وثيقة مفهوم وسياسة "الأمن القومي" الإسرائيلي لـ2025 و2026.. ماذا جاء فيها؟
معهد أبحاث "الأمن القومي" الإسرائيلي يقدّم وثيقة مفهوم الأمن القومي وسياسة الأمن القومي لعامي 2025 - 2026. ما أبرز ما جاء فيها؟
-
معهد أبحاث "الأمن القومي" الإسرائيلي قال إنّه يتعيّن الاستعداد لثلاثة سيناريوهات في سوريا
قدّم معهد أبحاث "الأمن القومي" لصناع القرار في "إسرائيل" والجمهور العام "وثيقة مفهوم الأمن القومي وسياسة الأمن القومي" لعامي 2025 - 2026. وبحسب مدير المعهد اللواء احتياط تامير هايمن، جرت صياغة هذه الوثيقة في الأشهر الأخيرة من قبل طاقم المعهد، وتم تقديمها كمقترح لبوصلة قيمية ومهنية للمؤسسة الأمنية ومقترح للتفكير والحوار العام، وهي اكتسبت قيمة خاصة، لأنها تعبّر عن محاولة تقديم رؤية استراتيجية مستقرة لـ"إسرائيل" وتوصي بسياسة قادرة على الصمود أمام اختبار التغيير والزمن.
ملخّص الدراسة
"إسرائيل" بحاجة إلى مفهوم أمن قومي محدث ومتفق عليه، يعكس قيم وثيقة الاستقلال كأساس للمبادئ والأهداف القومية، كما هو موضح في هذه الوثيقة. إنّ الهدف النهائي والغرض من الأمن القومي هو ضمان وجود "إسرائيل" كدولة آمنة ومزدهرة، ذات طابع يهودي وديمقراطي، وأغلبية يهودية قوية وحدود معترف بها وقابلة للدفاع عنها.
لقد غيّرت الحرب وجه الشرق الأوسط، وحدث هذا التغيير على خلفية التغيير العالمي الذي يفرض تحديات على الدول القومية الليبرالية الديمقراطية. وبعبارة أخرى، فإن العالم في صراع بين أولئك الذين يسعون إلى تقويض النظام القائم والقوانين التي تحكم عالمنا الاجتماعي والسياسي وأولئك الذين يسعون إلى الحفاظ على العالم "القائم على القوانين".
وكجزء من هذا الصراع العالمي، تنشأ منافسة على الهيمنة في الشرق الأوسط بين ثلاث مجموعات: "محور المقاومة" بقيادة إيران؛ جماعة الإخوان المسلمين بقيادة تركيا وقطر؛ ومجموعة الدول المعتدلة التي تتطلع إلى مستقبل أفضل ومشترك، والتي تشمل دول الخليج ومصر والأردن و"إسرائيل".
إن تفكك محور المقاومة وضعف إيران النسبي من جهة، مقابل إضعاف حماس وتقويض النظام الفلسطيني من جهة أخرى، يخلق مخاطر لـ"إسرائيل"، وفي الوقت نفسه، مجموعة متنوعة من الفرص. وهذا يجعل من الممكن، ربما للمرة الأولى، طرح رؤية سياسية أمنية طموحة: تنظيم الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني من موقع قوة واضح، مع خلق شبكة من منظومة اتصالات بين "إسرائيل" ودول الخليج البراغماتية، الأمر الذي يسهل عليها الحفاظ على ضعف إيران وعزلتها. ويمكن أن يشكل هذا الأساس لإنشاء تكتل إقليمي في الشرق الأوسط من شأنه أن يوفر مزايا على الساحة الدولية لجميع الدول الأعضاء فيه.
الساحة العالمية
يوصى بأن تعمل "إسرائيل" على تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة وتحويلها إلى تحالف دفاعي، وتعزيز الدعم له من كلا الحزبين وبين اليهود الأميركيين. ويجب التقليل من خطر عزلة "إسرائيل" على الساحة الدولية من خلال تسليط الضوء على القيم المشتركة بين "إسرائيل" ومعسكر الدول الغربية الليبرالية الديمقراطية. وسوف تساعد العملية السياسية على الساحة الفلسطينية في هذا الجهد.
الساحة الإقليمية
علينا أن نستعد لثلاثة سيناريوهات مع إيران: السعي الأميركي إلى اتفاق نووي جديد، وفي هذا السياق، يُنصح بتجنب "إسرائيل" المعارضة ومحاولة التأثير على الاتفاق بحيث يضمن عدم حصول إيران على أسلحة نووية أبداً. تحقيق اختراق إيراني نحو إنتاج القنبلة النووية، الأمر الذي يتطلب هجوماً فورياً لإحباط المشروع النووي، ويفضل أن يتم ذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة؛ واقع مستمر من دون اتفاق ومن دون الاندفاع نحو القنبلة. وفي هذا السيناريو، فإن الأمر يستدعي تكثيف سياسة الضغط الاقتصادي من أجل تنفيذ الاتفاق، إلى جانب استمرار الأنشطة السرية التي تهدف إلى إضعاف النظام في طهران.
مقابل سوريا أيضاً، يتعين علينا أن نستعد لثلاثة سيناريوهات: دولة إسلامية متطرفة بروح جماعة الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية؛ استقرار البلاد، بما في ذلك إقامة نظام معتدل يسعى إلى تجديد علاقاته الدولية؛ أو كونفدرالية طائفية منقسمة تعمل على إدامة عدم الاستقرار. ولذلك، فمن المستحسن في كل الأحوال اعتماد استراتيجية مزدوجة، تتضمن إقامة اتصال سري مع النظام الجديد من أجل التعرف على اتجاهات التطوير وتقييمها، وفي الوقت نفسه، تحصين الدفاع في هضبة الجولان، ومنع التهديد المحتمل من جانب مجموعات إرهابية على طول الحدود، والحفاظ على علاقات سرية مع الجماعات المعتدلة.
وفي ضوء التوتر المتزايد في الآونة الأخيرة بين تركيا و"إسرائيل" والدور الذي تلعبه أنقرة في منظومة الإسلام السياسي الإقليمي، يجب التعامل مع تركيا باعتبارها تهديداً مرجعياً محتملاً يتطلب المراقبة والاستعداد الأساسي، ولكن ليس في إطار التهديد المرجعي الذي يوجه بناء القوة العسكرية. ويجب علينا أيضاً تعزيز العلاقات الدبلوماسية والعمل على رفع المقاطعة التجارية التركية لـ"إسرائيل".
وفي ما يتعلق بتهديد حزب الله في لبنان، يجب إحباط أي تعاظم لقدرة المنظمة باستخدام القوة لضمان نزع السلاح من جنوب لبنان وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 وقرار مجلس الأمن رقم 1701. وفي ظل حصول سيناريو استقرار لبنان (ضعف حزب الله النسبي من شأنه إتاحة حصول ذلك)، يجب بذل الجهود لتسوية النزاعات الحدودية بين "إسرائيل" ولبنان، وحتى التوصل إلى اتفاق سلام بين البلدين.
الساحة الفلسطينية
يجب السعي لإعادة جميع المختطفين حتى ولو كان الثمن اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب "الجيش" الإسرائيلي من قطاع غزة. ويتعين على "إسرائيل" أن تضمن، ليس بالضرورة من خلال اتفاق وقف إطلاق النار، الاحتفاظ بالمسؤولية الأمنية في قطاع غزة (مثل نموذج المنطقة ب في الضفة الغربية) والشرعية اللازمة لإحباط أي محاولة لإعادة بناء وتعاظم حماس. ولا بد من نقل السيطرة المدنية على القطاع إلى لجنة فلسطينية غير تابعة لأي طرف، من دون مشاركة حماس أو فتح، والتي سوف تتلقى الدعم الإقليمي والدولي وتركز على إعادة بناء القطاع، بالتوازي مع نزع سلاحه.
ويجب تقديم مخطط سياسي للفصل بين "إسرائيل" والكيان الفلسطيني المستقل. وستتم إعادة صياغة النموذج المطلوب لحل الانفصال بسبب الإخفاقات السابقة في تعزيز النظام والوضع الجديد على الساحة، يتضمن طلب الإصلاح الشامل في السلطة الفلسطينية. وبالتوازي مع بدء عملية التطبيع بين المملكة العربية السعودية و"إسرائيل"، سيتم أيضاً اتخاذ خطوات لبناء الثقة بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية الإصلاحية، والتي ستشمل التنفيذ العملي للفصل: الإقليمي والحكومي والاقتصادي.
ومع ذلك، ومن دون شروط أو تحفظات، يجب مواصلة المعركة ضد العناصر الإرهابية الفلسطينية، التي من المتوقع منها، من بين أمور أخرى، أن تحاول إحباط أي اتفاق محتمل. ويجب أن تتم هذه الحملة على الساحات كافة، سواء بشكل مستقل أو بالتنسيق مع دول المنطقة ومع قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية الإصلاحية، التي يشكل وجودها مصلحة أمنية لـ"إسرائيل".
لا ينبغي لـ"إسرائيل" أن تضم أراضي خارج إطار تسوية سياسية إقليمية شاملة، لأن الضم الذي لا يكون جزءاً من اتفاق لن يحسن أمن "إسرائيل" (مقارنة بالوضع الحالي)، بل سيعمق حتى من خطر العزلة الدولية وانزلاق "إسرائيل" إلى واقع الدولة ثنائية القومية ذات الأغلبية العربية.
الساحة الداخلية
إن إعادة جميع الأسرى سوف تساعد المجتمع الإسرائيلي على التعافي مع مرور الوقت من الأزمة الخطيرة التي وجد نفسه فيها، في حين أن تركهم في أسر حماس لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة.
يجب تقليص عدم المساواة في "إسرائيل" من خلال التشريع، مع التركيز على قضايا تحمل العبء الأمني والمكانة المدنية. وفي الوقت نفسه، يجب تجنب تغيير التوازن بين سلطات الحكم في "إسرائيل" من دون توافق واسع النطاق، وبشكل يؤدي إلى تفاقم الشرخ الداخلي.
إن ميزانية الأمن يجب أن تكبر بشكل تناسبي وفقط كجزء من مفهوم أمني متفق عليه وسياسة أمن قومي محدثة (وليس في محاولة نتيجة الصدمة لتوفير الرد على الحرب السابقة). الواقع الأمني المحسن يسمح تحمل المخاطر في المجال الأمني بطريقة تسمح بزيادة تخصيص الموارد لمجالات التعليم والبنية التحتية والصحة والاقتصاد. ويجب إعطاء الأولوية القصوى لبذل جهود واسعة النطاق في إعادة تأهيل مناطق البلاد التي تضررت وتم إخلاؤها أثناء الحرب، وفقاً لاحتياجاتها وخصائصها المميزة. إن ازدهار منطقة النقب الغربي وشمال البلاد أمر ضروري لتعزيز مناعة المجتمع الإسرائيلي.