خطر خوارزميات الذكاء الاصطناعي في سباق الأسلحة البيولوجية
لقد أصبح العالم مكاناً يمكن فيه لخوارزمية ما أن تشكّل جرثومة غير مرئية قد تغيّر معادلات الأمن القومي، وهو إشارة إلى بداية عصر جديد: عصر الأسلحة الحية المصمّمة بالخوارزميات. عصر يمكن أن لا تبدأ حروبه بضربة صاروخ… بل بخيط فطرٍ لا يُرى!
-
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج سم الريسين مثلاً ( American Photo Archive / Alamy)
في عالم يميل إلى التصديق بأن التهديدات العظمى تأتي على هيئة صواريخ وبوارج وطائرات مجهولة الهوية، يتشكّل اليوم تهديد مختلف تماماً: هادئ، ميكروسكوبي، وغير مرئي. تهديد يبدأ من مختبر جامعي، ومن حقيبة سفر عادية، ومن بضعة خيوط من فطرٍ قادر على إسقاط اقتصاد غذائي كامل.
ما يحدث ليس مجرد حادثة تهريب بيولوجي معزولة، بل هو فصل جديد من فصول الحرب الهجينة، حيث يلتقي الذكاء الاصطناعي بعلوم الأحياء ليكشف عن بُعدٍ جديد من القوة وأكثرها ضبابية.
تقدّم حالة زونيونغ ليو ورفيقته في المختبر يونتشينغ جيان مثالاً واقعياً على هذا التحوّل، وهما حالة من حالات كثيرة قد مارستها الدول الكبرى، فهما ليسا مجرّد باحثَين يحملان عينات مخالفة للقوانين، بل جزء من منظومة دولية تتقاطع فيها الطموحات العلمية مع الحسابات الجيوسياسية، ويختلط فيها البحث الأكاديمي بالعمل الاستخباري.
U.S. federal prosecutors have accused two Chinese nationals of smuggling a dangerous biological pathogen that had the potential to be used as an agricultural terrorism weapon into the United States for research. https://t.co/4Vj9aKi9Xg
— Reuters China (@ReutersChina) June 4, 2025
فقد أوقف مسؤولو الجمارك ليو في مطار ديترويت عام 2024، لم يتوقع أحد أن يجدوا في حقائبه ما يشبه "وحدة تخريب نباتي متنقلة": مناديل ورقية ملوّثة، ورق ترشيح عليه دوائر مجهولة، وأكياس تحتوي على كتلة لونية ليست سوى Fusarium” “graminearum—فطر قادر على تدمير محاصيل القمح والشعير والذرة، وعلى تسميم الحيوانات وربما البشر.
Nicholas Rhoades et al. identified an RGAE homolog in Fusarium graminearum that is critical for the initial infection and DON mycotoxin accumulation in wheat and barley. Targeting this single effector gene, FgRGAE, offers a powerful new strategy to protect cereal crops. Read the… pic.twitter.com/Y6C7IEmrRU
— MPMI Journal (@MPMIjournal) November 18, 2025
ليس جديداً أن تُستخدم الفطريات كأسلحة زراعية—فالحرب البيولوجية النباتية تعود قروناً إلى الوراء—لكن الجديد أن تصبح هذه الفطريات جزءاً من بنية عالمية حيث تستطيع الخوارزميات تصميم بروتينات جديدة، وتحسين قدرة الكائنات الدقيقة على الإفلات من الرقابة البيولوجية، وتوفير "كتالوغًا مفتوحًا" لمسببات مرضية مُعدّلة قد لا يستطيع العلماء التعرف إليها إلا بعدما تترك أثرها المدمر.
Crops like wheat, oranges, and corn may need antibiotics or fungicides to stay healthy—but overuse can contaminate soil & water, fueling #AntimicrobialResistance. Responsible use in farms & healthcare protects Tennesseans, animals, & our environment. #USAAW25 #OneHealth pic.twitter.com/Ouefh1ftn1
— TN Dept. of Health (@TNDeptofHealth) November 21, 2025
حين يصبح "الجينوم" حقل قتال
في رواية تود كامباو، ليس الخطر واضحاً ولا مباشراً. إنه يأتي من الهامش، من تلك المنطقة البينية حيث لا يمكن التفريق بسهولة بين المخترع والمخترِق، بين الباحث والطرف الفاعل في صراع دولي. هكذا تبدو قصة ليو وجيان للمحققين الأميركيين: مجرّد عالِمَين يحملان تأشيرات أكاديمية، لكن في هواتفهما مراجع حول "الحرب البيولوجية النباتية"، ومحادثات تشير إلى محاولات تهريب سابقة، وأبحاث متقدمة في مسببات الأمراض نفسها داخل مختبرات أميركية.
باتت أجهزة الأمن العالمية ترى في كل اختراق أكاديمي محتمل امتداداً لصراع أكبر على الغذاء والتكنولوجيا الحيوية، صراع قد تكون إحدى رصاصاته مجرد جرثومة معدّلة أو فطر مطوَّر جينياً قادر على شلّ قطاع زراعي بأكمله.
Could AI be used to make a weapon of mass destruction? That’s one of the questions researchers at Anthropic are testing.
— 60 Minutes (@60Minutes) November 17, 2025
Anthropic researcher Logan Graham says the same AI capabilities that could help vaccine researchers could also be used to make biological weapons.… pic.twitter.com/DygkMGyGnh
الذكاء الاصطناعي… مُسرّع الخطر
التحوّل الجوهري ليس في الفطر ذاته، بل في القدرة على تحسينه. إذ تُظهر الدراسات الحديثة أن النماذج اللغوية والمولّدات القائمة على الذكاء الاصطناعي قادرة اليوم على تصميم بروتينات جديدة بالكامل، بروتينات قد تبدو طبيعية بنيوياً لكنها مغايرة جينياً، ما يعني أنها تتفادى أنظمة الرقابة البيولوجية التي تعتمد على التشابه الوراثي.
تقول الدكتورة بيرت بلاتو من جامعة دريسدن التقنية: "يمكن أن يمتلك البروتين المصمّم بالذكاء الاصطناعي خصائص خطيرة، ومع ذلك يفلت من أنظمة المراقبة التي تبحث عن تسلسلات معروفة."
هذه الجملة وحدها تختصر المشكلة: لم يعد الخطر في ما نعرفه، بل في ما يمكن للآلة أن تبتكره خارج حدود خبرتنا.
البحث البيولوجي… الاستخدام المزدوج يتحوّل إلى معضلة عالمية
إن القدرة على هندسة بروتينات جديدة كانت يوماً حلماً طبياً، لكنها أصبحت اليوم جزءاً من سباق تسلّح غير معلن. فمن المختبرات الأميركية إلى الأوروبية وصولاً إلى مختبرات شنغهاي وشينزين الصينية، تتطور أدوات البرمجة البيولوجية بسرعة لا تتماشى معها معايير الرقابة.
يقول البروفيسور ديرك لانزيرات: "تقنيات الاستخدام المزدوج تفتح المجال لتطوير اللقاحات والأدوية، لكنها في الوقت نفسه تسهّل تطوير أسلحة بيولوجية ذات قدرة تدميرية غير مسبوقة."
هذا ما يجعل المسألة أكثر تعقيداً: فكل اكتشاف مفيد يحمل جانباً مظلماً. وكل خوارزمية لتحسين الأدوية يمكن استخدامها لتحسين الفيروسات أو الفطريات القاتلة.
وجه جديد للحرب؟
خلافاً للصور التقليدية لما يوصف بالإرهاب، فإن ما يسمى "الإرهاب الزراعي" لا يحتاج إلى تفجير أو سلاح أو بصمة رقمية. يكفي أن يصل فطر واحد إلى حقل مفتوح حتى يبدأ مسلسل الانهيار.
In a recent scientific breakthrough, researchers at Stanford University and the Arc Institute used artificial intelligence to design and create custom, functional bacteriophages from scratch, viruses that specifically hunt and kill harmful bacteria.
— Massimo (@Rainmaker1973) October 22, 2025
These lab-created viruses,… pic.twitter.com/5ol9mFNN02
الفطر موجود أساساً في الولايات المتحدة، لكن النسخة المعدّلة—إن وُجدت—قد تكون قادرة على تجاوز كل آليات العلاج والمكافحة. هذا النوع من الهجمات لا يقتل الناس مباشرة، لكنه يدمّر ما يطعمهم. وقد يكون ذلك، في ميزان القوى الحديثة، أقوى تأثيراً من أي صاروخ.
عالم يتغيّر بسرعة
المخاوف ليست محصورة بالعيَنات المهربة بين الدول، وهذا ما قد يحصل في الخفاء من الولايات المتحدة أو دول كبرى أخرى، بل في ما لا يستطيع العلماء اكتشافه. فمعظم أدوات الرقابة البيولوجية مصممة لتمييز "المعروف". لكن في عصر الخوارزميات القادرة على توليد بروتينات جديدة بالكامل، تصبح هذه الأدوات عمياء أمام ما هو مُبتكر جينياً.
Our new research from @Scale_AI reveals that harmful biological knowledge can persist inside bio-foundation models even after filtering.
— Udari Madhushani Sehwag (@UdariMadhu) November 21, 2025
We introduce BioRiskEval, the first comprehensive framework built to assess dual-use risk in these models using a realistic adversarial threat… pic.twitter.com/ULUozG6c7b
سؤال اللحظة: هل يجب أن نقلق؟
الإجابة التي يقدمها العلماء ليست بسيطة: ليس الآن… لكن يوماً ما!
التهديد لا يزال في بداياته، لكنه ينمو. ما زالت الخوارزميات بحاجة إلى علماء خبراء، وما زال تصنيع السموم أو الفيروسات عملية معقدة لا تقوم بها شركة ناشئة من غرفة معيشة. لكن المسار واضح: كل عام يصبح الأمر أسهل. أرخص. وأصعب في الاكتشاف.
يقول إريك هورفيتز من مايكروسوفت: "مع القوة الجديدة تأتي مسؤولية اليقظة".
-
رسم تشبيهي (الصورة ADD)
لكن اليقظة وحدها لم تعد تكفي. نحن أمام سباق بيولوجي خفيّ، سباق تُكتب قواعده في مختبرات الذكاء الاصطناعي، وتُختبر نتائجه في حقول القمح والذرة، وتتحدد عبره موازين القوة في القرن الحادي والعشرين.
اقرأ أيضاً: ما هو أخطر سلاح في الحرب البيولوجية؟
لقد أصبح العالم مكاناً يمكن فيه لخوارزمية أن تُعيد تشكيل كائن حي، ويمكن فيه لجرثومة غير مرئية أن تغيّر معادلات الأمن القومي، وهو إشارة إلى بداية عصر جديد: عصر الأسلحة الحية المصمّمة بالخوارزميات. عصر لا تبدأ حروبه بضربة صاروخ… بل بخيط فطرٍ لا يُرى.