أهالي الساحل السوري في حميميم.. حمايةٌ مؤقتة وخوف من مصير مجهول
يوفر العسكريون الروس للنازحين من بلدات الساحل السوري الخيام والطعام والماء عبر مطبخ ميداني، كما يقدمون لهم خدمات طبية، لكن الوضع الإنساني هناك لا يزال صعباً، كون القاعدة غير مهيأة لإقامة مثل هذا العدد الكبير.
-
أهالي الساحل السوري في حميميم.. حمايةٌ مؤقتة وخوف من مصير مجهول
فاقت الحصيلة غير النهائية للمجازر الوحشية التي ارتكبتها فصائل مسلحة بحق المدنيين في الساحل السوري 1300 ضحية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، في الوقت الذي لا تزال فيه الكثير من الجثامين في العراء، والمئات من الناس هائمين على وجوههم في البراري والجبال. بينما اختار أكثر من 8000 شخص اللجوء إلى قاعدة حميميم الروسية في جبلة، للحصول على الأمان المؤقت بانتظار المصير المجهول.
يوفر العسكريون الروس للناس الخيام والطعام والماء عبر مطبخ ميداني، كما يقدمون لهم خدمات طبية، لكن الوضع الإنساني هناك لا يزال صعباً، كون القاعدة غير مهيأة لإقامة مثل هذا العدد الكبير.
يخرج هؤلاء المواطنون يومياً في تظاهرات حاشدة ترفع شعارات مثل "بدنا وحدة وطنية"، و"بدنا حماية دولية". أحد المشاركين، المحامي ربيع بركات، يقول للميادين نت: "أبلغ من العمر 39 عاماً، لكن نهاية الأسبوع الفائت كان أسوأ ما عشته على الإطلاق، لقد خرجت كالمجنون مع زوجتي حاملاً طفليّ الاثنين، هرباً من آلات القتل التي تعمل من دون رحمة".
وأضاف: "لم أكن أتخيل في حياتي، وأنا أجزم أن كل من هنا معي، المؤمنون بوحدة سوريا مثلي، أن نلجأ إلى الأجنبي هرباً ممن يعيش على سفك دماء المختلفين عنه في الدين والعقيدة، واليوم لا همّ للناس هنا سوى البقاء على قيد الحياة في حال وطئت أقدامهم خارج القاعدة".
يوافق أبو اسكندر على كلام رفيقه ربيع الذي تعرف إليه في رحلة النزوح، ويضيف: "لقد تم قتل أربعة شباب نعرفهم بعد خروجهم من هنا على مسؤوليتهم، برغم أن الروس أكدوا أنهم لا يستطيعون حماية من يخرج أو يسمحون له بالعودة".
في صالة الانتظار، اختارت زبيدة زاوية مريحة قليلاً كي تستطيع الاستلقاء برجلها الاصطناعية، لكنها لا تستطيع النوم لأنها لا تتمكن من نسيان ما عاشته من قتل ابنها أمام عينيها، وتشرح باكية: "قتلوا ابني وحيدي، أعزل، لم يحمل سلاحاً في حياته، يا ويلهم من الله، ذنبه أنه علوي، خيّروه بين الذبح أو القتل بالرصاص، وتركوني كي أكمل بقية عمري مكسورة مليئة بالحسرة".
من جهته، قال رئيس بلدية جبلة أمجد سلطان، يوم أمس، من أمام قاعدة حميميم للمواطنين السوريين داخلها: "جئنا اليوم مع وفد من اللاذقية لإبلاغكم بأن الوضع في الخارج بات آمناً الآن، لأن قوات الأمن باشرت الانتشار وتعزيز سيطرتها".
وتابع: "لقد نقلنا بعض الجرحى، وهم الآن في سيارات الإسعاف. كما سنعمل على إجلاء العائلات الواحدة تلو الأخرى، وسيتم توفير الاحتياجات الأساسية والحماية لكم".
"إلى أين سنعود؟! لم يتركوا بيتاً أو شجراً إلا حرقوه"، تقول رنيم المهندسة في محطة نبع السن للميادين نت، وتتابع: "منذ سقوط النظام، كانت سياسة الإقصاء التي انتهجوها ضدنا واضحةً، فصلونا من وظائفنا من دون وجه حق، طردوا الأسر من بيوت الدولة، والآن سمحوا بإبادتنا، وأنا لا أكذب بحرف فهم من يصرّح بذلك، إنهم يستخفون بنا لدرجة أنهم أرسلوا لنا شخصاً كي يقنعنا بالعودة، وهو نفسه الذي ظهر سابقاً في فيديو يوصي بعدم التصوير أثناء ارتكاب الانتهاكات وقتل الناس، قائلاً: اعمل اللي بدك ياه بس لا تصور".
"لسنا فلول نظام"، يقولها أبو محمد بغضب شديد رافضاً ما تقوم به بعض وسائل الإعلام بإطلاق هذه الصفة على كل من هو موجود حالياً في قاعدة حميميم، ويقول: "نحن أناس بسيطون، أبناء ريف، نعمل في الزراعة، كنا نريد العيش بسلام وأمان وأن نتمكن من إطعام أولادنا فقط، أما اليوم فنحن كلنا مرضى عصبيون، منهارون، مكسورون مما كنا ضحاياه وشهدنا عليه، نحن لسنا ضد المحاسبة، من أجرم فليلاحقوه ويحاسبوه، لكن ما جرى كان جريمة كبرى، مشكلتنا ليست مع إخواننا من الطائفة السنية، فهم إخوتنا وأصهرتنا، مشكلتنا مع هؤلاء المسلحين الأجانب الذين استباحوا قرانا".
واعترفت الرئاسة السورية بحدوث انتهاكات ووجهت بتشكيل لجنة تحقيق "للكشف عن الأسباب والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات بحق المدنيين وتحديد المسؤولين عنها".
وأوضح الناطق باسم اللجنة، ياسر فرحان، في مؤتمر صحافي، أن اللجنة مستقلة وحيادية وباشرت اجتماعها بلقاء مع الرئيس أحمد الشرع، وستقدم تقريرها للرئاسة والقضاء خلال 30 يوماً.
وتابع فرحان: "سيتم فحص مقاطع الفيديو وستزور اللجنة المواقع على الأرض حيث يجري الآن العمل على جمع الأدلة وتحديد الشهود والمواقع التي يجب زيارتها، وستقدم إحاطة في كل أسبوع تقريباً للإعلام".
كما أكد أنه "سيتم الإعلان عما قريب عن كيفية التواصل مع اللجنة، مع التزامها بألا يفلت أي من الجناة من العقاب".