صمت الصواريخ... لماذا لم تكشف إيران صور الـF-35 أو طياريها؟
إيران تُمسك العصا من المنتصف: تُظهر القوة، من دون أن تفضح التفاصيل. وتدير الأزمة بعقل الدولة، لا بعواطف النصر.
-
إيران تسقط مقاتلات إسرائيلية من طراز F-35 في عمق أجوائها (أرشيف).
في الأيام الأخيرة، اشتعلت الساحات الإعلامية بخبر بالغ الأهمية: إعلان إيران إسقاط مقاتلات إسرائيلية من طراز F-35 في عمق أجوائها. ورغم هذا الإعلان الجريء، غابت الصور، واختفى الحديث عن حطام الطائرات أو هوية الطيارين. فما السرّ وراء هذا الصمت المتعمد؟ ولماذا لم تُعرض "غنائم" بهذا الحجم أمام عدسات الكاميرا؟
الذي لا شك فيه، وما أكدته المصادر الإيرانية، أن الدفاعات الجوية الإيرانية تعاملت مع "الأهداف المعادية" بقوة وحزم، وألحقت بها أضرارًا كبيرة. والأهم، أن اعتماد العدو على عناصر مرتزقة على الأرض بدلًا من الحسم من الجو، يدلّ بوضوح على أنه فقد القدرة على المناورة الجوية كما كان يدّعي.
لكن، لنعد إلى الأسئلة التي طرحتها الجماهير: هل حدث ذلك فعلاً؟ ولماذا لا نرى الدليل؟ وأين هم الطيارون؟
الصدق لا يعني الكشف
المصداقية التي تتمتع بها المؤسسة العسكرية الإيرانية داخل البلاد لا تُبنى على الصور، بل على تاريخ من الصدق في مواجهة العدو. لذا، فإن غياب التوثيق العلني لا يعني نفي الحدث، بل ربما يعكس سياسة أمنية صارمة عنوانها "حماية المعلومات".
وهنا تكمن المفارقة: من يحتاج إلى الصور؟ بالتأكيد، هو الطرف الذي فَقَد طائراته. الأميركيون والإسرائيليون يريدون بشدة رؤية ما جرى، ليُقيّموا دفاعات إيران، ويرصدوا نقاط ضعفهم، وربما لقصف أي حطام قبل أن يتحول إلى دليل حي على فشلهم. كما أنهم يلهثون خلف أي معلومة قد تكشف لهم مواقع مخفية لقوات الجو-فضاء الإيرانية.
الصمت الإيراني هو رسالة بحد ذاته. وربما، هو السلاح الأقوى في هذه المعركة الخفية.
العدو في حالة ارتباك
ما يزيد الطين بلّة على الجانب الصهيوني، هو جهله الكامل بما حصل تحديدًا. لا يعرف كيف تلقت طائراته الضربات، ولا إذا ما كان الطيارون أحياء أم في عداد القتلى، ولا حتى الموقع الدقيق للسقوط. حالة من التخبّط والتعتيم تسيطر على وسائل إعلامه، رغم أن عيون العالم مترقبة لأي تسريب.
والأهم، أن ما جرى ليس من قبيل "الحرب النفسية" الفارغة. فقد أفاد شهود عيان برؤية سقوط الطائرات. والصور لم تُنشر، لكن الحدث ليس سريًا على الإطلاق.
ثم، هل يعقل أن تنفذ إيران حربًا نفسية ضد خصم يعرف بالضبط عدد طائراته؟ الحرب النفسية لا تُبنى على كذبة يعلم العدو أنها كذبة. وهل تحتاج إيران للكذب من أجل تحطيم معنويات جنود الكيان وهم يشعرون يومياً بلهيب نيران صواريخ إيران التي تمرّ فوق رؤوسهم وتضرب تل أبيب تحت مرأى ومسمع الدفاعات الجوية الإسرائيلية؟
ورقة رابحة على طاولة التفاوض
في النهاية، قد يكون الصمت الإيراني جزءًا من معركة أكبر... سياسية هذه المرة. فلو قامت طهران بنشر ما تملك من دلائل، فإنها ستفتح أبوابًا من الضجيج السياسي والعسكري والإعلامي. لكن بحفاظها على الغموض، تمتلك الآن ورقة تفاوض ثمينة في مواجهة الأميركيين. ورقة قد تؤثر على سوق السلاح الأميركي، وعلى مستقبل طائرات F-35 التي لطالما روّجتها واشنطن كأيقونة التفوق الجوي.
إيران تُمسك العصا من المنتصف: تُظهر القوة، من دون أن تفضح التفاصيل. وتدير الأزمة بعقل الدولة، لا بعواطف النصر.