التنقل في الخراب: شلل مواصلات وطرق مدمرة تعيق حياة سكان غزة
قطاع النقل في غزة يعيش شللاً شبه تام بعد تدمير الطرق والمركبات وارتفاع أسعار الوقود، ما حوّل التنقل اليومي إلى معاناة شاقة ومكلفة وسط ركام الحرب وغياب مقومات الحياة الأساسية.
-
التنقل في الخراب: شلل مواصلات وطرق مدمرة تعيق حياة سكان غزة
في شوارع مغطاة بالغبار والركام، وبين أحياء فقدت ملامحها، يكافح سكان قطاع غزة للتنقل وسط مشهد الدمار الهائل الذي خلفته الحرب الأخيرة، فالحركة اليومية، التي كانت وسيلة حياة وسبيلاً للوصول إلى الأسواق والعمل والمدارس، تحوّلت إلى تحدٍ للبقاء، إذ أصبحت الطرق السليمة نادرة، وكل رحلة تتحوّل إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر وسط الركام والحفر.
منذ بدء العدوان، أصبح التنقل بين المدن والأحياء مقتصراً على الضرورة القصوى، بعد أن صارت السيارات شبه معدومة وحلّت محلها وسائل بدائية مثل المشي والدراجات الهوائية و"الكارة" التي تجرّها الحيوانات، و"التوك توك" المهترئ، في مشهد يعكس حجم تدهور قطاع النقل ومعاناة الأهالي اليومية.
معاناة الانتظار
يقف سامر جنيد عند مفترق دير البلح وسط القطاع لساعات طويلة، ينتظر سيارة أو "كارة" للوصول إلى السوق، في مشهد يعكس شلل النقل. يقول للميادين نت: "أحياناً أقف أكثر من ساعة قبل أن أجد وسيلة نقل، وأحياناً أضطر للتخلي عن المشوار بسبب عدم توفرها".
ويصف الشوارع بأنها مليئة بالحفر والركام، حيث يحاول الأطفال عبورها بأمان محدود، وتسحب النساء عربات مليئة بالمستلزمات، في مدينة أصبحت مرهقة ومتعبة أكثر من أي وقت مضى.
ويشير جنيد إلى الطرق المدمرة والمليئة بالركام، موضحاً أنّ "الرحلات القصيرة أصبحت غير مضمونة، وأضطر أحياناً لاستخدام التوك توك المهترئ بأسعار مرتفعة، والوصول إلى السوق أو العمل صار اختباراً للصبر والتحمّل".
ويبيّن أنّ "الطرق التي يفترض أن تسهّل حياة المواطنين باتت متشابكة ومليئة بالركام، فلا يمكن التمييز أحياناً بين بقايا المنازل المدمرة والحفر الناتجة عن تدمير البنية التحتية".
غلاء النقل يفرض البدائل
مع ندرة المركبات وتدمير الطرق وارتفاع تكلفة النقل، أصبح ركوب السيارة عبئاً إضافياً على المواطنين، فغالباً ما يلجأ الغزيون إلى المشي لمسافات طويلة أو استخدام وسائل بديلة مثل الدراجات الهوائية والعربات الحيوانية.
يقول المواطن مصطفى عليان، الذي يستخدم دراجته الهوائية، للميادين نت: "لم أفكر يوماً أن تصبح الدراجة وسيلة النقل الرئيسة، لكنها اليوم تعوّض السيارات وتخفف عبء ارتفاع أجور المواصلات، وتمكّنني من الوصول إلى أماكني برغم الطرق الضيقة والوعرة وأعباء النقل الثقيلة على الجميع".
من جهته، يؤكد أحمد فروانة، صاحب عربة تجرها حصان، للميادين نت: "كانت العربة وسيلة لنقل المياه أو الأغراض الثقيلة، أما اليوم فنستخدمها لنقل الناس وأغراضهم بين الأحياء، خصوصاً كبار السن الذين لا يستطيعون المشي لمسافات طويلة، بعد أن أصبحت أجور النقل مرتفعة جداً ولا يتحملها المواطن العادي".
مفترقات خاوية وغلاء الوقود
قبل نحو عامين، كانت مفترقات غزة مثل السرايا والشجاعية والجلاء تعجّ بالحياة والأضواء والأصوات، أما في الوقت الحالي فباتت خالية من السيارات ونداءات السائقين التي كانت تمتد منذ الصباح حتى منتصف الليل، ما جعل التنقل بين المدن والأحياء تحدياً إضافياً للأهالي.
يستحضر السائق الأربعيني عبد المجيد الزيناتي ذكريات ما قبل الحرب ويقارنها بواقع اليوم قائلاً للميادين نت: "كنت أقف على المفترقات منذ ساعات الفجر، ولا يستغرق الأمر سوى دقائق لتفريغ حمولة السيارة، أما حالياً فجميع المفترقات صارت نقاطاً ميتة، ماتت معالمها كما ماتت آلاف الأشياء في هذا القطاع المنكوب".
قبل الحرب كانت سيارة الزيناتي تتسع لأربعة ركّاب، أما في الوقت الراهن فيحاول نقل عشرة دفعة واحدة، مما يرهقه بتكاليف البنزين والزيت والإطارات والبطاريات، إذ وصل ثمن لتر البنزين إلى 140 شيقل (نحو 50 دولاراً) وزيت المحرّك إلى 400 شيقل (نحو 120 دولاراً)، وما يكسبه بالكاد يغطي مصاريف أسرته.
وتفاقمت أزمة النقل مع ندرة الوقود وارتفاع الأسعار، خصوصاً في مناطق النزوح، ما فاق قدرة العائلات المنهكة. ومع قلة فرص العمل، يواصل عبد المجيد تشغيل سيارته لمساعدة الركاب المتعبين، في مشهد يعكس حجم المعاناة اليومية لسكان القطاع.
خسائر قطاع النقل تتجاوز 3 مليارات دولار
شبكات الطرق والمواصلات في غزة شبه مشلولة بعد تدمير أكثر من 55 ألف مركبة و2.8 مليون متر طولي من الطرق، بما يشمل 65% من الطرق الرئيسية، ما أدى لتوقف شبه كامل للنقل وخسائر تجاوزت 3 مليارات دولار، وفق المتحدث باسم وزارة النقل والمواصلات أنيس عرفات.
ويؤكد عرفات للميادين نت أنّ الحرب دمّرت نحو 70% من المركبات كلياً أو جزئياً، فيما أصاب الضرر ما تبقى، مشيراً إلى أنّ "ما كان يستغرق دقائق ويكلف ستة شواقل صار يستغرق أكثر من 12 ساعة ويكلف أضعافاً"، ما زاد من معاناة المواطنين، خصوصاً مع أوامر الاحتلال بالنزوح جنوباً.
ويشير عرفات إلى أنّ نحو 90% من البنية التحتية دُمرت، وما تبقى غير صالح حتى لسير الحيوانات، ما جعل قطاع النقل مشلولاً منذ بداية الحرب، مع صعوبة كبيرة في الحركة وارتفاع حاد في تكاليف النقل.
وأفاد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بأن قطاع غزة يعيش كارثة إنسانية غير مسبوقة بعد مرور عامين على حرب الإبادة التي دمّرت مقومات الحياة كافة، حيث ارتفعت نسبة البطالة إلى نحو 80%، ويعاني نحو 96% من السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد. كما تحوّلت معدلات الفقر إلى مستويات من المجاعة نتيجة انهيار الاقتصاد وتراجع الاستهلاك بنحو 80%، ما جعل الأوضاع المعيشية في غزة الأكثر قسوة منذ عقود.
بدوره، يؤكد المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر أنّ قطاع النقل في غزة تكبد دماراً كبيراً، حيث تضررت أكثر من 70% من الطرق وإشارات المرور وارتفع سعر الوقود إلى 130 شيقلاً، ما أدى إلى مضاعفة أسعار المواصلات وزيادة الأعباء على المواطنين.
ويوضح أبو قمر، في حديثه إلى الميادين نت، أنّ المركبات كانت مصدر رزق لعشرات الآلاف، لكن الركود خيّم على القطاع، وأن إعادة إنعاشه تتطلب جهوداً كبيرة لإصلاح البنية التحتية والطرق المدمرة.
ويشير إلى أنّ معدلات البطالة بلغت نحو 85%، مع ارتفاع حاد في الأسعار وانعدام شبه تام للدخل، ما دفع 95% من السكان للاعتماد على المساعدات الإنسانية مقارنة بـ 60% قبل العدوان.