أزمة تلوث المياه تهز ثلاث محافظات عراقية والسلطات تستنفر
أثارت أزمة تغيّر لون ورائحة مياه الإسالة في كربلاء والنجف وبابل حالة رعب وذعر بين الأهالي وسط شائعات واسعة عن تلوثها بالبكتيريا. السلطات سارعت للفحوصات والتوضيحات، مؤكدة أن المشكلة مرتبطة بالطحالب والترسّبات لا بالمصدر الأساسي.
-
أزمة تلوث المياه تهز ثلاث محافظات عراقية والسلطات تستنفر
حالة من الرعب سيطرت على المشهد العام في ثلاث محافظات عراقية، وهي: كربلاء والنجف وبابل، بعد رصد تغيّر في لون مياه الإسالة "المياه الواصلة إلى المنازل"، وهو ما رجّح احتمال احتوائها على بكتيريا ضارّة بالصحة، كما وصلت المخاوف إلى إمكانية تعرّض مياه الشرب للتلوث، خصوصاً في ظل انتشار كمّ هائل من الشائعات على منصات التواصل الاجتماعي حول الأزمة، ما تسبب بحالة من القلق والذعر بين الأهالي.
وترافقت الأنباء عن تلوث المياه وعدم صلاحيتها للاستهلاك البشري، مع إعلان حالة الإنذار في المحافظات الثلاث بسبب انخفاض منسوب مياه نهر الفرات الذي يغذي محطات مياه الشرب، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة التعكر وظهور الطحالب في المياه.
أهالي المحافظات الثلاث عاشوا ساعات من الرعب، خاصّة بعدما بدأ لون المياه الواصلة إلى منازلهم بالتغيّر تدريجياً، إضافة إلى ظهور رائحة كريهة منها، ما دفعهم للابتعاد عن استخدامها والاعتماد على شراء صناديق المياه المعبئة للشرب والطهي.
ومع تداول الأخبار على نطاق واسع، خرجت دعوات على منصات التواصل الاجتماعي للابتعاد عن استخدام المياه المعكرة لأيّ غرض كان، كونها غير صالحة للاستهلاك البشري وتحتوي بكتيريا ضارّة وخطيرة، ومن الممكن أن تؤدي إلى حدوث أمراض عديدة عند الإنسان.
علي جاسم من سكان منطقة الهندية على أطراف كربلاء قال للميادين نت: "لثلاثة أيام لم نستخدم مياه الإسالة في المنزل، فاللون والرائحة الكريهة ينفي أيّ تطمينات من جانب الجهات المعنية، فلا يمكن المخاطرة بموضوع حساس مثل المياه بأيّ طريقة كانت".
ويضيف جاسم: "جميع سكان كربلاء شاهدوا لون المياه الغريب، من دون أن يخرج أيّ مسؤول حكومي لطمأنة الناس، كما أن التحرك لمعالجة المشكلة جاء متأخراً، وبعد مطالبات شعبية واسعة وتحول المشكلة إلى قضية رأي عام على مواقع التواصل الاجتماعي"، وتابع: "في هذه الفترة لجأنا إلى شراء مياه الشرب واستخدامها لأغراض الطهي، وهو ما شكّل عبئاً مالياً كبيراً علينا".
استنفار حكومي
مع انتشار أزمة المياه على نطاق ثلاث محافظات في آن واحد، استنفرت وزارتا الموارد المائية والصحة لمتابعة القضية، مع تشكيل فرق مختلفة لجمع العينات وتحليلها والتأكد من سلامتها للاستهلاك البشري.
مديرية ماء محافظة النجف أكدت رصد حالات تلوّث طرأت على مياه نهر الفرات تسبّبت بانحرافات في المسارات المعتمدة في عمليّتَي التصفية والتعقيم، ضمن المشاريع والمجمعات الضغطية، ما تسبب بظهور طحالب عشبية خيطية ومواد عضوية أخرى في المياه.
ورجّحت المديرية ظهور هذه الشوائب بسبب إطلاقات المياه الرديئة جدّاً والآسنة من المخزون الوطني القديم، وكذلك تأثر اللون ورائحة المياه، ولذلك قامت المديرية بمضاعفة كميات مواد التعقيم المستخدمة، والتي تساهم بمعالجة جزئية للظاهرة.
بدورها أوضحت دائرة صحة بابل أنها شكّلت فرق ميدانية لجمع نماذج الماء من أغلب مجمعات ومشاريع المياه، وتم إرسال العيّنات إلى مختبر الصحة العامة لغرض إجراءات الفحوصات الكيميائية والبكتريولوجية والتأكد من سلامتها للاستهلاك البشري.
من جهتها، أكدت دائرة صحة محافظة كربلاء أنّ الفرق الصحية تقوم بعمليات فحص في معظم مناطق المحافظة عبر لجان التعزيز الصحي في الدائرة، فقد جرى فحص المياه من مصدرها الرئيسي، ولم تؤكد الفحوصات تلوّث المياه.
وأكدت دائرة صحة كربلاء أن اللون والرائحة التي لاحظها المواطنون في المياه تعود إلى وجود طحالب خضراء ناجمة عن استخدام الخزين المائي الميت في بعض السدود، وأشارت إلى أن جميع المياه المنتجة تخضع للفحوصات المختبرية اليومية وعلى مدار الساعة، وأن أي مؤشر غير مطابق يتم التعامل معه فوراً وبإجراءات سريعة تضمن سلامة المياه وجودتها.
من جانبه، أكد مدير مختبر الصحة العامة في وزارة الصحة العراقية، سامر رحيم الحسيني، أن نتيجة فحص المياه لمنطقة مجاورة لمحافظة بابل، والتي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهرت وجود نوعٍ من البكتيريا، هي نتيجة لا تدعو للقلق".
وبيّن أنّ "بكتيريا الزائفة الزنجارية موجودة أصلاً في الطبيعة، أيّ في التربة والمياه السطحية وحتى أحياناً في أنابيب المياه القديمة، وأنّ معظم سلالاتها غير ممرضة للإنسان السليم، ولا تسبّب مشكلة إلا إذا كانت بأعداد كبيرة جدّاً أو عند الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة كمرضى السرطان ومرضى العناية المركزة ومن خضع لزراعة الأعضاء.
وكشف الحسيني أنّ الركود أو الترسّبات في الشبكات أو الخزانات كلّها عوامل قد تؤدّي إلى ظهور هذه البكتيريا، وهذه النتيجة غالباً مرتبطة بالتوزيع والخزانات أكثر ممّا هي مرتبطة بالمصدر الأساسي للمياه، مؤكداً في الوقت نفسه أن المياه تخضع يومياً لفحوص كيميائية وبيولوجية في كل المحطات، وأن النتائج بأكملها لا تزال لغاية الآن ضمن الحدود العراقية والعالمية.
إشاعات تغزو مواقع التواصل
"مياه الشرب المعبأة غير صالحة للاستهلاك البشري"، هي واحدة من عشرات الإشاعات التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي داخل العراق خلال الساعات الماضية، تزامناً مع تفاقم أزمة تلوث مياه الإسالة في المنازل.
يقول إبراهيم حيدر من سكان مدينة كربلاء للميادين نت: "لساعات عديدة بقيت مواقع التواصل الاجتماعي هي المصدر الوحيد للمعلومات، مما أدى إلى حدوث حالة من القلق بين الأهالي، خاصّة مع تداول عدد كبير من الإشاعات على نطاق واسع، فالبعض قال إن مياه الإسالة لم تعد صالحة للاستحمام وتؤدي إلى تساقط الشعر، كما قال آخرون إن المياه تسبب أمراضاً خطيرة على الجلد والوجه".
ويضيف حيدر: "في هذه الأثناء بقي الأهالي في حيرة من أمرهم، فمياه الإسالة تغيّر لونها وتصدر رائحة كريهة، ومن جانب آخر فالإشاعات المنتشرة طالت حتى مياه الشرب المعبأة، في حين كانت المصادر الحكومية تنفي تلوث المياه أصلاً، وكل ذلك ساهم في زيادة التوتر بين الأهالي، وعدم التعامل مع مياه الإسالة إلا في حالة الضرورة القصوى".
جذور الأزمة أعمق
ويعد تلوث المياه على رأس الأزمات البيئية التي يواجهها العراق منذ سنوات، كون هذا الملف يحمل تداعيات خطيرة على الزراعة والصحة العامة وسلامة التربة.
وترجع أسباب تصاعد التلوث الى ما حمله التغير المناخي من تراجع في الهطولات المطرية وارتفاع بدرجات الحرارة وتصاعد في العواصف الغبارية، بينما تتمثل الأسباب الأخرى في السياسات المائية لدول الجوار، حيث شهدت الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات النابعين من تركيا تراجعاً بنسبة 80% في العام الأخير.
ويقود العراق جهوداً دبلوماسية جديدة مع الجانب التركي، بهدف زيادة كميات المياه المطلقة عبر نهري دجلة والفرات، خاصّة مع التأكيد الحكومي أن المخزون الاستراتيجي للمياه في البحيرات وصل إلى حدّه الأدنى منذ ثلاثينيات القرن الماضي، فيما حذّر متخصّصون من كوارث بيئية وإنسانية في المستقبل القريب، من جرّاء هذا التراجع في المخزون المائي.
إن الواقع الحالي في العراق يفرض على الحكومة ضرورة التحرك سريعاً لمعالجة أزمة الإطلاق المائي لنهري دجلة والفرات من الداخل التركي، بهدف زيادة حصة بغداد من النهرين وفقاً للاتفاقيات والقوانين الدولية المعمول بها، كما أن الأزمة الحالية تحتم وجود مشاريع وخطط محلية لإنهاء مشاكل تلوث المياه المتكررة في المحافظات العراقية.