حرب ترامب الجمركية على كندا والمكسيك.. من هو المتضرر الأول؟
بالرغم من تدارك ترامب لخطورة فرض التعريفات الجمركية وفرملتها، فإنّ الحرب التجارية المتقطّعة تركت الشركات في جميع أنحاء الولايات المتحدة في حيرةٍ من أمرها بشأن مدى جدّية حديث ترامب عن التعريفات الجمركية، وهل هو مجرّد استعراضٍ تفاوضي أم تهديدٌ حقيقيٌ مستقبلي؟
-
حرب ترامب الجمركية على كندا والمكسيك.. من هو المتضرر الأول؟
لم تصمد طويلاً الأوامر التنفيذية التي وقّعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي، والتي قضت بفرض رسومٍ جمركيةٍ بنسبةٍ تراوحت ما بين 25% على جميع الواردات من كندا والمكسيك، و10% على منتجات الطاقة الكندية، إذ سرعان ما أعلن تراجعه عن تلك القرارات، وتجميدها لمدة شهرٍ واحد.
لكن بخلاف تبريرات إدارة ترامب التي ردّت هذا التراجع إلى تعهّد البلدين بتكثيف جهودهما لمنع المخدرات غير المشروعة والمهاجرين من العبور إلى الولايات المتحدة، فإنّ هناك أسباباً أخرى تكمن وراء هذه الفرملة للأوامر التنفيذية أعلاه، وأهمها الخوف من أنها ستؤدي لاحقاً، إلى تباطؤ النمو وزيادة التضخّم في الولايات المتحدة.
الانعكاسات الاقتصادية لقرارات ترامب
صحيحٌ أنّ الجولات الدبلوماسية التي انتهت بعودة ترامب عن أوامره تلك أدت إلى تهدئة القلق في الأسواق المالية (بعدما انخفض مؤشّر داو جونز الصناعي 630 نقطة أو 1.4% في التعاملات المبكرة في اليوم ذاته لصدور التعريفات الجمركية الجديدة، أي في 1 شباط الحالي، قبل أن ينتعش وينخفض إلى 122 نقطة)، لكنها تركت أسئلةً رئيسيةً من دون حلّ حول أهداف الرئيس النهائية في إعادة تشكيل العلاقات مع جيران الولايات المتحدة خصوصاً، والتجارة العالمية بشكلٍ عام.
وتعقيباً على ذلك، حذّر كيب إيديبيرغ، نائب الرئيس الأوّل للعلاقات الحكومية في رابطة مصنّعي المعدّات الأميركيين، من أنّ هذه الإجراءات "قد تسبّب دماراً هائلاً للصناعات الأميركية". وإذ رأى أنه "لا يوجد قاتلٌ أكبر للصناعة من عدم اليقين"، أضاف: "كتكتيكٍ تفاوضي، هذا غير مستحسنٍ على الإطلاق. سيحدث الضرر في كلّ مرةٍ تكون هناك نوبة غضبٍ أخرى بشأن التعريفات الجمركية".
وبالرغم من تدارك ترامب ومستشاريه لخطورة الخطوات المتخذة وفرملتها، فإنّ الحرب التجارية المتقطّعة تركت الشركات في جميع أنحاء الولايات المتحدة في حيرةٍ من أمرها بشأن مدى جدّية حديث ترامب عن التعريفات الجمركية، وهل هو مجرّد استعراضٍ تفاوضي أم تهديدٌ حقيقيٌ مستقبلي؟
من هنا، وخلال الأيام الأخيرة، سارع المحللون في وول ستريت (المركز العالمي للأسواق المالية والأنشطة الاقتصادية) إلى إعادة تقييم التوقّعات الاقتصادية التي كانت تفترض عموماً أن ترامب سيستخدم تهديدات التعريفات كأداة ضغطٍ لإجبار الدول الأخرى على تقديم تنازلاتٍ سياسية، لكنه لن يصل إلى حد تعطيل العلاقات التجارية، خصوصاً أنّ موجة الأوامر التنفيذية التي صدرت، وتضمّنت الإعلان عن تعريفاتٍ جمركيةٍ على الواردات من الصين والمكسيك وكندا، تسبّبت بزعزعة الثقة بين أميركا من جهة، وكندا والصين والمكسيك من جهةٍ أخرى.
وبالمثل، فاجأت قرارات ترامب الاقتصاديّين في بنك "جيه بي مورغان" الخاص، الذين كانوا يستبعدون رفع التعريفات الجمركية على كندا والمكسيك، بعدما راهن هؤلاء، وفي مقدّمتهم جوزيف سيدل، كبير اقتصاديي الأسواق في البنك، على مرونة ترامب وميله إلى التحدّث بصرامةٍ ثم المساومة، كما فعل مع كولومبيا بشأن قبولها رحلات ترحيل المهاجرين.
غير أنّ زئبقية ترامب خيّبت آمالهم، وتبعاً لذلك قال سيدل: "إنه في حال تنفيذ التعريفات الجمركية فعلياً على المكسيك وكندا والصين، فإنّ ذلك سيؤدي إلى خفض معدل نمو الاقتصاد الأميركي بنسبة تصل إلى نقطةٍ مئويةٍ واحدة، ما يعني تقريباً تقليصه إلى النصف". وأضاف: "إن احتمالات نشوب حربٍ تجاريةٍ أوسع مما توقّعنا تتزايد بالفعل".
الشركات الأميركية المتضرر الأكبر
في 3 شباط/فبراير الحالي، وفي أعقاب البلبلة التي أحدثتها قرارات ترامب ضد كندا والمكسيك، سارعت الشركات في جميع أنحاء أميركا الشمالية إلى اتخاذ التدابير المناسبة استعداداً للنتائج التي ستخرج بها أيّ محادثاتٍ ستجرى لاحقاً بين البيت الأبيض وزعماء المكسيك وكندا.
أما الشركات الأميركية التي قد تجد نفسها الأكثر تضرراً من قرارات ترامب، فهي شركات تصنيع سيارات الركاب والمعدات الثقيلة، وجميعها تعتمد على سلاسل التوريد الإقليمية التي تعبر الحدود الوطنية للولايات المتحدة بسهولة عبور خطوط النقل الموجودة على الخريطة نفسها مثل تلك الفاصلة بين ولايتي أوهايو وإنديانا.
ما تجدر معرفته هنا أنّ رابطة إيديبيرغ تمثّل شركات تصنيع المعدات الكبرى، مثل شركة "كاتربيلر" و"جون ديري"، اللتين تعبر منتجاتهما الحدود مع المكسيك وكندا بمعدل 14 مرةً قبل اكتمال دورة التصنيع نهائياً. ولهذه الغاية، قال كيب إيديبيرغ: "إنه إذا تمّ فرض ضريبةٍ بنسبة 25% على هذه الجرّارات والرافعات والحفّارات في كلّ رحلة، فإنها سرعان ما ستصبح غير قابلةٍ للتحمّل"، وهنا يعني زيادة على مستوى التكاليف.
وفي هذا السياق، استشهدت الرابطة بالرسوم الجمركية التي فرضها ترامب خلال ولايته الأولى على الصلب المستورد والسلع الصينية، مما أدى إلى رفع التكاليف على مصنّعي المعدات بنسبة 8 إلى 10%، وهذا بالتالي كلّف الشركات الأميركية فقدان آلاف الوظائف.
من هنا، ووسط هذه الفوضى والتهديد بفرض تعريفاتٍ جديدة، عمد أعضاء رابطة إيديبيرغ إلى إيقاف خطط الاستثمار والتوظيف مؤقتاً. علاوة على ذلك، طلبت شركات بناء المنازل، التي تتعرّض بالفعل لضغوطٍ بسبب ارتفاع معدلات الرهن العقاري، من الإدارة الأميركية الجديدة إعفاء مواد البناء من خطط التعرفة الجمركية.
لكن المثير أنّ "الطلب قوبل بالرفض"، بحسب جيم توبين، رئيس الرابطة الوطنية لبناة المنازل. يشار إلى أنّ صناعة الإسكان تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على الخشب من كندا، والجبس من المكسيك، والإلكترونيات من الصين. لذا، قالت رابطة بناة المنازل إن خطة ترامب لفرض ضرائب على تلك الواردات تتعارض مع وعده بخفض تكاليف الإسكان.
الكنديون يتّحدون ضدّ أميركا
عملياً، لم تمرّ تهديدات ترامب الجمركية مرور الكرام، بل تسبّبت بتوحيد الكنديين، وأجّجت مشاعر الغضب لديهم تجاه الولايات المتحدة. وتبعاً لذلك، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بداية الشهر الحالي: "إن كندا ستفرض رسوماً انتقاميةً على منتجاتٍ أميركيةٍ بقيمة 106 مليارات دولار".
ليس هذا فحسب، فقد أقدم العديد من زعماء المقاطعات الكندية، على سحب الكحول الأميركية عن رفوف المتاجر، وقالوا إنهم سيحدّون من فرص الشراء للشركات الأميركية.
في المحصّلة:
تشير نوبة الغضب من الرسوم الجمركية إلى أنّ الزعماء الأجانب أصبحوا ماهرين في التعامل مع ترامب. إذ إنهم يهدّئونه بتنازلاتٍ رمزية، ويسمحون له بإعلان النصر، ثم يعودون إلى العمل كالمعتاد.