ "إسرائيل" أن تستهدفها لاحقاً. وبالتالي أصبحت هذه الدفاعات الجوية مكشوفة أمام الضربات الاستخباراتية السرية التي حصلت خلال حرب الاثني عشر يوماً والتي حصلت من الداخل الإيراني؛ أي ضربات المسيّرات التي قام بها العملاء".

نجحت قوات الأمن الإيرانية في تطويق الحالة المفاجئة من داخل الأراضي الإيرانية، ولربّما كانت هنالك أولويةٌ قصوى في تحييد هذا العامل. قدّمت الحرب صورة قوات الباسيج التي أسهمت في مطاردة العملاء، وشعور الناس بدور الحماية الذي تؤديه هذه القوات، بعد أن حاول الإعلام الغربيّ لسنواتٍ تصدير صورتها كـ "أداة قمعٍ للناس".

"الأسد الصاعد" ... دلالة الاسم

"شعبٌ كالأسد يقوم، وكالليث يشرئبّ، لا ينام حتّى يأكل فريسته، ومن دم ضحاياه يشرب". من السيوف الحديدية وعربات جدعون في غزّة إلى "الأسد الصاعد" في إيران؛ هكذا تنبش "إسرائيل" العهد القديم لتسمية حروبها.

ومع أنّ عدداً من الترجمات ذهب في بداية الحرب إلى عنوان "شعبٌ كالأسد" لا "الأسد الصاعد"، إلا أنّ الهدف واحدٌ والدلالة نفسها:

أولاً: البحث الخائب عن هويّة جامعة لمجتمع استيطانيّ مفكّك.

ثانياً: ترجمة أيديولوجيّة لهدف سياسيّ عنوانه تغيير الشرق الأوسط.

ثالثاً: استفزاز الموروث الثقافيّ لإيران، والدلالة التاريخية للأسد فيها.

يقول مسعود أسد اللهي: "بالنسبة لنا، هذا اسم على غير مسمّى، واستغربنا هذا الاسم، دائماً كان رمز إيران سابقاً في العلم أو في مواقع لإيران هو رأس الأسد، وهو دلالة على الثقافة الإيرانية أو في العمارة الإيرانية. والأسد الإيراني كان صاعداً يوماً بعد يوم، ووصل الأمر في النهاية أنّ نتنياهو تواصل مع ترامب وطلب وقف إطلاق النار، وأنا أعتقد أنّ الاسم الصحيح بالنسبة للطرف الإسرائيلي هو (الضبع الغادر الحقير)".

يقول شلومو ساند في كتابه "اختراع أرض إسرائيل": "بودّي أن أتتبّع في هذا البحث، أشكال اختراع أرض إسرائيل كحيّزٍ إقليميّ متغيّر خاضع لسيطرة الشعب اليهوديّ، الذي اخترع هو أيضاً كجزءٍ من التركيب الأيديولوجيّ".

ليس من الحكمة في شيءٍ، أن يقوم رئيس حكومة لكيان احتلاليّ بهذا التشكّل التاريخيّ بتوجيه أيّ نوع من الرسائل للشعب الإيرانيّ، العريق الحضارة، ومع ذلك حاول نتنياهو فعل ذلك. 

يقول مسعود أسد اللهي بشأن ردّ فعل الشعب الإيراني على هذه الرسالة: "عندما بيّنت طبيعة العدوان أنّ الهدف ليس المشروع النووي فحسب؛ بل هو ضرب إيران كبلد، فإنّ قسماً من أفراد المعارضة الإيرانية التي تقيم خارج إيران في البلدان الغربية انتبهوا لهذا الخطر وأخذوا موقفاً لصالح النظام في إيران، وتواصلوا مع أقربائهم في إيران، وعلى الرغم من أنهم كانوا في السابق يشجّعون أقرباءهم على القيام بنشاطات ضدّ النظام، ولكن هذه المرة تواصلوا مع أقربائهم داخل إيران وشجّعوهم على الوقوف مع النظام، وقالوا إنّ إيران في خطر وبقاء النظام هو بقاء إيران".

بدء الردّ الإيراني

استوعبت إيران الصدمة، وامتصّت تبعات المفاجأة، وبدأت ردّها في مساء اليوم نفسه، في الثالث عشر من حزيران/يونيو.

يقول سكوت ريتر : "إسرائيل شنّت هجوماً مفاجئاً، واستفادت من طرق ابتكارية وأفعال سرية من خلال المسيّرات، من أجل تعطيل القيادة الإيرانية وجعلها تستسلم والقضاء على قدرات إيران، وبالتالي إيران لم تبدأ بهذه الحرب، ولم تبدأ بالشكل الذي يمكن أن نفترضه على صعيد عملية الوعد الصادق، حيث تنفّذ إيران الضربات بالتوقيت وبشكل مخطّط له.

 إيران تعرّضت للهجوم، وكان عليها أن تتعافى وتتكيّف مع واقع جديد للبدء بتنفيذ خطة، وفي النهاية تمكّن الإيرانيون من استعادة الزخم، وأعتقد أنه مع نهاية الحرب التي استمرت 12 يوماً ما من شكّ بأنّ إيران عاقبت إسرائيل بقوة على أفعالها".

خلال يوم واحد... تحوّلات في النبرة الأميركية 

اللغة وحدها تكفي لتحليل السياسة الأميركية في التعامل البراغماتيّ مع لحظة الحرب؛ فقبل رصد نتائج العدوان الإسرائيليّ والتوثّق منه، سارعت واشنطن إلى التشديد على عدم تدخّلها أو انخراطها، وأنّ "إسرائيل" قامت بتحرّك منفرد، والأولوية القصوى للولايات المتحدة هي حماية القوات الأميركية في المنطقة، وأنّ الولايات المتحدة ما زالت مستعدّةً للعودة إلى طاولة المفاوضات.

ولكن بعد أن راهنت على نجاح العدوان الإسرائيليّ، اختلفت اللغة، وقال ترامب إنّ الهجمات المقبلة ستكون أكثر شراسة، وإنّ الهجوم الإسرائيليّ ممتازٌ، وإنّ واشنطن كانت على علمٍ بالهجوم، وإنّ العدوان الإسرائيليّ قد يساعد ترامب في التوصّل إلى اتّفاق.

يقول سكوت ريتر: "حاول ترامب أن لا يسمح للإعلام بوضع إسرائيل والولايات المتّحدة الأميركية في خانة واحدة خلال هذه الحرب، ولا سيّما أنه كان قد وافق على جولة سادسة من المفاوضات بعد يومين من بداية هذه الحرب، ولكن بعد اليوم الأول وبعد النجاحات التي تحدّثت عنها وسائل الإعلام، وهذا التقدّم الكبير الذي أحرزته إسرائيل، وبعد تلك المقاطع المصوّرة المثيرة للقلق في إيران، أعتقد أنّ كلّ ذلك أدّى الى تعزيز هذا الجانب الأناني الذي يتحلّى به ترامب، هذه الشخصية التي يمتلكها وهذه الدوافع التي يمتلكها والتي تهدف إلى تعزيز شخصيته وصورته أمام الرأي العامّ الدولي، فأراد أن يقطف ثمار هذه النجاحات بنفسه، ولكن تبيّن أنّ هذا النجاح ليس مقدّراً، وازدادت وتيرة الضربات الإيرانية، وبالتالي بات من الصعب لإسرائيل التصدّي لضربات الصواريخ البالستية الإيرانية، وهذا الأمر دفع ترامب إلى إعادة التفكير بخطابه ووتيرة هذا الخطاب أيضاً".

وبشأن بدايات الردّ الإيراني على العدوان الأميركي الإسرائيلي، يتحدّث مسعود أسد اللهي عن دور قائد الثورة الإسلامية في استعادة الزخم، ويقول: "كلامه كان حتى متفاوتاً عن كلام التلفزيون الرسمي الإيراني، فالتلفزيون الإيراني الرسمي أعلن حداداً عامّاً على استشهاد القيادات الإيرانية، ووضع شريطاً أسود على الشاشة، وكانت البرامج برامج عزاء، ولكنّ سماحة السيد القائد في الرسالة الأولى لم يقرأ آية الاسترجاع "إنّا لله وإنّا إليه راجعون"، بل تكلّم عن موضوع الحرب، وأنّ هذه الحرب فُرضت على إيران، ونحن نردّ بكلّ قوّة على هذا العدوان وسنجعل الإسرائيلي يندم على هذه الخطيئة. هنا، هذه الرسالة لوحدها كان لها أثر هائل على نفسيّة الشعب الإيراني، وخلال أقلّ من 8 أو 10 ساعات تقريباً خرجنا من الصدمة".

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.

اخترنا لك