طلاب إيرانيون يتعهّدون باستكمال التطوّر العلمي بعد اغتيال علماء نوويين

لم ينظر الشعب الإيراني إلى العلماء النوويين الذين اغتالتهم "إسرائيل" كمجرّد باحثين في تخصص دقيق، بل كرموز وطنية علمية ومقاومة معرفية، تضع إيران في مصاف الدول التي تبني تقدّمها على أساس العلم والسيادة.

0:00
  • طلاب إيرانيون يتعهّدون باستكمال التطوّر العلمي بعد اغتيال علماء نوويين
    طلاب إيرانيون يتعهّدون باستكمال التطوّر العلمي بعد اغتيال علماء نوويين

في صبيحة يوم الجمعة، في الـ13 من حزيران/يونيو 2025، تلقّت إيران ضربة جديدة في مسارها العلمي السلمي، حين استهدفت غارات إسرائيلية مباني سكنية للأساتذة في طهران، واغتالت ستة من أبرز علمائها النوويين، من بينهم الدكتور محمد مهدی طهرانتشي، رئيس الجامعة الحرة، والدكتور فريدون عباسي، العالم الفيزيائي النووي البارز. أسماء جديدة انضمّت إلى سجل الشهداء العلميين الذين دفعوا حياتهم ثمناً لطموح علميّ أرادت له إيران أن يكون ركيزة في تنميتها الوطنية. 

الاغتيالات المتكرّرة لعلماء الذرة الإيرانيين لا يمكن قراءتها خارج السياق السياسي الذي لطالما خيّم على ملف الطاقة النووية في البلاد، لكنّ الردّ الإيراني الشعبي والرسمي كان مختلفاً هذه المرة. حيث لم يُنظر إلى هؤلاء العلماء كمجرّد باحثين في تخصص دقيق، بل كرموز وطنية علمية ومقاومة معرفية، تضع إيران في مصاف الدول التي تبني تقدّمها على أساس العلم والسيادة.

يُعدّ الدكتور طهرانتشي من روّاد تطوير البنية التحتية للبحث العلمي في إيران، ومن مؤسسي مراكز استراتيجية مثل "كلية التقنيات الحديثة" و"معهد الليزر" في جامعة الشهيد البهشتي. أما الدكتور عباسي، فهو من أبرز وجوه الفيزياء النووية التطبيقية، ويُعرف بتطويره لمجالات حيوية كالتسريع الذرّي، وتقنيات الفصل الإشعاعي. نجا من محاولة اغتيال سابقة عام 2010، لكنه واصل العمل حتى يوم استشهاده.

من خلال هذه الشخصيات، يظهر كيف تحوّل المشروع النووي في إيران من ملف سياسي حسّاس إلى قضية وطنية متكاملة، تتغلغل في التعليم والإعلام والمجتمع. كما يؤكّد هذا التحوّل التوجّه الإيراني نحو اعتبار العلم النووي السلمي حقاً تنموياً مشروعاً، لا مجرّد طموح جيوسياسي.

قائد الثورة والجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي، ربط مراراً بين التقدّم العلمي وبين الكرامة الوطنية، مؤكداً أنّ "العلم هو أساس التقدّم الشامل لأيّ بلد"، وأنّ "اليد العليا في العلوم والتقنيات هي سرّ في بناء الاقتصاد والسياسة والسيادة". وشدّد على أنّ "من لا يمتلك العلم، يعِشْ على تقنيات مستوردة لا تصنع له السيادة ولا الاستقلال".

من هذا المنطلق، تمضي إيران منذ عقود في بناء منظومتها النووية السلمية، برغم العقوبات والحصار والتخويف الدولي. وقد بدأت رحلتها النووية في خمسينيات القرن الماضي، لكنها اتخذت منحى وطنياً حقيقياً بعد الثورة الإسلامية عام 1979، عندما قرّرت أن تتولّى بنفسها تطوير بنيتها العلمية من دون الارتهان للشركات الغربية.

تضمّ البلاد اليوم أكثر من 26 جامعة تدرّس تخصصات الفيزياء والهندسة النووية، في طليعتها جامعة طهران وجامعة الشهيد البهشتي وجامعة شريف للتكنولوجيا وجامعة أمير كبير. ويقدّر عدد طلاب هذا المجال بالآلاف، إضافة إلى نحو 1100 طالب يدرسون في الخارج ضمن برامج مخصصة للعلوم النووية. كما تدير منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ثمانية مراكز أبحاث رئيسية، أهمّها مركز أصفهان الذي يضمّ أكثر من 3000 باحث.

لكنّ البرنامج النووي الإيراني ليس مجرّد أرقام وأسماء. هو حاضر في وجدان الشباب. تقول سارة للميادين نت وهي طالبة فيزياء نووية في جامعة طهران: "اخترت هذا التخصص لأنني أؤمن بأن الطاقة النووية يمكن أن تخدم الناس، وليس لأنها مرتبطة بالأسلحة. نريد أن نصنع قفزة كبيرة في الكهرباء، والطب، والزراعة". ويضيف زميلها حسين: "كل مرة يُستهدف فيها أحد علمائنا، نشعر أنّ الهجوم موجّه إلينا جميعاً. لكنّ هذا يزيدنا إصراراً على مواصلة الطريق".

أستاذ في جامعة طهران في حديثه للميادين نت، يرى في المسألة النووية قضية كرامة معرفية: ويقول: "العالِم الذي يطوّر تقنية لعلاج السرطان باستخدام النظائر المشعّة، ليس أقل أهمية من السياسي الذي يتفاوض على تصدير النفط. نحن ندافع عن مستقبل بلدنا حين ندافع عن حقّ طلابنا في التعليم".

الاحتفاء الشعبي بالمشروع النووي السلمي تجسّد في الأعوام الأخيرة من خلال تحويل 9 نيسان/أبريل من كلّ عام إلى يوم وطني للطاقة النووية، تُعرض فيه إنجازات علمية جديدة، ويُكرَّم فيه العلماء والطلاب المتفوّقون، وتُنظّم فيه فعّاليات ثقافية وعلمية في المدارس والجامعات، وصولاً إلى مهرجانات شعبية بالقرب من منشأتي نطنز وفوردو النوويتين.

يقول أحد خبراء الطاقة النووية - رفض الكشف عن اسمه - للميادين نت: "نستخدم التكنولوجيا النووية لتحسين نوعية الحياة، وليس لأغراض عسكرية. هناك فرق كبير بين من يدرس الذرّة ليقتل، ومن يدرسها لينقذ". 

هذه الرؤية باتت مشتركة بين شريحة واسعة من الإيرانيين، بعد أن لمسوا بأنفسهم فوائد الطاقة النووية في تشخيص السرطان، وتعقيم المعدات الطبية، وتحلية المياه، وتحسين جودة المحاصيل الزراعية.

وبرغم الضغوط الدولية، تواصل إيران تأكيد سلمية برنامجها، عبر التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإبقاء منشآتها مفتوحة للتفتيش، بينما تحافظ على حقّها المشروع في تطوير القدرات التي تخدم التنمية والكرامة الوطنية.

خلاصة المشهد أنّ إيران باتت تنظر إلى الطاقة النووية كحقّ سيادي، وأداة للنهوض بالمجتمع، وسلاح ناعم في معركة إثبات الذات. ومع كلّ شهيد من شهداء العلم، تتحوّل خسارة الجسد إلى ولادة وعي، يُعيد تعريف معادلة التقدّم في عالم لا يعترف إلا بالقوة القائمة على العلم.

إنها معركة طويلة الأمد، لكن من الواضح أنّ إيران قيادة وشعباً، اختارت أن تخوضها بعزيمة، وعبر طريق العلم. 

اخترنا لك