نتنياهو والهروب إلى الأمام
نتنياهو لا يقاتل فقط في الميدان، بل يقاتل على جبهات متداخلة... ضد العدالة، وضد الزمن، وضد انهيار صورته أمام جمهوره. وكلما اشتد القصف، بدا أن الرجل يختبئ خلف الدخان.
-
نتنياهو يدير حرباً على الزمن نفسه (أرشيف).
في لحظة سياسية هي الأكثر هشاشة في تاريخه، يبدو رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو وكأنه يدير حرباً، لا فقط على غزة، بل على الزمن نفسه.
يعلم تماماً أن العدّ التنازلي لمشواره السياسي قد بدأ، وأن الملفات القضائية التي تلاحقه لا تنتظر سوى لحظة ضعف كي تطيحه من المشهد. لذلك، فإن كل يوم إضافي في الحرب على قطاع غزة ليس فقط يوماً في عمر الكيان، بل في عمره السياسي أيضاً.
منذ اندلاع الحرب، بدا واضحاً أن نتنياهو لا يسعى إلى نصر عسـ.ـكري حاسم وإن كان يتفوه بذلك في خطاباته – لأن مثل هذا النصر غير ممكن في واقع الحال – بل إلى تمديد الصراع، إلى إغراق الكيان الإسرائيلي في دوامة أمنية متواصلة تُبقيه في موقع "الزعيم الضروري"، وتؤجل استحقاق المحاسبة. هو لا يريد إنهاء الحرب، بل يريد إخراجاً مناسباً منها؛ تسوية سياسية تحفظ ماء وجهه، أو انفراجة قانونية تنقذه من المحاكمة.
نتنياهو لا يقاتل فقط في الميدان، بل يقاتل على جبهات متداخلة... ضد العدالة، وضد الزمن، وضد انهيار صورته أمام جمهوره. وكلما اشتد القصف، بدا أن الرجل يختبئ خلف الدخان، يشتري الوقت بما تبقى من أرواح الفلسطينيين، ويؤجل لحظة الحقيقة. لكن الحقيقة، كما التاريخ، لا تنتظر طويلاً.
في المقابل، هامش المناورة عند المقاومة الفلسطينية بات ضيقاً جداً، فالخسائر الإنسانية وارتفاع أعداد الشهداء والأسرى والجرحى والدمار غير المسبوق جعل الخيارات محدودة، بل شبه معدومة.
الأسرى الإسرائيليون ظلّوا الورقة الأهم بيد المقاومة، وربما الأخيرة التي لم تُستنزف بالكامل. لكن حتى هذه الورقة أصبحت مهددة بفعل الضغط العسكري الكبير والعودة إلى الحرب، ومحاولات إحكام الحصار.
وأمام هذه المشهدية كل طرف يُدرك أن الوقت يقترب من مرحلة الحسم؛ فإما صفقة كبرى توقف حرب الإبادة، أو تصعيد دموي يطيح ما تبقى من أوراق، والخاسر الأكبر فيه المدنيون الفلسطينيون في ظل صمت عربي وإسلامي ودولي يعطي شرعية كاملة للجيش الإسرائيلي لاستهدافهم!