أهالي القرى الحدودية جنوبي لبنان يرفعون الصوت: لا أمان ولا دعم
يعيش سكان القرى الحدودية الجنوبية معاناةً مزدوجة بين الخطر الإسرائيلي والغياب الرسمي، فيما تُحاصر محاولات الإغاثة والإعمار بقرارات مالية تقطع شرايين الدعم.
-
أهالي القرى الحدودية جنوبي لبنان يرفعون الصوت: لا أمان ولا دعم
بين محاولات الاحتلال الإسرائيلي المستمرّة لعرقلة عملية إعادة الإعمار وإنعاش مقوّمات الحياة في القرى الحدودية الجنوبية، وبين أزمات معيشية وخدماتية تتفاقم مع مرور الوقت في ظلّ غيابٍ شبه تامّ لدور الدولة، يرفع أهالي هذه القرى صوتهم مطالبين بتأمين مقوّمات الحياة الأساسية وتوفير الحماية لهم في وجه المخاطر المحدقة.
معاناةٌ مزدوجة يعيشها الجنوبي يومياً، بين واجب الصمود والتمسّك بالأرض من جهة، وضرورة مواجهة واقعٍ مثقل بالتحدّيات من جهة أخرى.
حياة الجنوبي في كنف المخاطر
في سهل الخيام، يواصل المزارع حسين أبو سمرا، إلى جانب عدد من أبناء بلدته، زراعة الخضار كمصدرٍ أساسي لدخل عائلاتهم. العدوان الإسرائيلي دمّر معداتهم ومحاصيلهم الزراعية، وتجاوزت خسائر أبو سمرا وحده 200 ألف دولار، إضافة إلى جرف نحو 50 دونماً من أراضيه.
وبرغم كل ذلك، أصرّ على العودة إلى السهل بعد ثلاث سنوات من الغياب، وزرع 70 دونماً فقط من أصل 300 كان يملكها سابقاً.
لكنّ العمل الزراعي في هذه المناطق لا يخلو من المخاطر: الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، إقفال الطرق نحو المواسم، القصف المدفعي داخل الأحياء، وارتفاع أسعار المواد الزراعية والمحروقات، فضلاً عن غياب اليد العاملة وتقاعس المؤسسات الرسمية والجمعيات عن الوفاء بوعودها.
في بلدة عيتا الشعب، يمتلك أبو علي عواضة دكّاناً صغيراً افتتحه بعد الحرب، يؤمّن بالكاد احتياجات عائلته اليومية. يقول إنّ قلة السكان ليست المشكلة الكبرى، بل الواقع الأمني الصعب، إذ يعيش الأهالي تحت تهديد الاستهدافات المتكرّرة للمرافق الحيوية، والخوف الدائم من توغّل جنود الاحتلال داخل الأحياء كما حدث مؤخراً.
ومع تفاقم غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف التعليم والطبابة واقتراب فصل الشتاء من دون وقود للتدفئة، يواجه الجنوبيون تحدياً وجودياً في ظلّ غياب شبه تامّ لدور الدولة والجمعيات، باستثناء جمعية واحدة توزّع وجبات غذائية يومية، ومساعدة رمزية من قوات اليونيفيل التي قدّمت ثياباً للأطفال ويوماً طبياً مجانياً للأهالي.
الدعم محظور بكل أشكاله
أمام هذا الواقع القاسي، برزت مبادرات فردية وجماعية لدعم أبناء القرى، غير أنّها اصطدمت بالقيود المالية. فقد أغلقت شركة "Wish Money" حسابات جمعيات وأفراد - بينهم جمعية "وتعاونوا" والمواطن حسين صالح - كانوا ينظّمون حملات تبرّع لترميم منازل الأهالي، استناداً إلى التعميم رقم 170 الصادر عن مصرف لبنان. واعتبرت الجمعية أن هذه الإجراءات تهدف إلى تعطيل جهود الإعمار واستهداف الناشطين العاملين في الإغاثة.
في ظلّ الغياب الرسمي عن دعم أبناء القرى الحدودية، وُلد "تجمّع أبناء القرى الحدودية الجنوبية" كتحرّكٍ إنسانيٍّ حياديّ هدفه رفع صوت الجنوبيين المنسيين.
يقول المهندس ومنسّق التجمّع طارق مزرعاني للميادين نت إنّ المطالب الأساسية للتجمّع تتمحور حول إعادة الإعمار ودعم البنى التحتية وتأمين مقوّمات العيش الكريم إلى حين استكمال العملية، وتشمل السكن وبدل الإيجار والاستشفاء والتعليم، سواء للعائدين إلى قراهم أو للنازحين.
ومن بين المطالب الأخرى:
- إقامة مؤتمر وطني لدعم صمود القرى الحدودية.
- بطاقة "عائد" (اختصار: عودة، أمان، إعمار، دعم) تمنح المستفيدين خدمات التعليم والاستشفاء ودخلاً شهرياً بقيمة 300 دولار.
- إنشاء صندوق دعم يُموَّل من الضرائب والمنح والهبات وميزانية الدولة.
- السماح لأهالي الشريط الحدودي بسحب ودائعهم لتخفيف معاناتهم.
- تعويض المزارعين وأصحاب المصالح المتضررين.
مستمرّون برغم التهديدات والتحديات
لم تتأخر التهديدات الإسرائيلية، إذ تلقّى مزرعاني نفسه تهديدات مباشرة، ما يراه دليلاً على انزعاج الاحتلال من هذا التحرّك الشعبي الداعي إلى العودة والصمود، في مواجهة مخطط تهجير المنطقة.
وذلك بعد أن ذاعت المسيّرات الإسرائيلية عبر مكبّرات الصوت قبل مدّة نداءاتٍ تحريضية ضدّ مزرعاني بالاسم، وتطالب الأهالي بطرده من البلدة.
ويؤكّد أن القوى السياسية الداخلية لم تُدرك أهمية الحراك كما أدركها الاحتلال، مشيراً إلى حالة الإحباط المتزايدة لدى الأهالي من غياب أي تجاوب رسمي فعلي.
برغم محاولات تسييس التجمع والتشكيك في نواياه، يصرّ القائمون عليه على الطابع الإنساني البحت لحركتهم، مؤكدين أن كرامة الإنسان الجنوبي فوق أي اعتبار، وأنّ القرى التي كانت يوماً عامرة بأهلها ومغتربيها وزراعاتها تستحقّ أن تعود حيّة كما كانت.
ويختم مزرعاني بالتأكيد أنّ التحرك مستمرّ برغم كلّ التحديات، مع الدعوة إلى تأمين الحماية لأعضائه عبر الهيئات الدولية والدبلوماسية، مشيراً إلى أنّ بوادر تجاوب رسمي بدأت تظهر مؤخراً بعد الاعتداء على منطقة المصيلح، آملاً أن تُعمّم على سائر القرى الجنوبية.