من زوّر فيديو رئيس لجنة الأمن القومي في "الكنيست" الإسرائيلي؟

فيديو مزيف يتضمن تصريحات لرئيس لجنة الأمن القومي الإسرائيلي بشأن أطماع الاحتلال في جعل سوريا تابعة له بدون قدرات عسكرية، ينتشر ويثير جدلاً بشأن السياسة التوسعية الإسرائيلية في المنطقة.

  • رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي بوعاز بيسموت
    رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي بوعاز بيسموت

انتشر قبل أيام مقطع فيديو ظهر فيه رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي بوعاز بيسموت وهو يقول إن "سوريا يجب أن تكون تابعة تماماً لإسرائيل كما الأردن من دون قدرات عسكرية". ورأى أن سوريا تمثل "معبراً استراتيجياً" للوصول إلى نهر الفرات، مشيراً إلى أن التوسع الإسرائيلي قد يشمل في المستقبل العراق ومنطقة كردستان. 

وظهر في المقطع بيسموت يقول إن "إسرائيل لن تسمح بظهور قوة عسكرية جديدة في سوريا بعد انهيار نظام بشار الأسد، ودمشق يجب أن تخضع لنفوذ كامل من قبل إسرائيل"، وأن السيطرة عليها ستكون أمراً حتمياً.

غير أنّ بيسموت نفى صحة الفيديو مشيراً إلى أنه تم التلاعب به باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهي الخلاصة التي توصّل إليها موقع "مسبار" بعد فحص الفيديو مؤكداً أنه مزور ومفبرك. 

القصة لا تتمحور هنا  حول المسائل والإشكالات المتعلقة بدور الذكاء الاصطناعي في تزوير الوقائع، وربما لاحقاً بطريقة يتعذّر كشفها، رغم أن هذا الأمر بات مطروحاً بقوة على مستويات مختلفة. 

بمعزل عن ذلك، فإن السؤال الأساس المتعلق بالجدل الذي أثاره فيديو السياسي الإسرائيلي، لا يتمحور بالضرورة حول ما إذا كان الفيديو صحيحاً أم مزيّفاً، بقدر ما يتعلق بجملة الحقائق والوقائع المعلنة والعصية على التزوير خارج الفيديو التي يكرسها كل يوم السلوك الإسرائيلي العدواني تجاه سوريا. وبالتالي قد يصحّ السؤال حول ما يسعى الفيديو إلى لفت الانتباه نحوه، بقدر ما يصحّ حول ما يمكن أن يغيره النفي وإثبات عدم صحة الفيديو، إذ أن الوقائع الميدانية والسياسية المرتبطة بمقاربة "إسرائيل" تجاه سوريا لا تبتعد كثيراً عن فحوى ما ورد في الفيديو المُزور، وهي لا تحتاج أصلاً إلى نفي أو إثبات.

قد يكون الفيديو المشار إليه من صناعة هاو أو جهة متحمّسة أو معنية، لكنّه يفتح الباب على احتمالات أن يقوم أي طرف مستقبلاً بافتعال قضية مثيرة بواسطة تقنيات التزييف العميق ثم يقوم لاحقاً هو نفسه بنفيها، من أجل تحقيق أغراض عدة، منها حرف الانتباه عن قضية معينة أو إثارة الشكوك بين ما هو مزيف فعلا وما هو حقيقي.  

المغزى من وراء قصة فيديو رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي، أنه بوجود الفيديو أو من دونه، لم يعد خافياً ما تقوم فيه "إسرائيل" وما تسعى إليه في سوريا والمنطقة.

تصريحات بيسموت المزعومة جاءت بالتزامن مع زيارة رئيس أركان جيش الاحتلال الجديد إيال زامير إلى ما تسميها "إسرائيل" المنطقة العازلة في جنوبي سوريا، وبعد يومين على تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن إسرائيل سوف تضمن أن يظل جنوبي سوريا منزوع السلاح وخاليًا من التهديدات، وأن قواته ستبقى في المناطق الأمنية وجبل الشيخ، وستحمي مجتمعات الجولان والجليل.

وسبق أن أكّد رئيس الوزراء الإسرائليلي بنيامين نتنياهو مراراً أن تل أبيب ستبقى لفترة غير محددة داخل "المنطقة الأمنية" في الأراضي السورية، بما يعني بلغة إسرائيل سيطرة مؤبدة على المنطقة التي توغلت فيها إثر انهيار نظام الأسد، إذ أقدمت على احتلال جبل الشيخ الإستراتيجي بالكامل والمنطقة العازلة وتوسعت خارجها باتجاه محافظتي القنيطرة ودرعا، كما أعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك  لعام 1974.

وبعد 5 أيام من ظهور الفيديو المُزيف المنسوب إلى بيسموت قام وفد من رجال الدين الدروز السوريين لأول مرة بزيارة غير معهودة إلى فلسطين المحتلة بدعوة من الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز داخل الكيان. 

الزيارة التي أثارت جدلاً تعد أحدث مؤشر على التحولات التي تعتزم "إسرائيل" القيام بها في سوريا. في هذا الإطار أعرب أهالي وعائلات قرية حضر، في الجولان السوري المحتل أن إسرائيل، التي لم "تكن يوما حريصة على حقوق الأقليات، تستغل هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني، وتسعى لاستخدام الطائفة الدرزية كخط دفاعي لتحقيق مصالحها التوسعية".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال"، ذكرت أن الحكومة الإسرائيلية تخطّط لإنفاق أكثر من مليار دولار من أجل إقناع دروز سوريا برفض الحكومة الجديدة في دمشق والمطالبة بحكم ذاتي ضمن نظام فدرالي، كما أعلن وزير الأمن الإسرائيلي عن خطة تتيح استقدام عمال من الطائفة الدرزية للعمل في مستوطنات الجولان، في خطوة وصفها بأنها جزء من جهود دعم هذه الطائفة داخل إسرائيل.

وبموازاة إقدام "إسرائيل" على تدمير ترسانة سوريا العسكرية وقدراتها الاستراتيجية واستهدافها مراكز البحوث والمستودعات إلى جانب بعض المنشآت والمرافق الحيوية منذ انهيار النظام السابق، فإنها لم تخف سعيها إلى الهيمنة على المنطقة بما ينسجم تماماً مع مضمون الفيديو المُزيف سابق الذكر. إذ عبّر نتنياهو مراراً إثر "طوفان الأقصى" عن أن هدفه يقضي بتغيير وجه الشرق الأوسط، وواكبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل بداية عهده بالإشارة إلى أن مساحة إسرائيل الجغرافية تبدو ضيقة، وقال "لطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها".

وبعد سقوط نظام الأسد كثر الحديث في الأوساط الإسرائيلية عن "ممر داوود" الذي يربط الجولان بنهر الفرات مروراً بدرعا والسويداء والتنف، لينفذ بعد ذلك الطريق إلى كردستان العراق. كما أن الذاكرة لم تفتر بعد عما حدث في مارس آذار 2023، عندما ظهر وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش خلال محاضرة له في باريس، وهو يقف أمام خريطة "لإسرائيل الكبرى" تضم الأردن.

سياسة "إسرائيل" التوسعية والإحلالية هي جزء أساسي من مكونها العقائدي، ورغبتها بالهيمنة على المنطقة يرتبط بشكل وثيق بأصل وجودها باعتبارها مشروعاً استيطانياً في خدمة مشاريع الهيمنة الغربية، والأدلة على ذلك أكثر من تحصى، سواء في سجلات التاريخ أو تصريحات زعمائها أو مضامين إعلامها ومراكز أبحاثها، أو حتى في علمها نفسه.

عدد اليهود في العالم يبلغ أقل من 16 مليون إنسان، يتواجد نحو نصفهم في فلسطين المحتلة. حتى لو استطاعت "إسرائيل" أن تجمع كل يهود العالم فإنها لن تتمكن من استيطان المنطقة الواسعة التي تريد الهمينة عليها في المنطقة، ما يعني أن مشروع الهيمنة ليس بالضرورة أن يتمثل بالوجود المادي المباشر في كل المنطقة بقدر ما يعني السيطرة والتحكم والاستعباد.

في ضوء ما سلف هل يحدث المحتوى المنسوب إلى رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي أي فارق، سواء أكان حقيقياً أم مزيفاً؟ وهل من عاقل يمكن ألا يقتنع من أن إسرائيل تحاول إخضاع سوريا، ومعها دول الجوار، إلى نفوذها الكامل؟ وأنها ترغب في أن تكون سوريا تابعة لها من دون قدرات عسكرية؟

اخترنا لك