إلزام لبنان بتسمية مفاوضين للتفاوض مع "إسرائيل": هل توافق حكومة سلام؟

يجب أن تبقى الحكومة اللبنانية ملتزمة بالمواقف الثابتة التي ترفض الاعتراف بالعدو الإسرائيلي، وأن تبذل كل جهد ممكن لضمان عدم التنازل عن حقوق لبنان في الموارد والأراضي.

  • إرغام لبنان على الاعتراف بالعدو الإسرائيلي: مخالفة للقوانين.
    إرغام لبنان على الاعتراف بالعدو الإسرائيلي: مخالفة للقوانين.

خطوة سياسية قد تضع لبنان في موقف غير مريح على المستوى السيادي، متمثلة بالإلزام الأميركي للبنان بتسمية مفاوضين مدنيين للتفاوض المباشر مع كيان العدو الإسرائيلي، إذ لا يزال كيان الاحتلال الإسرائيلي يعدّ عدواً منذ العام 1948، ووفقاً للمواقف اللبنانية الرسمية والعربية، فإن كيان الاحتلال يمارس عدواناً مستمراً ضد لبنان وشعبه. لذلك، فإن دفع لبنان للتفاوض المباشر مع هذا الكيان عبر مفاوضين مدنيين ينطوي على تساؤلات قانونية ودستورية.

إرغام لبنان على الاعتراف بالعدو الإسرائيلي: مخالفة للقوانين

في الواقع، المفاوضات المباشرة مع كيان الاحتلال تتناقض مع المواقف الوطنية اللبنانية التي تأخذ بعين الاعتبار أن "إسرائيل" هي العدو التاريخي للبنان، وهي "دولة" لا تزال تحتل أراضي لبنانية، وتنفذ العديد من العمليات العسكرية ضد لبنان، كما ثبت ذلك في العديد من الحروب والاعتداءات. وبناءً على ميثاق الأمم المتحدة، فإن كل دولة عضو في الأمم المتحدة تتمتع بحقوق سيادية تشمل حماية أراضيها ومواردها الطبيعية. المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة تؤكد احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. كما أن لبنان، كدولة ذات سيادة، لا يُفترض به أن يُجبر على إجراء مفاوضات مع "دولة" عدّها قانوناً عدواً وشريكاً في الاعتداء على أراضيه.

المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة تدعو إلى حل النزاعات بالطرق السلمية، وتحت إشراف الأمم المتحدة، ولكن المفاوضات بين لبنان و"إسرائيل" تتم تحت ضغوط أميركية قد تفضي إلى اتفاقات تضر بالسيادة الوطنية اللبنانية.

الخروج عن الإجماع: تداعيات مواقف لبنان على قرارات القمم العربية

إنّ إلزام لبنان بالتفاوض المباشر مع "إسرائيل" يخالف الإجماع العربي، كما جاء في القرارات الصادرة عن القمم العربية، والتي تؤكد ضرورة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق حل عادل يستند إلى المبادرة العربية للسلام. هذه المبادرة تدعو إلى حل الدولتين، حيث يتم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة بجانب "إسرائيل".

إلا أن الضغط الأميركي على لبنان يمكن أن يُفقد هذا الإجماع، ويؤدي إلى تغييرات في المواقف اللبنانية التي كانت تسعى دائماً إلى الحفاظ على وحدة الصف العربي ضد الاحتلال الإسرائيلي.

من هنا، قد تكون هذه الضغوط محاولة لتسوية وضعية الاحتلال الإسرائيلي وتوسيع مصالحه في المنطقة على حساب الحقوق اللبنانية والعربية. لا سيما أن أي تنازل في هذه المفاوضات قد يشمل تسليم الأراضي المحتلة من قبَل "إسرائيل" كجزء من "اتفاقات سلام" تحت الضغوط الاقتصادية أو العسكرية.

المفاوضات الاقتصادية والضغوط الأميركية: خطر تهديد السيادة والموارد اللبنانية

قد تسعى أميركا في هذا السياق إلى تحويل عملية التفاوض إلى مجرد آلية لترسيم الحدود البحرية والبرية، دون الأخذ في الاعتبار المصالح اللبنانية والحقوق السيادية للأراضي والموارد الطبيعية. التفاوض على هذه القضايا عبر ممثلين مدنيين قد يتيح الفرصة لـ"إسرائيل" لتسوية العديد من القضايا الاقتصادية لصالحها، خاصة في ملفات الموارد المائية والنفطية في البحر الأبيض المتوسط. أيضاً، هذه المفاوضات قد تؤدي إلى انتهاك سيادة لبنان على أراضيه المحتلة، وأكبرها مزارع شبعا.

ما يجعل هذا الوضع أكثر تعقيداً هو الضغط الأميركي المستمر على الحكومة اللبنانية لتنفيذ هذه التسويات، على حساب حقوق المواطنين اللبنانيين في القرى الحدودية التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي في حروبه السابقة.

سابقة شبيهة خلال المفاوضات غير المباشرة على الحدود البحرية عام 2020

في سياق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل"، عام 2020 رفض لبنان في البداية تسمية مفاوضين دبلوماسيين مع "إسرائيل"، وذلك بسبب تصنيفه لها عدواً وفقاً للقانون اللبناني. وبعد ضغوط دولية، تم التوصل إلى صيغة للمفاوضات غير المباشرة تحت إشراف الأمم المتحدة والوساطة الأميركية، وتمت المفاوضات من خلال وسطاء عسكريين بين الطرفين، ما سمح للبنان بالحفاظ على مواقفه الوطنية من دون الاعتراف بـ"إسرائيل"، وفي الوقت نفسه التفاوض على ترسيم الحدود البحرية، حيث جرت المفاوضات غير المباشرة في مركز الأمم المتحدة في الناقورة.

هل يقع سلام في فخ التطبيع تحت الضغط؟

إن الحكومة اللبنانية في هذه المرحلة بحاجة إلى اتخاذ قرارات حاسمة تعكس الإرادة الشعبية اللبنانية والحفاظ على الحقوق الوطنية والاستناد إلى تلك السابقة.

ومن الواجب أن تبقى الحكومة ملتزمة بموقفها الرافض لأي نوع من التفاوض المباشر مع "إسرائيل" تحت أي مسمى كان، بما في ذلك تحت الضغط الأميركي. إن الإصرار على هذا الموقف يجب أن يكون من أجل حماية سيادة لبنان، والمحافظة على وحدة الصف الوطني والعربي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

ويجب على الحكومة اللبنانية إن تعد الضغط الأميركي لتسمية مفاوضين مدنيين من لبنان للتفاوض المباشر مع "إسرائيل" يتعارض مع قوانين لبنان، ويشكل تهديداً حقيقياً للسيادة اللبنانية، وأن أي خطأ في هذا الموضوع قد يأخذ البلد إلى دائرة مظلمة.

لذلك، يجب أن تبقى الحكومة اللبنانية ملتزمة بالمواقف الثابتة التي ترفض الاعتراف بالعدو الإسرائيلي، وأن تبذل كل جهد ممكن لضمان عدم التنازل عن حقوق لبنان في الموارد والأراضي، وتفادي العودة إلى أي اتفاقات تنهي حالة الصراع العربي -الإسرائيلي لصالح "إسرائيل".