بلديات غزة تستغيث: شلل الخدمات وغياب المعدات يفاقمان معاناة السكان
يشهد قطاع غزة انهياراً شبه كامل في الخدمات البلدية بعد العدوان الأخير الذي دمّر أكثر من 85% من آليات البلديات وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، مخلّفاً أزمة إنسانية خانقة. وبرغم شحّ الإمكانات، تواصل الطواقم المحلية العمل في ظروف قاسية.
-
بلديات غزة تستغيث: شلل الخدمات وغياب المعدات يفاقمان معاناة السكان
يشهد قطاع غزة دماراً هائلاً في القطاعات الخدميّة والبلديّة نتيجة استهداف المنشآت ومقرّات البلديّات خلال العدوان الأخير، ما أسفر عن استشهاد أربعة رؤساء بلديات وتدمير الآليات والمركبات، إضافةً إلى أضرار جسيمة في شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، ما عرّض السكان لأزمات إنسانية غير مسبوقة.
بعد توقف العدوان، تواجه البلديات أزمة حقيقية بسبب نقص المعدات والإمكانات الأساسية، وسط حاجة ماسة لإعادة فتح الشوارع وإزالة الأنقاض واستعادة الخدمات الأساسية، لتمكين المواطنين من العودة إلى حياتهم اليومية بأمان.
وعلى مدى العامين الماضيين، أدّت عمليّات القصف إلى تدمير معظم معدات وآليات البلديات، ما صعّب إدارة الأزمات وجعل الخدمات الأساسية شبه متوقفة. وبرغم الإمكانات المحدودة، تكافح الطواقم البلدية لتأمين المياه وجمع النفايات وفتح الطرق، بينما يظلّ توفير الاحتياجات العاجلة مفتاحاً لتخفيف معاناة السكّان.
في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، يروي المواطن محمود عدوان معاناته بعد العدوان، قائلاً: "بعد وقف إطلاق النار، توجّهت إلى منزلي المدمّر بالكامل، فصُدمت من حجم الدمار، حيث الشوارع مليئة بالركام والسواتر الترابية، والمكان أشبه بممرّات محاصرة بالأنقاض والمنازل المكوّمة فوق بعضها البعض، ولم تعد هناك طرق سالكة أو علامات واضحة على معالم الحي، وكل شيء يبدو وكأنه زلزالاً هائلاً".
ويضيف عدوان للميادين نت: "الدمار شمل البنية التحتية بالكامل، مع تدمير معظم آبار المياه وشبكات الصرف الصحي وحفر الشوارع، ما جعل الحياة هنا متوقّفة بلا مياه صالحة أو خدمات أساسية، والبقاء في الحي أصبح تحدياً يومياً".
ويؤكد أنّ "البلديات تبذل جهوداً كبيرة لفتح الطرق وإزالة الأنقاض المتراكمة في الحي، لكن الإمكانات المتاحة محدودة جداً مقارنة بحجم الدمار، فالأجهزة والمعدات قليلة، والكوادر البشرية تعمل تحت ضغط هائل"، مطالباً بسرعة وصول المعدّات لتمكين البلديات من استعادة الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء وتنظيف الشوارع وإعادة الأمور إلى نصابها تدريجياً.
أمّا المواطن مجدي الشلفوح فيصف الواقع في حي النصر وسط المدينة بأنه "مأساوي"، مشيراً إلى أنّ "البيوت مهدّمة ومفرغة، ما يهدد حياة السكان بخطر الانهيار في أي لحظة، والطرقات مغلقة بأطنان من الركام الناتج عن تدمير المنازل والمنشآت الحيوية".
ويؤكد الشلفوح في حديثه إلى الميادين نت أنّ "المواصلات شبه مستحيلة، وشبكات المياه والصرف الصحّي مدمّرة، والنفايات متراكمة، ما يزيد من مخاطر انتشار الأمراض ويهدد صحة الأسر"، مضيفاً: "لا أرغب في العودة إلى منزلي حالياً قبل أن تتمكن البلديات من تنظيف الحي وإعادة الحياة إليه، إذ يشكل الوضع الحالي خطراً على حياتنا".
ويرى الشلفوح أنّ "البلديات تبذل جهوداً كبيرة برغم الإمكانيّات المحدودة، فهي تعمل على فتح الشوارع وتأمين المياه وجمع النفايات، لكن حجم الدمار يفوق قدرتها خصوصاً بعد تدمير معدّاتها"، مشدداً على الحاجة العاجلة لتوفير المعدّات الثقيلة والوقود لتمكين السكان من العودة تدريجياً إلى حياة شبه طبيعية واستعادة الخدمات الأساسية.
مؤخراً، أطلقت بلدية غزة حملة لإعادة فتح الشوارع وإزالة الركام، بالتعاون مع شركاء، بهدف تمكين السكان من العودة إلى منازلهم، واستعادة الخدمات الأساسية، وتخفيف معاناتهم.
وفي هذا السياق، يؤكد رئيس بلدية غزة، يحيى السراج، أنّ جميع بلديات القطاع بدأت منذ توقف إطلاق النار حملة واسعة لفتح الشوارع والطرقات، بهدف تسهيل عودة النازحين وإحياء ما تبقى من المدينة، برغم الدمار الكبير واستخدام الاحتلال أسلحة جديدة، منها المدرعات المتفجرة.
ويوضح السراج للميادين نت أنّ العدوان دمّر أكثر من 85% من إمكانات البلديات من الآليات الثقيلة والشاحنات، واعتمدت البلدية على موارد محدودة، حيث تعمل اليوم بآلية ثقيلة واحدة لفتح الشوارع، بعد تدمير أكثر من 810 كيلومترات من شبكة الطرق ومقرات ومخازن البلديات.
ويشير إلى أنّ البلديات تعمل ضمن "مرحلة الطوارئ القصوى" مع التركيز على أربع أولويات عاجلة: تأمين المياه، جمع النفايات، معالجة الصرف الصحي، وفتح الطرق المغلقة، في ظل أزمة مياه حادة يحصل المواطنون فيها على أقل من 25% من حاجتهم اليومية، وتراكم النفايات الذي يهدد بانتشار الأمراض.
وبحسب السراج، تشمل المرحلة التالية من الإعمار توفير خيام ومساكن مؤقتة، إعادة تأهيل الأسواق وشبكات المياه والكهرباء، وإزالة الركام، مع الحاجة الماسّة لقطع غيار وآليات ومولدات كهرباء ووقود وإسمنت لدعم أعمال الإعمار، داعياً إلى فتح المعابر والمنافذ لإدخال الاحتياجات العاجلة، ضمن خطة ثلاثية المراحل تشمل الطوارئ، التعافي، ثم الإعمار.
من جهته، يؤكد رئيس بلدية خان يونس، علاء الدين البطة، أنّ 85% من المحافظة دُمّرت خلال العدوان الذي دام عامين، ما خلف نحو 400 ألف طن من الركام بحاجة للإزالة، موضحاً أنّ 300 كيلومتر من شبكات المياه و75% من شبكة الصرف الصحي تضررت، كما تضررت 206 آلاف متر طولي من الطرق و296 ألف متر طولي من شبكات المياه، فيما خرجت 36 بئراً وثلاثة خزانات مركزية عن الخدمة.
ويلفت البطة للميادين نت إلى تراكم أكثر من 350 ألف طن من النفايات في المكبات المؤقتة، مع حاجة ماسّة لوقود الديزل ومولدات كهرباء بديلة، مؤكّداً أنّ 9 فرق ميدانية تعمل على فتح الشوارع لكنها تحتاج لآليات ومعدات ضخمة.
ويطالب البطة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لتقديم الدعم العاجل في قطاعات المياه والصرف الصحي والنظافة، لتمكين البلديات من تقديم الخدمات الأساسية ومنع تفاقم الأزمة الإنسانية.
من جانبه، يوضح مدير بلدية دير البلح وسط القطاع، طارق شاهين، أنّ نحو مليوني طن من الركام بحاجة إلى الإزالة لفتح الطرق والشوارع الرئيسة، وهو أمر شبه مستحيل حالياً بسبب رفض الاحتلال إدخال المعدات والآليات الثقيلة.
ويؤكد شاهين في حديثه إلى الميادين نت أنّ مئات الشاحنات مطلوبة لتسريع نقل الركام خارج حدود القطاع، مشيراً إلى وجود مئات الأجسام المشبوهة المنتشرة في المنازل والشوارع، والتي تشكل خطراً على المواطنين ولا يمكن التعامل معها لغياب الإمكانات لدى الجهات المختصة.
في الإطار ذاته، يوضح رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا، أنّ العدوان على غزة خلّف نحو 55 مليون طن من الركام والحطام، ما عرقل عمليات الإغاثة والإيواء العاجل، كما طال الدمار أكثر من 90% من المنازل و85% من مدينة غزة وبلدات شمال القطاع وشرق خان يونس، ما أدى إلى نزوح نحو 1.5 مليون فلسطيني وافتقارهم لمناطق صالحة للإيواء.
ويشير الشوا للميادين نت إلى أنّ تراكم الركام والنفايات، الذي يبلغ أكثر من 800 ألف طن، يعيق وصول المساعدات ويزيد من مخاطر الأوبئة، فيما دُمّرت شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، مع حاجة عاجلة لمحطّات تحلية ومولدات وألواح شمسية وصهاريج مياه لتأمين المرافق الحيوية.
ويبيّن أنّ إعادة إعمار القطاع تتطلّب بناء المنازل والبنية التحتية والمرافق الحيوية، مع توفير مواد الإيواء والنظافة، وإعادة النشاط الاقتصادي والاجتماعي، بتقديرات كلفة بين 70 و90 مليار دولار، الأمر الذي سيستغرق سنوات وجهوداً دولية لضمان دخول المعدات والمواد بدون عراقيل.
وأحصى الدفاع المدني في غزة نحو 9,500 مفقود منذ بدء الحرب، وسط صعوبة الوصول إليهم بسبب الدمار الهائل وانقطاع الخدمات الأساسية، وفق الناطق باسم الدفاع المدني، محمود بصل.
ويقول بصل للميادين نت إنّ الفرق تعمل على مدار الساعة للبحث والإنقاذ وانتشال جثث الشهداء، وتمكنت حتى الآن من انتشال أكثر من 150 جثماناً، ومع ذلك يعيق نقص المعدات الثقيلة والرافعات جهودهم بشكل كبير، مؤكّداً أنّ إعادة الحياة إلى المناطق المتضررة تتطلب جهوداً ضخمة.
ويشير بصل إلى عودة نحو نصف مليون نازح إلى مناطق شمال غزة منذ وقف إطلاق النار، داعياً المجتمع الدولي والدول والمنظمات الداعمة إلى الاستمرار في دعم جهود الإعمار، ورفع الأنقاض، وإعادة الخدمات الأساسيّة للسكان.
وتجدر الإشارة إلى أنّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قدّر تكلفة إعادة إعمار غزة بعد الحرب بحوالى 70 مليار دولار، مع أولويّة عاجلة لإزالة الركام وتأمين المأوى وسط أزمة إنسانية واسعة.