رمضان جنوبيّ لبنان: ترميم جزئي للبيوت وإفطار من محاصيل الزرع
ورشة كبيرة عاشتها عدد من قرى جنوب لبنان، خصوصاً البلدات الحدودية، وذلك من أجل ترميم البيوت بشكل جزئي واستصلاح المصالح مع حلول شهر رمضان المبارك.
-
رمضان جنوبيّ لبنان: ترميم جزئي للبيوت وإفطار من محاصيل الزرع
برغم الدمار الهائل المحيط بمنزلها القائم في بلدة الناقورة الجنوبية، لم تتخلّ نزهة ملحم عن نيّتها إعادة الحياة إلى منزلها وحيّها، إذ بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي منها بأيام قليلة، عادت العائلة وبدأت بإصلاح الأضرار الجسيمة في المنزل، وباشرت بتأمين مستلزماتها الغذائية من مدينة صور القريبة، بما فيها مونة شهر رمضان المبارك.
بتنهيدة جمعت فيها الحسرة باليقين، تمنّت السيدة الجنوبية أن يعود الأهالي سريعاً إلى بيوتهم، وأكدت أنّ الكثير من العائلات أصلحت بيوتها ولو جزئياً واستقرّت فيها لقضاء الشهر الفضيل على أرضها، مع الإشارة إلى إعادة فتح العديد من المحال والمصالح التجارية تدريجياً. هذا الواقع يصوّر نموذجاً حيّاً عمّا تشهده القرى الجنوبية الأمامية حالياً، وكيف يستقبل أهلها الشهر الفضيل بما ملكت أيديهم من مقوّمات، وأنفسهم من صبر وعزيمة.
بناء مقوّمات الحياة من العدم
في بلدتها المنصوري قضاء صور وبعد أن دمّر الاحتلال منزلها، استحدثت لارا مديحلي منزلاً مجهّزاً للسكن فيه، لتبقى في أرضها وإن كان بيتها ركاماً. تتحدّث لارا للميادين نت عن نمط الحياة الجديد في البلدة ولا سيما مع بدايات شهر رمضان المبارك، حيث عاد معظم سكانها إلى أرضهم، حتى ممن دُمّرت بيوتهم. واستعادت المحال التجارية نشاطها، واستُحدثت محال جديدة كالخضار والدجاج والمياه والدكاكين، خاصة مع وجود أعدادٍ من الأهالي النازحين من القرى الأمامية المجاورة المدمّرة كلياً.
طقوس تحضير مونة شهر رمضان عادت كما السابق، تجهّز مديحلي "الكبة والرقاقات" لأيام عديدة من الشهر الكريم، كواحدة من الأطباق الرئيسية الرمضانية التي اعتادت السيدات الجنوبيات على تحضيرها، تتبعها احتياجات التموين الأخرى التي باتت متاحة أيضاً وبوفرة في المحال التجارية للبلدة.
أما في بلدة الطيبة، وبرغم افتقادها للعديد من مقوّمات الحياة، إلا أنّ إرادة أهلها في العيش والنهوض مجدداً كانت أقوى من إجرام الاحتلال ووحشيّته. عادت زينب صالح إلى قريتها، استعانت بألواح الطاقة الشمسية لتأمين الكهرباء، وبالأمطار لتجميع مياه الاستخدام، وأمّنت المحروقات وغذاء العائلة من مدينة النبطية بدايةً.
بعد أيام بدأت الدكاكين تفتح أبوابها وعادت حركة الحياة مجدداً، قرّرت العائلة أن تموّن حاجياتها بشكل أسبوعي لشهر رمضان، وأن تزرع ما تيسّر من خضروات قرب المنزل. وتنقل صالح رغبة الكثير من صديقاتها بالعودة القريبة إلى القرية لاستكمال صوم شهر رمضان في ما تبقّى من منازلهم لأنّ "شهر رمضان في أرض الجنوب مختلف"، وفق تعبيرها.
بدوره، يمتلك عباس معاز ابن بلدة الطيبة ملحمة وتعاونية في البلدة، عاد بعد الحرب وقرّر افتتاحهما "مهما كلّف الأمر، ففَضْل العودة مَردّه دماء الشهداء والمجاهدين". تواصل معاز مع المورّدين لتأمين المواد الأولية لمصالحه، حيث باتت جاهزة مع بداية شهر رمضان.
يوضح معاز أنّ جهود الأهالي متضافرة في البلدة، وأعاد الكثير منهم تشغيل مصالحهم بفضل التعاون الجماعي ولا سيما من قبل البلدية، خاصة في ظل غياب تام لدور مؤسسات الدولة الأخرى، مؤكداً جاهزيته لتلبية احتياجات أبناء البلدة وتحقيق الاكتفاء لهم من المواد التي تشملها محاله التجارية، وتثبيتاً لموقفه بأن "أرضنا التي دفعنا من أجلها الدم، لن نصوم إلّا فيها".
"تجاوزنا الجراح وقرّرنا أن نعود"، اختزل ابن بلدة عيترون الجنوبية حسين السيد موقف أبناء بلدته، عادوا ليسكنوا في ما تبقّى من بيوتهم، وبعضهم لجأ إلى بيوت الأقارب والجيران. يشير صاحب "جاروشة عيترون الكبرى" إلى أن العديد من الدكاكين ومحال الخضار والأفران باتت تعود إلى العمل يوماً بعد يوم، ويعتمد أهالي البلدة في شهر رمضان على ما تيسّر من المواد الغذائية، حيث يزرعون ما يمكنهم أكله، ويلفت السيد إلى أنّ أجواء الشهر الفضيل "ستبقى عامرة في القرية، خاصة في مراسم صلاة الجماعة والجلسات الرمضانية التي تجمع الأهالي".
جهود أصحاب المصالح "الرمضانية"
ومع حلول شهر رمضان، كانت لأصحاب المصالح في بلدة الخيام جهود استثنائية فيها. يصف عباس تليجي للميادين نت كيف أعاد ترتيب أمور الفرن في زاوية محله المتضرّر منذ عودته، وكيف يعدّ ترتيبات خاصة للعمل لتلبية حاجات الصائمين في أيّ وقت خلال الشهر الفضيل.
ابن البلدة التي صنع شبابها الأساطير في المواجهات ضدّ الاحتلال، قدّم في هذه الحرب شهيدين من عائلته، معقّباً: "كرمى لدماء الشهداء، سنبقى ونستمر ونعيد الحياة إلى الخيام"، لافتاً إلى أنه في حال حصول أيّ نقص في المواد الأولية الخاصة في مصلحته خلال شهر الصيام، فسيسعى مباشرة لتأمينها من مدينة النبطية، وهمّه الأول والأهم "خدمة أهلي المجبولين بالخير في شهر الخير".
في بلدة الناقورة أيضاً تتّحد عزيمة الأهالي على تأمين مقوّمات الحياة، ويشكّل الشاب خليل حمزة نموذجاً لذلك. يمتلك خليل مطعماً للوجبات السريعة في البلدة، عمد الى صيانة الأضرار فيه وفتح أبوابه مجدداً برغم عدم توفّر اليد العاملة وقتها. لم يكن هاجس خليل مرتبطاً بالشق المادي بقدر سعيه إلى تشجيع الناس على العودة، وهو يصرّ على أنّ المطعم سيبقى فاتحاً أبوابه لو بقي فردٌ واحدٌ في البلدة خلال شهر رمضان المبارك.
ومع بدء استقرار العديد من العائلات في منازلهم أو في منازل جاهزة، أصبح لدى خليل حافز أكبر للاستمرار، وها هو يعلن اليوم عن استعداده لتلبية كلّ الطلبات الخاصة بالإفطارات طيلة الشهر الكريم، مؤكداً أنّ خطوته هذه شجّعت العديد من أصحاب المصالح الأخرى لفتح محالهم كالمقاهي والصيدليات والدكاكين وغيرها.