العدوان على إيران يوحد الشعب: سيادة البلاد وأمنها أولاً
في لحظة فارقة، تحوّلت إيران كلها إلى جسد واحد، جُرح في الصباح، ثم نهض ليلاً ليستعيد كرامته. وبين الدموع والقبضات المرفوعة، وبين مشاهد الفقد ومشاعر الانتصار، كُتب فصل جديد في قصة شعب، قرر ألا يقايض دماء علمائه بثمن رخيص.
-
من الغضب إلى الفخر: الشعب الإيراني يرسم ملامح الرد
ليلة الجمعة الرابع عشر من حزيران/يونيو 2025 لم تكن كباقي ليالي إيران، ولم يكن صباحها كما قبله. في ظلام تلك الليلة، وبينما كانت البلاد تلملم جراحها من فاجعة العدوان الإسرائيلي الغادر الذي استهدف العاصمة وبعض المحافظات الأخرى، جاءت الردود الإيرانية كالوعد المتحقق، "الوعد الصادق 3"، ليُعيد تعريف ملامح الغضب، والكرامة، والعزّة.
قبلها بساعات، كانت الصدمة لا تزال تسيطر على الشوارع. ستة من أبرز القادة والعلماء، رجال دولة وعلم، سقطوا شهداء بفعل عدوان إسرائيلي مباغت، لم يفرّق بين مواقع عسكرية ولا علمية. فالدكتور فريدون عباسي، رمز الفيزياء النووية، والدكتور طهرانتشي، معمار نهضة الجامعات الحديثة، وقادة من صفوف الحرس الثوري، قُطفت أرواحهم في عدوان وصفه الجميع بأنه جريمة معلنة، تجاوزت كل الأعراف.
على وقع هذه الجريمة، خرج الناس في عشرات المدن الإيرانية بشكل عفوي، يهتفون للانتقام. من ميدان الحرية إلى شوارع الأهواز، ومن تبريز إلى كرمان، كانت الأصوات تتعالى بشعار: "الله أكبر... الموت لإسرائيل". لم يكن الأمر حراكاً سياسياً، بل غريزة شعبية فطرية، دفاعاً عن الكرامة وعن دماء من كانوا يعملون لأجل حياة كريمة للناس، وتقدمهم، واستقلالهم.
فرشته، سيدة في الأربعين من عمرها، تقول للميادين نت: "نعرف جيدًا أن ما يزعجهم ليس برنامجنا النووي، بل إرادتنا، أننا لا نخضع لأحد وبلد غني بالموارد ويساند المقاومة. ولو أوقفنا كل شيء اليوم، غدًا سيتهموننا بالصواريخ، وغيرها من الاتهامات... المشكلة أنهم لا يريدون لإيران أن تكون حرة".
ومع أولى ساعات الليل، جاء الرد لّليلة الثانية. عشرات الأهداف في قلب الكيان الإسرائيلي تعرضت لهجمات دقيقة، ومنسقة، ومباغتة. أصوات الانفجارات دوّت في "تل أبيب"، وحيفا، ومناطق الشمال والجنوب وعبرت الصواريخ الإيرانية أنظمة الدفاع المتقدمة وأسقطت رمزية التفوق العسكري الإسرائيلي.
في إيران، تبدل المشهد من حزن إلى دموع فرح. خرج المواطنون بشكل عفوي إلى الشوارع، يرددون الهتافات ويكبّرون من على شرفات المنازل. احتشد الناس في الساحات العامة، يرفعون صور الشهداء، ويعانقون بعض الجنود وقوات الشرطة. يقول مهرداد شاب في الثلاثين من عمره للميادين نت: "حتى لو كنت مختلفًا مع النظام، لا يمكن أن أقف مع من يقتل علماءنا ويدعو إلى تقسيم بلادنا. نحن نعرف العدو جيدًا، ونعرف متى نصطف خلف رايتنا".
الجامعات لم تكن صامتة. طلابها قادوا مسيرات داخل السكن الجامعي على اعتبار أن الجمعة يوم راحة، رفعوا شعارات بصوت واحد وبحرارة عالية: "لن ننسى ولن نغفر". في جامعة طهران، حيث كان يدرّس بعض الشهداء، كتبت طالبة على لافتتها: "من يقتل العلماء يخشَ من وعي الشعوب. لكننا سنكمل طريقهم".
حتى الفن لم يصمت. المخرج المعروف إبراهيم حاتمي كيا كتب في صفحته على وسائل التواصل: "هذه الأرض لها قدسيتها، ومن يعتدي عليها لا بد أن يواجه الغضب الإلهي والشعبي. ليست المسألة نظاماً أو حكومة، بل وطناً، وكرامة، وحقاً في العيش بسلام". الفنانون، من ممثلين وشعراء ومخرجين، أطلقوا حملات رقمية تدعو إلى الوحدة، ونشروا رسائل تضامن مع عائلات الشهداء.
وفي الصالات الرياضية، أدّى لاعبو فريق كرة الطائرة تحية عسكرية أثناء عزف النشيد الوطني في تصفيات دولية بكندا، كأنهم يؤدون قَسَم الوفاء للدماء. رضا زاده، بطل الأولمبياد في رفع الأثقال، قالها بوضوح: "نحن مع الرد، ومع العدالة، ومع القصاص. إسرائيل ارتكبت جريمة كبرى، وستدفع الثمن".
الشارع الديني أيضًا لم يتأخر. علماء الدين، من السنة والشيعة، دانوا الهجوم. ماموستا أمين راستي، من أتباع المذهب السني في محافظة كردستان، قال: "هذا العدوان لن يُضعفنا بل يكشف خوفهم من علمائنا ومن إرادتنا. الرد كان رسالة لكل من يراهن على ضعفنا: إيران لا تُستفز ثم تصمت".
ولم يكن الرد العسكري مجرد انتقام، بل كان ترجمة حية لما قاله قائد الثورة والجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي قبل أشهر: "من يمتلك العلم، يمتلك القرار. ومن يضرب علمك، يريد إسكات صوتك. إيران ردّت بصوت العلم، والصاروخ كان الموقف".
ليلتان لم تكونا عاديتين في شوارع العاصمة، وزّعت الحلوى في بعض الأحياء. الأطفال رفعوا أعلام إيران وصور الشهداء، والنساء تبادلن الدعاء لسلامة القوات المسلحة وخاصة في القوة الصاروخية. في محطة مترو طهران، وقف رجل مسن وقال بصوت مُختنق بالعبرة: "في هذه الأرض، الشهادة ليست نهاية، بل بداية جديدة للأمة".
هكذا، وفي لحظة فارقة، تحوّلت إيران كلها إلى جسد واحد، جُرح في الصباح، ثم نهض ليلاً ليستعيد كرامته. وبين الدموع والقبضات المرفوعة، وبين مشاهد الفقد ومشاعر الانتصار، كُتب فصل جديد في قصة شعب، قرر ألا يقايض دماء علمائه بثمن رخيص، ولا يقف مكتوفًا أمام من يعتدي على أرضه. يقول علي رضا للميادين نت: "إنها ليست معركة أسلحة فقط، بل معركة رواية. وإيران، بدماء علمائها، ووجدان شعبها، وذكاء مهندسيها، قررت أن تكتب روايتها بمداد الصبر والصمود".
من طهران إلى "تل أبيب"، ومن نبض الجماهير إلى صواريخ الرد ومن شرفات البيوت إلى جبهات السماء، رسالة واحدة ارتفعت: "من يعتدي علينا... سنرد عليه. وكان الرد وعدًا صادقًا يحمل الرقم ثلاثة".