مشروع "إسرائيل الكبرى" بين رام الله ودمشق: نحو واقع جغرافي–سياسي جديد
المشهد الإقليمي يتجه نحو حرب أشد مرارة وقسوة، سيكون مسرحها متعدداً: من غزة ورام الله، إلى دمشق وجنوب لبنان.
-
المشهد الإقليمي يتجه نحو حرب أشدّ مرارة وقسوة (أرشيف).
تشهد المنطقة تطوّرين خطيرين يشيان بمرحلة جديدة من المشروع الصهيوني:
الأول، دخول "جيش" الاحتلال الإسرائيلي إلى الضفة الغربية وفرض حصار بري وجوي على رام الله، مقرّ السلطة الفلسطينية. والثاني، توغّله العميق في الأراضي السورية حتى مشارف دمشق، وسيطرته على معظم الجنوب السوري بما في ذلك المسطّحات المائية وسدود حوض نهر اليرموك. كلا التطوّرين ليسا مجرّد أحداث ميدانية معزولة، بل خطوات متقدّمة على طريق فرض وتنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي لم يعد نتنياهو يخفيه، بل يفاخر به علناً.
العملية العسكرية الأخيرة في رام الله، بذريعة ملاحقة محلات الصرافة وقطع تمويل "الإرهاب"، ليست إلا غطاءً لسياسة أعمق تهدف إلى تعطيل السلطة الفلسطينية ومنعها من أيّ محاولة لإعلان الدولة الفلسطينية. فالكيان الإسرائيلي، المحاصر سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً، بات في سباق مع الوقت لتعويض خسائره عبر خلق وقائع جديدة على الأرض. حتى على مستوى السياحة، يخجل الكثير من الإسرائيليين من الإفصاح عن جنسيتهم خارج الكيان، فيما واصلت كبرى الصناديق السيادية العالمية – وآخرها الصندوق السيادي الترويجي بقيمة تريليوني دولار – قطع علاقاتها الاقتصادية معه.
أمام هذا التراجع، يندفع نتنياهو وحكومته نحو مشروع تهجير الضفة الغربية، في ظل انشغال العالم بمسرحيات أكثر سخونة: غزة، جنوب لبنان، وسوريا. فعمليات التهجير التدريجي في جنين وطولكرم ونابلس مستمرة منذ أكثر من مئتي يوم وسط صمت دولي مطبق، أقرب إلى "خنق بالتخدير". ويتجسّد هذا النهج في الإعلان الوقح عن بناء 6900 وحدة استيطانية في منطقة E1، ما يعني عملياً تقسيم الضفة إلى شمالية وجنوبية، وشلّ التواصل الجغرافي الفلسطيني، تمهيداً لفرض واقع ديموغرافي–أمني جديد يضعف قدرة الفلسطينيين على الصمود.
في المقابل، يواصل الاحتلال رفضه لأيّ مبادرة لوقف الحرب على غزة، حتى تلك التي وافقت عليها حركة حماس مؤخراً. فنتنياهو، المنشغل بانتخابات الداخل، لا يعنيه حجم التظاهرات والإضرابات والخلافات داخل مؤسسته العسكرية التي تنبّهت لخطورة التفكّك والانهاك. همّه الوحيد هو انتزاع أكبر قدر من المكاسب بدعم أميركي غير محدود، وبغطاء من بعض الأنظمة العربية التي اختارت الصمت أو المشاركة في لعبة التطبيع.
أما في سوريا، فالمشهد أشدّ خطورة. الاحتلال الإسرائيلي أعلن صراحة أنه لن يغادر الأراضي التي دخلها مؤخّراً، خصوصاً جبل الشيخ الذي يتيح له مراقبة ورصد مسافة تصل إلى 300 كيلومتر من الجهات الأربع، إضافة إلى سيطرته على منابع المياه الاستراتيجية. ولم يكتفِ الاحتلال بالوجود العسكري، بل بدأ التدخّل في البنية الداخلية السورية عبر دعم مكوّنات درزية وكردية وسنية تحت شعار "حماية الأقليات"، في مشهد يتقاطع مع مشاريع تفكيك سوريا إلى دويلات متناحرة: سنية، علوية، كردية، ودرزية.
وفي خضمّ هذه الصورة، تخرج أصوات سورية تحاول تبرئة نفسها من الماضي أو تسويق تسويات أمنية مع الاحتلال، في خطاب يوهم بالندّية بينما هو في جوهره انخراط في مسار تطبيعي يشرعن الاحتلال ويضفي شرعية على مشروعه التوسّعي.
المقبل بلا شكّ أكثر خطورة. فالمشهد الإقليمي يتجه نحو حرب أشدّ مرارة وقسوة، سيكون مسرحها متعدّداً: من غزة ورام الله، إلى دمشق وجنوب لبنان. وما يجري اليوم ليس سوى مقدّمات لرسم خريطة جديدة، على مقاس مشروع "إسرائيل الكبرى".