الساحل السوري بين ضغوط المعيشة والفلتان الأمني المتصاعد

بعد المجازر الطائفية التي تعرض لها الساحل السوري عقب سقوط النظام السوري السابق، لا يبدو أن الأوضاع تتجه إلى الحلحلة، بل تتزايد حالات الاعتقال والطرد التعسفي من الوظائف، وأيضاً حالات الخطف والسرقة.

  • الساحل السوري بين ضغوط المعيشة والفلتان الأمني المتصاعد
    الساحل السوري بين ضغوط المعيشة والفلتان الأمني المتصاعد

شهد الساحل السوري، وخصوصاً مدينتي اللاذقية وطرطوس، تدهوراً معيشياً متسارعاً خلال الأسابيع الأخيرة، وسط حالة من الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي انعكست على الأسواق وحركة البيع والشراء. وبات المشهد اليومي للسكان مرهقاً بفعل تأخر الرواتب المتكرر، وقرارات الفصل التعسفي، والارتفاع الحاد في أسعار الكهرباء والاتصالات، إلى جانب حالة انفلات أمني متنامية تثير مخاوف الأهالي والتجار على حد سواء.

تأخر الرواتب… ضغط مباشر على الأسر والأسواق

يتحدث موظفون حكوميون عن حالة "ارتباك دائم" تعيشها العائلات بسبب تأخر الرواتب، ما يجعل تأمين الاحتياجات الأساسية يتجاوز قدرة معظم الأسر.

يقول أبو رامي (اسم مستعار)، موظف في قطاع التعليم في اللاذقية: "نضطر إلى الاقتراض كل شهر بسبب تأخر الراتب، وبهذا الشكل تُستهلك نصف رواتبنا قبل أن تصل. الأسعار تتغير أكثر من مرة بالأسبوع، والراتب أصلاً لا يكفي"، مشيراً إلى أن الراتب هذا الشهر تأخر أكثر من 10 أيام بذريعة أنه من المنحة القطرية التي اشترطت تسليمها باليد بدلاً من تطبيق "شام كاش".

أما أم فراس (اسم مستعار)، موظفة حكومية من طرطوس، فتقول: "الراتب يتأخر، والأسعار ترتفع كل يوم، ولا نستطيع شراء الحاجيات الأساسية مرة واحدة. نشتري بالقطعة".

فصل تعسفي يثير القلق… ووزارة العمل تنفي الدوافع الطائفية

تزايدت الشكاوى من عمال في المرافئ ومؤسسات التبغ والبلديات حول قرارات فصل "مفاجئة وغير مبررة"، ما خلق حالة قلق بين العاملين، إذ يقول أحد العاملين المفصولين من مرفأ طرطوس: "لم يوضحوا سبب الفصل، فقط قيل لنا إن هناك إعادة هيكلة، لكن عشرات الأشخاص من خلفية واحدة فقط خرجوا من العمل، وهذا ما أثار الشكوك".

أما في مجالس مدن جبلة واللاذقية وطرطوس، فكان الفصل التعسفي هو الأكثر حضوراً، ولا سيما على أساس طائفي، إلى جانب تحويل العديد من الموظفين إلى الرقابة والتفتيش للتحقيق في قضايا فساد تتعلق بمهامهم خلال فترة النظام السابق، إذ زُج العشرات منهم في السجون بذريعة التحقيق.

في المقابل، قال مصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل فضَّل عدم ذكر اسمه إن جميع القرارات "قانونية ومرتبطة بحاجة المؤسسات إلى خفض النفقات"، مضيفاً: "لا توجد أي معايير طائفية أو سياسية. جميع الحالات المدروسة موثّقة إدارياً، لكننا نتفهم مخاوف المواطنين، ونعمل على مراجعة الشكاوى، ولكنَّ الذين تقدّموا بالشكاوى قليلون جداً على عكس ما ينشر في منصات التواصل الاجتماعي".

وأضاف: "من الطبيعي أن تقوم الحكومة بعدم تجديد العقود السنوية، وعدم الاعتراف بعقود ما يسمى (أسر الشهداء والجرحى) لأنها من قرارات النظام السابق التي شجعت العائلات على إرسال أبنائها إلى الحرب مقابل حصول ذويهم على وظائف".

توترات أمنية تقلّص ساعات العمل والخوف ينتشر بين الأهالي

إلى جانب الأوضاع الاقتصادية، يشكو الأهالي تزايد حالات الخطف والسرقة، وخصوصاً في قرى اللاذقية وطرطوس، ما دفع العديد من أصحاب المحال إلى الإغلاق مبكراً.

يقول أبو محمد، صاحب متجر في الشيخ بدر في طرطوس: "بعد حلول المغرب، تصبح الشوارع فارغة تقريباً في بعض الأحياء. الناس تخاف من الحركة، ونحن مجبرون على الإغلاق المبكر حفاظاً على سلامتنا. هذا يؤثر بشكل مباشر في مبيعاتنا"، مبيناً أن "الشرطة تبذل جهداً، لكن الضغط الاقتصادي يخلق بيئة خصبة للجريمة. المطلوب تعزيز الدوريات الليلية وزيادة استخدام الكاميرات في الأسواق".

قلق لدى التجار من "التدخلات المفاجئة"

إضافة إلى ذلك، تحدث أصحاب ورش صناعية صغيرة عن مخاوف من عمليات دهم مفاجئة مرتبطة بعمليات التفتيش بذريعة ملاحقة المواد المهربة التي تأتي أصلاً من إدلب، ما يجعلهم غير مطمئنين للاستثمار أو توسيع أعمالهم.

وقال أحد التجار طالباً عدم الكشف عن اسمه: "اليوم لا يكفي أن تقلق من غلاء الكهرباء، بل يجب أن تخشى أيضاً من زيارة مفاجئة من لجنة رقابة أو جهة أمنية. وقد يؤدي أي خطأ بسيط إلى إغلاق المحل أو دفع مخالفة بالدولار".

حملات مقاطعة على مواقع التواصل

خلال الأسبوع الماضي، شهدت بعض مناطق الساحل إطلاق حملات مقاطعة لبعض المحال التجارية على أساس طائفي، ما أثار مخاوف من اضطراب اجتماعي جديد.

يقول ناشط مدني من اللاذقية: "هذا النوع من الحملات خطير. قد يخلق شرخاً مجتمعياً لا داعي له. الناس تعاني اقتصادياً أصلاً، ولا تتحمل صراعات جديدة"، مطالباً السلطات الأمنية بملاحقة أصحاب كل الصفحات التي تحرّض على المقاطعة، وأن أي نشاط يؤدي إلى توتر اجتماعي يجب أن يُحاسب قانونياً.

ومع تأخر الرواتب، وتراجع الأمان، وارتفاع الأسعار، وانخفاض القدرة الشرائية، تبدو مدن الساحل السوري أمام حالة انكماش اقتصادي تتجلى في تراجع حركة الأسواق بشكل غير مسبوق نتيجة اعتماد الأسر على الحاجيات الأساسية فقط، ما ساهم في انخفاض دوران الأموال في الأسواق المحلية.

اخترنا لك