"ليس هناك من يُصغي".. معارضة أميركية شعبية لحرب مستقبلية مع إيران

تكشف استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة فجوة متزايدة بين الموقف الشعبي والرسمي بشأن حرب بلادهم ضد إيران، وسط دعوات للتركيز على القضايا الداخلية بدل الانخراط في حروب مكلفة.

0:00
  • "ليس هناك من يُصغي".. معارضة أميركية واسعة لحرب مستقبلية مع إيران

مضت الإدارة الأميركية قُدمًا في تصعيدها مع إيران متجاهلة الموقف الشعبي الرافض للتورط المباشر في الصراع العسكري الذي كان دائرًا بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، وعلى الرغم من الدور التقليدي الذي يلعبه الرأي العام الأميركي في رسم ملامح السياسة الخارجية، لم تُظهر واشنطن مؤخرًا استجابة تذكر لموقف الشارع، بما في ذلك قيامها بتوجيه ضربة عسكرية استهدفت منشآت نووية إيرانية. 

ومع أن آراء الشارع الأميركي لا تبدو موحدة بالكامل، إلا أن استطلاعات الرأي الأخيرة كشفت ميلًا واضحًا لدى الغالبية نحو تفضيل الحلول الدبلوماسية، والدعوة إلى مواصلة المفاوضات مع إيران لحل القضايا العالقة، وعلى رأسها المشروع النووي الإيراني، بدلاً من الانخراط في مواجهة عسكرية.

ويدعو الأميركيون المعارضون للتدخل العسكري الإدارة الحالية إلى التركيز على القضايا المحلية والتحديات الداخلية، بدلًا من إنفاق المال العام على حروب لا يعتبرونها من أولوياتهم، مطالبين بالوفاء بالوعود التي قطعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حين أكد في حملاته الانتخابية أنه قادر على وقف الحروب، منتقدًا ضعف الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في التعامل مع هذه الملفات.

لا للحرب مع إيران

وفي أعقاب اندلاع الحرب بين إيران والاحتلال الإسرائيلي في 13 من الشهر الجاري، أجرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية بالتعاون مع مجموعة يوغوف الدولية للبحوث وتحليل البيانات، استطلاعًا للرأي حول موقف الشارع الأميركي من الصراع، وذلك  في الفترة ما بين 13 و16 من الشهر الجاري.

وكشف الاستطلاع عن معارضة شعبية واسعة للتدخل العسكري الأميركي في هذا الصراع، فقد أظهرت النتائج أن حوالى 60% من الأميركيين يرفضون انخراط بلادهم في الحرب مع إيران، بينما أيّد نحو 16%  تلك المشاركة، وأبدى حوالى 24% عدم قدرة على اتخاذ موقف محدد.

وجاءت تلك النتائج موافقة لما أظهرته استطلاعات أخرى أُجريت سابقًا، أبرزها استطلاع أجراه "مجلس شيكاغو للشؤون العالمية" بالتعاون مع شركة "إبسوس" لأبحاث الأسواق، في الفترة ما بين 18 و20 نيسان/أبريل الماضي، حيث عبّر 60% من المستطلعين أيضًا معارضتهم إرسال قوات أميركية لتنفيذ ضربات ضد إيران.

وقد أظهرت استطلاعات الرأي تأثير الانقسام الحزبي على تباين المواقف من التدخل العسكري الأميركي في الحرب، حيث أبدى معظم الديمقراطيين المشاركين في استطلاع إيكونوميست-يوغوف رفضهم للحل العسكري بنسبة وصلت إلى 65%،  واتخذ المستقلون موقفا مشابهًا بنسبة بلغت 61%، بينما انخفض عدد المعارضين من الجمهوريين ليسجلوا نسبة 53%.

ولم تُبد أي من المجموعات الثلاث دعمًا كبيرًا للخيار العسكري، إذ أيّد الحرب فقط 15% من الديمقراطيين و11% من المستقلين و23% من الجمهوريين، بينما لم يجزم كثير من المشاركين برأي محدد.

وجاء استطلاع للرأي  أجراه  معهد رونالد ريغان في الفترة بين 22 أيار/مايو الماضي و2 حزيران/يونيو الجاري، منسجمًا مع النتائج السابقة، إذا أيّد 60% من الجمهوريين الضربات الجوية على إيران، بينما انخفض الدعم إلى 35% بين المستقلين و32% بين الديمقراطيين.

وبرغم الموقف الشعبي الرافض لانخراط الولايات المتحدة في الحرب، فإن ذلك لا يعني بالضرورة معارضة الضربات الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، فقد كان 45% من المشاركين في استطلاع معهد رونالد ريغان قد عبّروا عن دعمهم قيام "إسرائيل" بتوجيه ضربات جوية محددة ضد المنشآت النووية الإيرانية، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية، مقابل 37% عبروا عن رفضهم.

وتتفاوت آراء الأميركييين بشأن كيفية التعامل مع هذا الملف، بين الرغبة في اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف ما يعتبرونه "خطرًا يهدد المصالح الأميركية"، وبين الدعوة إلى التوجه إلى حلول دبلوماسية، بما في ذلك استراتيجيات الردع وفرض العقوبات. ويميل الديمقراطيون إلى تحفيز إيران عبر استئناف العلاقات الدبلوماسية أو تخفيف العقوبات الاقتصادية، في حين يفضل الجمهوريون نهجًا أكثر تشددًا، يقوم على التلويح بعقوبات اقتصادية أكثر صرامة أو حتى اللجوء إلى القوة العسكرية.

وأظهر استطلاع "إيكونوميست – يوغوف" أن معظم الأميركيين يميلون إلى خيار المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، وقد تقاربت مواقف الحزبين الرئيسيين في هذا الشأن، حيث عبّر 58% من الديمقراطيين و61% من الجمهوريين عن تأييدهم لهذا التوجه.

وتعكس هذه النتائج ما توصلت إليه استطلاعات أخرى، منها استطلاع أجراه "برنامج استطلاع القضايا الحرجة" بجامعة ميريلاند في الأسبوع الأول من أيار/مايو الماضي، وأظهر أن 69% من الأميركيين يفضلون خيار التفاوض مع إيران مع استمرار المراقبة.

ويشير هذا التوجه إلى تغير واضح في المزاج الشعبي مقارنة بما كان عليه الحال قبل نحو عقد، ففي أعقاب توقيع اتفاق "خطة العمل الشاملة المشتركة" عام 2015، التي أبرمتها الولايات المتحدة وخمس دول أخرى مع إيران بشأن برنامجها النووي، عارض 32% من الأميركيين المباحثات السلمية، في حين تراجعت هذه النسبة لتبلغ هذا العام 18%.

عداء متجذر

بعيدًا من الحرب التي اندلعت بين إيران والكيان الإسرائيلي، يحمل قطاع كبير من الشعب الأميركي نظرة سلبية تجاه إيران، وتعود جذور هذا التصور إلى الأحداث التاريخية التي أعقبت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والتي أطاحت بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، الحليف الوثيق لواشنطن، فقد شهدت الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية تطورات دراماتيكية عززت النظرة السلبية المتبادلة بين الجانبين.

وكان أبرز تلك الوقائع، اقتحام طلاب موالين لقائد الثورة، القائد الإيراني الراحل آية الله الخميني، مبنى السفارة الأميركية في طهران، واحتجاز أكثر من 50 موظفًا أمريكيًا لما يزيد على العام، بهدف الضغط على واشنطن لتسليم الشاه المخلوع، الذي كان يخضع للعلاج في الولايات المتحدة.

وفي خضم الأزمة، قطعت واشنطن علاقاتها الدبلوماسية مع طهران رسميًا عام 1980، ومنذ ذلك الحين ظلت العلاقات الثنائية مجمدة بين البلدين. أما الحدث الآخر الذي ساهم في تعميق الشعور العدائي بين الطرفين، فكان دعم الولايات المتحدة للعراق خلال حربه مع إيران بين عامي 1980 و1988.

ومع زيادة وعي الشارع الأميركي بالقضايا الخارجية، وتفاقم التحديات الداخلية خلال السنوات الأخيرة، بدأ الرأي العام الأميركي تجاه الملف الإيراني بالتحول، ما خلق فجوة بين الموقفين الشعبي والرسمي، فبينما بات الشارع الأميركي أكثر تمسكًا بالخيارات الدبلوماسية تفاديًا لمواجهة مكلفة وغير مضمونة النتائج، استخدمت واشنطن القوة العسكرية ضد طهران. 

اخترنا لك