لبناني يؤدّي دوراً فاعلاً في مهمة "بيوماس" الفضائية.. كيف؟"

يؤدّي الشاب اللبناني الدكتور محمد الحاج دوراً مهماّ في المهمة الفضائية Biomass  الراصدة للطبيعة والبيئة بتقنيات حديثة، غير مسبوقة، تمكّن من تحقيق نتائج لأبحاث مختلفة، لم يكن بالإمكان الوصول إليها، أو الحصول عليها، بالتقنيات الأخرى المتوافرة.

  • تتركّز أبحاث الحاج على وسائط طوبوغرافية ثلاثيّة الأبعاد

بين بلدته عيدمون أقاصي عكار شمالي لبنان، والعالَم، راكم العالِم اللبناني الشاب الدكتور محمد الحاج سجلّاً حافلاً بالأبحاث والعلوم والدراسات. هو أستاذ في الجامعة اللبنانية، ولطالما احتلّ مسؤوليات في كلّياتها.

يحمل شهادة الهندسة، والدكتوراه في العلوم الجغرافية الرقمية (Geomatics) من المعهد العالي للهندسة والطوبوغرافيا في فرنسا"، (Ecole supérieure des géomètres et topographes (ESGT) - France)، وهو متخصص في تقنيات التصوير الفضائي ونظم المعلومات الجغرافية (GIS)، ويمارس مهامه في هذه الحقول منذ أكثر من 12 سنة.

استخدام وسائط هامة

تتركّز أبحاثه على استخدام تقنيات التصوير الفضائي الضوئي والراداري من أجل نمذجة تضاريس الأرض بشكل ثلاثي الأبعاد، ويهتم بقياس تشوّهات الأرض بدقة عالية جداً لمتابعة دراسات الشطآن، والدراسات المائية، والمائية البيئية، وسواها من حقول.   

ومن خلال اهتماماته المتصلة باختصاصه، وتفاعله مع مراكز الأبحاث، والمختبرات المتخصصة، انضم إلى مهمة Biomass الفضائية التي طوّرتها منظمة الفضاء الأوروبية European Space Agency (ESA)،  التي تهدف إلى تقييم الكتلة الحيوية للأرض، ووضع تصوّرات وتصاميم ثلاثية الأبعاد لطوبوغرافيا الغابات.  

الحاج للميادين نت: "البيوماس" تعالج التبدّل المناخي

يفيد الحاج في حديث لـ "الميادين نت" أن الإشكالية التي تعالجها المهمة الفضائية "البيوماس" (Biomass) ترتبط بأكبر مشكلة تعاني منها البشرية، وهي التبدّل المناخي الناجم عن الانبعاثات الدفيئة الصادرة عن السيارات، والمصانع، ومختلف المصادر المماثلة، وانبعاث الغازات منها يؤثر على حرارة الأرض، وبالتالي نواجه اختلالات في الطبيعة مثل ظواهر الفيضانات في المناطق الصحراوية، وسواها من مظاهر معروفة نتيجة التبدّل المناخي".

جهود كثيرة لم تنجح في لجم التدهور البيئي الناجم عن فلتان الانبعاثات لصالح أرباح الصناعات الحديثة، ولم تعد الغابات المتراجعة بالمساحات تكفي لمواجهة التدهور، ذلك أنّ "أحد أهم العوامل التي تنظّف الجو هي الغابات عبر عملية التمثيل الضوئي (Photosynthesis)، كما يوضح الحاج، فـ"تمتصّ الشجرة ثاني أوكسيد الكربون، وتصدر الأوكسيجين، وتخزّن الكربون في داخلها في الجذور، والجذوع، والأغصان"، لافتاً إلى "إننا لا نملك أرقاماً دقيقة عنها".

ويفيد أنه "عندما يتمّ قطع الشجرة، ينبعث منها الكربون إلى الجو، ويساهم في تفاقم مشكلة التلوّث، وازدياد الانبعاثات الدفيئة في الجو، فيزدادد ارتفاع حرارة الأرض وتتفاقم المشكلة"، مشيراً إلى أنّ "غياب الأرقام لكميات ثاني أوكسيد الكربون والكربون يشكّل مشكلة كبيرة"، وهنا تكمن أهمية مهمة "بيوماس" (Biomass ) الفضائية.

اختراق الغيوم وقياس كميات الكربون في الغابات

قبل الولوج بمسارات المهمة، وحقولها، يشرح الحاج جانباً من التقنيات التي يفيد أنها "تعتمد على إشعاعات الرادار، فالقمر الاصطناعي "بيوماس" يستخدم إشعاعات الرادار التي يمكنها أن تخترق الغيوم، وكأنّ الغيوم ليست موجودة، وبالتالي يمكن التصوير من تحت الغيوم، وهذا مهم خصوصاً في المناطق الاستوائية حيث أغلب الأحيان يسيطر جو غائم".

المهمة تهدف إلى قياس الغابات، ومحتوياتها، وكميات الكربون الموجودة فيها، وصولاً لما يمكن معرفته عن دورها في مواجهة تداعيات التبدّل المناخي، ويقول الحاج إنه "عندما نرسل الموجة بالاستغناء عن أشعة الشمس، نستطيع التصوير ليلاً ونهاراً، إضافة إلى أن موجات البيوماس (P-band) تبلغ 70 سنتمتراً طولاً، تستطيع اختراق الأشجار، ويمكنها الوصول إلى التضاريس تحت الشجرة، ما يخوّلنا مسح الغابات، ووضع الأشكال البنيوية للتضاريس تحت الشجر، ويمكن تصوير شرائح مقطعيّة للشجر والغابات". 

  • "البيوماس": مهمة فضائية متطورة

وبعد إجراء عملية تصوير مقطعية لعدد كبير من المقاطع، ويتم جمعها مع بعض، فـ "نحصل على شكل ثلاثي الأبعاد"، كما يقول، مضيفاً إنه "عندما نستخرج التضاريس والغابات ثلاثية الأبعاد، يصبح بإمكاننا وبطريقة مبتكرة، ضبط الاشعاعات التي ترجع لنا من الشجرة، وقياس وزن الشجرة، وبالتالي نقوم بوزن غابات العالم لأنه بحسب الدراسات، فإن "نصف وزن الشجرة هو كربون، وبهذه الطريقة نستطيع تقدير كمية الكربون الموجودة في الغابات حول العالم"، كما يوضح الحاج عن أهمية التقنية.

 "النمذجة" بتقنيات ثلاثيّة الأبعاد للقياس

من الأمور الهامة التي تتمّ متابعتها من ضمن المهمة إنه "على مدى 5 سنوات، علينا متابعة نمو الأشجار خلال هذه المدة، وعندما ينمو الشجر، يخزّن كمية من الكربون، وكلّ ذلك يؤهّلنا لتقدير المدى الذي يُمَكِّن الشجر من مواجهة معضلة التبدّل المناخي".

تعتمد التقنية استخدام تقنيات ثلاثيّة الأبعاد للقياس، تسمّى "النمذجة" التي تسهّل قياسات ضرورية ومطلوبة، غير متوافرة سابقاً، للغابات، فـ"نمذجة الغابات بالأبعاد الثلاثية، نستطيع للمرة الأولى أن نمذج تحت الغابات، ونحصل على داتا مهمة جداً، في الكثير من مناطق العالم". 

ويوضح أنه بواسطة "نمذجة تضاريس الأرض تحت الغابات، نحصل على داتا جداً مهمة في كثير من غابات العالم، فلم يكن ممكناً نمذجة التضاريس في العالم سابقاً، وهذه المرة الأولى التي نستطيع بواسطتها أن ننمذج "داتا" أغلب غابات العالم، والتضاريس الموجودة في أسفل الغابات".  

أول "داتا" حول حوض الأمازون

الداتا التي نتجت عن التقنية، تحدث للمرة الأولى، فالقمر الصناعي الذي استخدم الرادار بإشعاعات P-band، هو أول قمر في التاريخ يستخدم هذه الإشعاعات التي لم يكن بالإمكان استخدامها. بسبب تأثير الغلاف الأيوني للأرض (Ionosphere)..

الحاج يوضح للميادين نت أنه تمّ إيجاد حلّ تقني لهذه الإشكالية.

على صعيد الغابات، يفيد الحاج بقوله "بدأنا بغابات الأمازون، ونحاول نمذجة حوض الأمازون، الذي تبلغ مساحته 7 ملايين كيلومتر مربّع، وهذا المشروع تشارك به بوليفيا والإكوادور والبرازيل، ونتواصل مع باقي دول حوض الأمازون، وستكون الداتا المتسحصل عليها الأولى من نوعها على مستوى العالم لأنه لم يسبق أن وضعت داتا لحوض الأمازون. 

سبر  غور  رمال الصحراء!

ويبدو أن نجاح تجربة "البيوماس" في سبر أغوار الغابات بالأبعاد المختلفة، فتح المجال لتطبيق التقنية حيث لم يكن ذلك ممكناً في مناطق أخرى من العالم، وتحديداً في الصحارى، والمناطق القطبية الجليدية، وفي هذا المجال، يذكر الحاج، "بعد التأكّد من أنّ هذا الإشعاع يستطيع خرق الرمال في الصحراء، بات بإمكاننا تصوير الطبقات في الرمل تحت الصحراء، وهذا أمر مهم للغاية لأننا نعرف أنّ أكثر مادة نادرة في الصحراء هي الماء".

"الرمال تغطي سطح الصحارى، لكن الصحراء في باطنها تحتوي على كميات كبيرة من المياه، وهذا ناتج عن وجود أنهر قديمة في هذه المناطق"، كما يوضح الحاج، ذاكراً إنه "عندما حصلت تبدّلات مُناخية، تحوّلت هذه المناطق إلى صحارى، وبقيت المياه الجوفية في باطن الأرض، ويتمّ استثمارها حالياً".

بهذه التقنية والبرامج المتطوّرة، صار بالإمكان "تصوير التضاريس تحت الرمال، وبالتالي فهم جيولوجية المناطق الصحراوية، وهي لم تدرس كما يجب بسبب مناخها"، بحسب الحاج الذي يتولى مسؤولية نمذجة التضاريس تحت الرمال في الصحراء، وتحسينها حيث لم يكن تحسينها ممكناً سابقاً بالطرق التي كانت متوافرة".

سنتمكّن أيضاً من استخراج قياسات التضاريس تحت الرمال في المناطق العربية، ودراسة جيولوجيا هذه المناطق، ومعرفة كيف كانت سابقاً، وكيف تغيّرت طبيعتها، والداتا التي نحصل عليها توضح وضع الصحارى. 

استطعنا خرق الجليد

ويتحدّث الحاج عن عمل التقنية في الجليد مضيفاً أننا "استطعنا خرق الجليد، وستمكّننا هذه التقنية من تصوير الطبقات التي تحت الجليد، وتؤهّلنا استخراج المقاطع (crossections) للجليد بحدّ ذاته، وهناك مشروع لدراسة التضاريس في المناطق القطبية، حيث تتغطّى بالجليد، ونحاول تحسين طريقة النمذجة فيها". 

وتبقى المناطق التي كانت فيها حياة، وسكنها بشر سابقاً، فـ "هذه التقنية تخوّلنا معرفة وجود آثار الإنسان في مناطق تحت الرمال، وهناك دراستان استندتا على تقنيات أقل تطوراً، وتم اكتشاف مبانٍ ضخمة تحت الرمال، يقول الحاج متابعاً إنه "كما تتيح "البيوماس" التصوير بشكل أعمق، وبالتالي الحصول على داتا عن المناطق الصحراوية، ومناطق غابات الأمازون، والغابات الاستوائية التي تتغطى غالباً بالسحب، سنحاول تقصّي مناطق لم يحاول أحد البحث فيها سابقاً، عن آثار ومبانٍ ومدن تاريخية".

ويختم: "الدراسات تتناول المناطق المغطاة بالغابات، وبالرمال، وبالجليد، ونحاول تحسين النمذجة عبر هذه التقنية، أو عبر الذكاء الاصطناعي".

اخترنا لك