التنقيب عن الآثار السورية.. مهنة محفوفة بمخاطر النهب والتهريب

يتواصل النهب المنظم للآثار السورية في ظل غياب الرقابة، حيث تحوّلت مواقعها إلى مسارح مفتوحة للتنقيب غير الشرعي. شبكات تهريب تمتد إلى دول الجوار والأسواق الدولية، فيما تكافح الجهات الرسمية للحفاظ على ما تبقى من هوية البلاد الحضارية.

0:00
  • التنقيب عن الآثار السورية.. مهنة محفوفة بمخاطر النهب والتهريب
    التنقيب عن الآثار السورية.. مهنة محفوفة بمخاطر النهب والتهريب

تُعدّ سوريا موطناً لأقدم الحضارات في العالم. تعرضت آثارها خلال سنوات الحرب للنهب والتدمير، وكانت المديرية العامة للآثار والمتاحف في حكومة النظام السوري السابق، قد أحصت قرابة مليون قطعة أثرية سُرقت من البلاد، كما أكدت، تعرض نحو 710 مواقع أثرية لأضرار تراوحت بين ضرر جزئي أو اندثار وتهدم كامل.

وبحسب شهادة أحد حراس متحف دمشق الوطني الذي لم يغادر موقعه ليلة سقوط النظام السابق، فإن ملثمين حاولوا سرقة المتحف لكن قيامه وزملاءه بإغلاق الأبواب الحديدية الكبيرة، وإطلاق النيران في الهواء، أجبرهم على التراجع.

أما بالنسبة إلى متحف جزيرة أرواد التابعة لمحافظة طرطوس، فقد تعرض أثناء الفوضى الأمنية لعملية سرقة 38 قطعة أثرية. ونتيجة لذلك، بدأت المواقع الأثرية في المحافظات السورية مؤخراً، تتحول إلى مسارح مفتوحة لمجموعات المنقبين غير الشرعية من دون حسيب أو رقيب.

التهريب عابر للحدود

ووفقاً لتقارير عالمية، فإن تهريب الآثار المنهوبة يتم عبر الحدود السوريّة إلى تركيا ولبنان والأردن، ومن ثم إلى أوروبا وآسيا، وتم ضبط العديد من القطع الأثرية السورية في مطارات إسطنبول وبيروت وعمّان.

القانون السوري يعد التنقيب غير القانوني عن الآثار جريمة يعاقب عليها بالسجن والغرامات المالية، إذ تنص المادة 741 من قانون العقوبات على أن "كل من قام بالتنقيب عن الآثار من دون ترخيص يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية".

يعمل أبو عمر نهاراً في طلاء المنازل، أما في المساء فيمتهن الحفر والتنقيب، على طول خط أرياف حلب- إدلب التي يخبرها جيداً. "كالسير في حقل من الألغام"، هكذا يصف الرجل الأربعيني رحلات مجموعته ذائعة الصيت، لأن "المناطق مليئة بالفصائل المختلفة، وكل منها له قطاع معين يسيطر عليه ونسبة محددة يجب أن يأخذها من كل لقية أو اكتشاف".

أما عن سير العمل فيقول: "مناطقنا غنية جداً، لكن الوضع يصير أصعب يوماً بعد يوم بسبب الخلافات وكثرة الوسطاء والسماسرة، الذين يتولون مهمة تهريب اللقى والقطع الأثرية إلى تركيا، هذا الأمر قلل أرباحنا، أما محلياً فيبقى لنا الذهب الذي نذوّبه ونبيعه للتجار المحليين بسعر يعدّ عادياً مقارنة بأسعار الخارج".

التنقيب صار مهنة للفقراء

يعيش أحمد في إحدى قرى ريف طرطوس التي عاد إليها بعد أن تم طرده من وظيفته الحكومية في مديرية الزراعة بدمشق بحجة أنه "فائض"، وجد أبو ربيع نفسه عاطلاً من العمل مع ثلاثة أولاد في الجامعة وزوجة تم صرفها من العمل أيضاً، وفي الوقت الذي كان يفكر فيه بكيفية العثور على مصدر رزق جديد، جاءه جاره بعرضٍ "يأتي كل مئة سنة مرة"، بحسب تعبيره.

ويقول الرجل الخمسيني للميادين نت: "لدي بنية قوية نوعاً ما، لذلك طلب مني أبو محمد أن أخرج معه ورفاقه الأربعة في جولاتهم الليلية للحفر بحثاً عن اللقى الأثرية المتنوعة، في البداية شعرت بالصدمة والتردد في آن معاً، لكنني حسمت قراري".

يلعب الحظ دوراً كبيراً في هذا العمل، إذ من الممكن أن تمرّ أسابيع من دون العثور على شيء، ويمكن أن تعثر المجموعة في طلعة واحدة على مجموعة من الكنوز أو المعادن التي تعود إلى حقب مختلفة، لكن هذا الأمر لا يعني أبو ربيع بقدر ما يعنيه الحصول على حصته ويشرح: "لقد علمت أنه لكل قطعة قيمتها وسعرها تبعاً  لعوامل عدة، منها التاريخ، والعصر، والنقوش ،وبالطبع سعر العملات أقل من سعر الذهب والزجاج، الأمر متروك لتقييم التجار الكبار، ونحن نتعامل في هذا الأمر مع أشخاص لبنانيين على الحدود".

"جهاز بـ3500 دولار... وشيخ لفك السحر"

جميل طالب في جامعة حمص، توقف عن متابعة دراسته لأجل السعي وراء تحقيق حلم "الثراء السريع"، بعد أن انتشرت قصص للعديد من الأشخاص الذين استطاعوا بيع كنوز أثرية، عثروا عليها في مناطق شمال شرقي حمص بالقرب من مسقط رأسه.

"الأمر لا يتطلب سوى جهاز يكلف شراؤه نحو3500 دولار وهو موجود للبيع بكل سهولة على مجموعات الفيسبوك"، بهذه العبارة يبدأ الشاب العشريني حديثه للميادين نت، ويتابع: "قد يبدو الأمر ضرباً من الجنون، لكننا نستعين بعض الأحيان برجل دين لفك أسحار يقال إنها مرتبطة بالمواقع القديمة، فالأمر يستحق هذه المخاطرة، في آخر صفقة كانت حصيلتنا نحو 16 ألف دولار".

تعرّض جميل لعمليات احتيال عديدة، وخيبات أمل كبيرة، بعد الحفر في عشرات المواقع من دون نتيجة، لكنه وجد ضالته أخيراً،ولا يشعر بالأسف أبداً مبرراً ذلك بالقول: "هذه البلاد سرقت من عمرنا وسعادتنا الكثير، ولا أعتقد أن أجدادنا صانعي هذه الحضارات سيمانعون في منحنا القليل من المال والسعادة!".

تحذيرات رسمية من تخريب الهوية

أنس حاج زيدان، المدير العام الجديد للآثار والمتاحف في سوريا، قال إن: "عمليات التنقيب لم تتوقف حتى الآن، وما زالت مستمرة، مع محدوديتها في بعض القرى النائية والبعيدة عن مراكز المدن، خاصة في تدمر وبصرة، وهما مدينتان أثريتان يعود تاريخهما لآلاف السنين، إضافة إلى بعض المدن الأخرى كدرعا وريف حماة".

وأرجع حاج زيدان عمليات التنقيب التي تتم بسرية وبطريقة غير منتظمة ولا منهجية إلى: "الفقر والجوع اللذين يعاني منهما الناس، إضافة إلى حاجتهم لإيجاد مصادر أموال، خاصة في درعا، لوجود الآثار والذهب بالقرب من سطح الأرض".

ولم يُخف حاج زيدان مدى شعوره بالأسف نتيجة التأثيرات الكبيرة الناجمة عن عمليات التنقيب المخالفة التي تحدث الآن في بعض المناطق السورية، مشيراً إلى أن "التنقيب غير المهني وغير العلمي، يتسبب بتخريب الآثار وتدميرها وإضاعة هويتها وتهديد الإرث الحضاري العريق الذي تتميز به سوريا، إضافة إلى تخريب الأراضي وإحداث أضرار بالغة فيها".

وتولي المديرية الآن الأهمية لاستعادة كل ما تمت سرقته من المتاحف والمعاهد التراثية والأثرية بحسب ما ورد من سجلات قبل سقوط النظام وبعده، ولحصر وتوثيق الأضرار الناجمة عن سرقة الآثار وعمليات التنقيب عنها وعن الذهب، وإحالة من يرتكب هذه الجرائم إلى السلطات المختصة لمحاسبته ومحاكمته، ومصادرة الأجهزة والمعدات التي يستخدمها المنقبون في البحث والتنقيب، خصوصاً تلك التي يتم بيعها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

اخترنا لك