"عربات جدعون" تُنازِلُ أفخاخ الموت والطوفان على ظهرها ينتظر الحسم

المنازلة بين العربات وأفخاخ الموت التي نصبتها المقاومة على أرض القطاع المحاصر بدأت، الأمر الذي جعل حرب "النهضة" أو "السيوف الحديدية" تصل مرغمة إلى محطتها الحاسمة. 

  • لا مناص من أن تدمي أفخاخ الموت عربات جدعون وتفرمل عجلاتها على أرض غزة.
    لا مناص من أن تدمي أفخاخ الموت عربات جدعون وتفرمل عجلاتها على أرض غزة.

يبدو أنّ قطار العدوان الصهيوني على قطاع غزة قد وصل مرغماً إلى محطته الحاسمة، وهذا الأمر مردّه إلى عوامل متعدّدة، منها ما يتعلّق بالبعد العسكري الميداني على أرض القطاع، وتحديداً فيما يُعنى بانعدام الجدوى من متابعة استخدام القوة "لتحرير" ما تبقّى من أسرى أحياء من الإسرائيليين هناك، ومنها ما يُعنى بوصول الحرب إلى مرحلة من الاستعصاء في عنق الزجاجة، ولا سيما أنها طالت لأكثر من عام وثمانية أشهر من دون ولوج ما يبغيه نتنياهو ومعه حكومته من المتطرّفين عتبة "النصر المطلق"، هذا فضلاً عن أنّ الطوق الذي حاول وما زال يحاول "جيش" الاحتلال شدّ وثاقه على المقاومة في غزة، كان قد بدأ يرتدّ تدريجياً نحوه، وذلك بفعل الصمود الأسطوري لها وللغزيّين معها على حد سواء.

إذاً، لم تكن عملية "عربات جدعون" التي أطلقها "جيش" الاحتلال مؤخّراً على كامل جغرافيا القطاع، وإعلانه زجّ فرق المدرّعات وألوية المشاة فيها كافة، إلّا "تتويجاً" واستكمالاً لحرب  "السيوف الحديدية" أو لما يطلق عليها نتنياهو اسم "حرب النهضة"، والتي تفرّعت منها موجات وموجات وبمسمّيات مختلفة، إلا أنها ـــــ  وعلى الرغم من فداحة القتل والجوع والتشريد والتدمير الذي تحدثه ـــــ فالسيوف لا تزال حتى كتابة هذه السطور، عاجزة عن الركون إلى أغمادها، والقيامة لا تزال بعيدة عن دنو ساعتها، فلا المهمّة أنجزت، ولا النهضة تحقّقت.. فالواقع لا يزال ينبئ بعكس ذلك تماماً.

من المفيد التذكير هنا، بأنّ الاستعصاء الذي واجهته وتواجهه الحرب على القطاع، وكنتيجة حتمية للعوامل الميدانية التي تجري على أرضه، وخصوصاً لناحية صمود مقاوميه وشعبه معاً، كانت له انعكاسات جمّة على المسرح السياسي داخل الكيان وخارجه، وتحديداً على ساحات رعاته في العالم. 

هذا فضلاً عن أنّ باقي الارتدادات على مختلف الأصعدة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية داخل الكيان، هي التي فرضت على نتنياهو مؤخّراً بأن يلعب "الصولد" على تراب غزة، وخصوصاً أنّ الاستنزاف والإنهاك الذي أصاب "جيشه" ـــــ بشقّيه النظامي والاحتياط ـــــ قد تبدّت مظاهرهما جلياً، وتكاد انعكاساتهما تُشكّل ـــــ ما أطلقنا عليه يوماً ـــــ طوفاناً معاكساً على مختلف الأصعدة والمستويات في الداخل. 

واستباقاً لذلك كلّه، فقد أمر نتنياهو بتحريك عجلات عربات جدعون سريعاً، محمِّلاً إياها على ظهورها طوفاناً يريده خارج كيانه، وذلك تجنّباً لارتداده المدوّي في داخله، متأمّلاً معه ومن خلاله بأن يجرف إعصاره، وتُصيب شظاياه وتداعياته، دول وأطراف محور المقاومة من غزة إلى إيران، وذلك بلعبة "صولد" واحدة.

انطلاقاً من هذا المخطط لنتنياهو، والذي يريد منه إبعاد كأس السمّ عن شفتيه، بدأت المنازلة بين العربات وأفخاخ الموت التي نصبتها المقاومة على أرض القطاع المحاصر، الأمر الذي جعل حرب "النهضة" أو "السيوف الحديدية" تصل مرغمة إلى محطتها الحاسمة. 

ولا سيما أنّ كلّ ما يُحكى عن جولات تفاوض، ومعها الحديث عن اقتراب اجتراح حلول جزئية أو نهائية لوقف العدوان، ما هو إلا سراب بسراب، كون الراعي الرسمي لهذا العدوان ـــــ أي أميركا ـــــ لا يزال يرفع الشارة الخضراء لنتنياهو لاستكمال المهمة و"تغيير وجه المنطقة"، فكلّ ما يُقال حول ما يُسمّى بضغط المجتمع الدولي، قد تحوَّل بأعمّه الأغلب ـــــ مع الأسف ـــــ إلى النظر لهذه الحرب، من منظور سياسي مفترض إلى إنساني بحت! 

إذاً ربما أضحت المنطقة أمام سيناريوهين اثنين؛ فإما أن تدمي الأفخاخ تلك العربات، لينبعث حينها من أحشائها الممزقة، طوفانٌ منتظرٌ منذ زمن، سيغيّر معه بالتأكيد وجه الكيان الصهيوني سياسياً وعسكرياً واجتماعياً، ولتكون تداعياته دراماتيكية ومتتالية في أكثر من محطة واستحقاق داخل الكيان، وذلك بدءاً من حتميّة سقوط نتنياهو وحكومته، وصولاً إلى استحقاق انتخابات الكنيست بشكل مبكر، وما بينهما وبعدهما على حد سواء.

وإما أن تنجز العربات المهمة لا قدّر الله، فتندفع بعدها، حاملة الطوفان إلى حيث يريده نتنياهو   ويسعى إليه، وسواء، أكانت عجلات عرباته ستطأ بعد غزة، جغرافيا دول وأطراف الممانعة، أو أنها ستُلقيه عن ظهرها إليها، وهي لا تزال رابضة داخل حدود الكيان فالأمر سيان لدى نتنياهو، فهذا الأخير كلّ ما يريد أن يشهده، هو ارتداداته الكارثية فيها.

خلاصة القول، لا مناص من أن تدمي أفخاخ الموت عربات جدعون وتفرمل عجلاتها على أرض القطاع، فهذا وحده باعتقادي كفيل بتحديد وجهة الطوفان الرابض على ظهورها، وإلّا!