هل تم اتخاذ القرار بدخول أميركا بشكل مباشر في الحرب الإسرائيلية ضد إيران؟
هل قررت الولايات المتحدة الأميركية المشاركة بشكل مباشر في الحرب القائمة على إيران؟ وما هو الهدف الحقيقي وراء هذا الموقف الأميركي؟
-
واشنطن والعدوان على إيران (أرشيف).
في ظل تصاعد التوترات العسكرية بين إيران و"إسرائيل" خلال حزيران/يونيو 2025، يبرز سؤالان محوريان: هل قررت الولايات المتحدة الأميركية المشاركة بشكل مباشر في الحرب القائمة على إيران؟ وما هو الهدف الحقيقي وراء هذا الموقف الأميركي؟ للإجابة عن هذين السؤالين، لا بد من قراءة معمقة للخطابات السياسية، والتصريحات العسكرية، وتحليل المعطيات الجيوسياسية الراهنة التي تحيط بالصراع.
خلفية الصراع وتطوراته الأخيرة
بدأت الحرب بين "إسرائيل" وإيران في منتصف حزيران/يونيو 2025، عندما شنت "إسرائيل" هجومًا جويًا واسع النطاق على أهداف داخل الأراضي الإيرانية، مستهدفة منشآت نووية، ومصانع صواريخ بالستية، وقادة عسكريين بارزين في الحرس الثوري. استهدفت الضربات الإسرائيلية بشكل مباشر مراكز إنتاج الصواريخ، ومواقع رادار كشف، وقواعد عسكرية، ما أسفر عن مقتل عدد من كبار القادة الإيرانيين.
ردت إيران بإطلاق موجات متتالية من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة على الأراضي الإسرائيلية، مستهدفة مراكز سكنية ومواقع عسكرية داخل "إسرائيل"، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين. كما أصابت الصواريخ الإيرانية مباني حكومية وسفارات أميركية، ما زاد من تعقيد المشهد.
هل شاركت أميركا بشكل مباشر في الحرب؟
رغم التصعيد العسكري الكبير بين الطرفين، لم تتخذ الولايات المتحدة قرارًا بالمشاركة المباشرة في القتال حتى الآن. التصريحات الرسمية الأميركية تشير إلى موقف حذر ومتوازن، حيث تؤكد واشنطن دعمها لـ"إسرائيل" سياسيًا وعسكريًا، لكنها تنفي المشاركة الفعلية في العمليات القتالية داخل إيران. المسؤولون الأميركيون أكدوا أنهم لم يقدموا المساعدة أو يشاركوا في الضربات الجوية الإسرائيلية، رغم تلقيهم معلومات مسبقة عنها.
الولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب، مع تعزيز دفاعاتها الجوية في المنطقة واعتراض بعض الصواريخ الإيرانية التي كانت تستهدف "إسرائيل"، كما حدث في بعض الهجمات الأخيرة. هذا الدعم الدفاعي لا يعني تدخلًا مباشرًا في الحرب، بل هو جزء من حماية المصالح الأميركية وحلفائها في الشرق الأوسط.
التحليل السياسي والجيوسياسي لموقف أميركا
القرار الأميركي بعدم التدخل المباشر يعكس حسابات جيوسياسية معقدة:
- تكلفة الحرب على أميركا: حرب مباشرة مع إيران ستكون مكلفة عسكريًا واقتصاديًا، وقد تجر الولايات المتحدة إلى صراع طويل الأمد في منطقة حساسة، ما قد يؤثر على استقرار أسواق النفط العالمية ومصالحها الاستراتيجية.
- الحفاظ على التحالفات: دعم "إسرائيل" من دون الدخول في مواجهة مباشرة يسمح لأميركا بالحفاظ على تحالفاتها الإقليمية والدولية من دون تصعيد يهدد استقرار المنطقة بشكل كامل.
- الرغبة في التهدئة والدبلوماسية: تصريحات القيادة الأميركية تشير إلى رغبة في تجنب حرب شاملة، مع فتح قنوات دبلوماسية للتهدئة، وهو ما يعكس رغبة في إدارة الأزمة بشكل يحفظ مصالح أميركا من دون خسائر ميدانية كبيرة.
- مخاوف من تصعيد إقليمي: تدخل أميركي مباشر قد يؤدي إلى ردود فعل إقليمية واسعة، بما في ذلك من حلفاء إيران في المنطقة، ما قد يوسع نطاق الحرب ويزيد من تعقيدها.
ضعف القدرات الإسرائيلية أمام إيران
رغم التفوق الجوي الإسرائيلي والضربات الاستراتيجية التي نفذتها، إلا أن "إسرائيل" تواجه تحديات كبيرة في تحقيق أهداف الحرب:
- العمق الجغرافي الإيراني: إيران تمتلك مساحة جغرافية واسعة ومنشآت نووية وعسكرية محمية تحت الأرض، ما يصعّب على "إسرائيل" تدميرها بالكامل بضربات جوية فقط.
- القدرات الصاروخية الإيرانية: تمتلك إيران ترسانة صاروخية بالستية متطورة، قادرة على استهداف مناطق واسعة داخل "إسرائيل" بدقة، وقد أطلقت حتى الآن عدة موجات من الصواريخ التي أحدثت أضرارًا كبيرة رغم اعتراض الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
- الالتفاف الشعبي الإيراني: الهجمات الإسرائيلية أدت إلى توحيد الشعب الإيراني حول الدولة، حتى المعارضة الداخلية أظهرت دعمًا للنظام في مواجهة العدو الخارجي، ما يعزز من صمود إيران في هذا الصراع.
تصريحات نتنياهو وترامب
رئيس الوزراء الإسرائيلي أكد ضرورة تحقيق "انتصار حاسم" في الحرب، مشيرًا إلى أن الضربات الإسرائيلية كانت "جراحية" وتهدف إلى منع إيران من تطوير أسلحة نووية. لكنه أقر ضمنيًا بصعوبة تحقيق هذا الهدف سريعًا بسبب القدرات الإيرانية المتطورة.
أما الرئيس الأميركي السابق فقد أبدى موقفًا أكثر حذرًا، داعيًا إلى "سلام قريب" وتحذير إيران من عواقب التصعيد، لكنه لم يدعم فكرة تدخل أميركي مباشر، مع تأكيده دعم "إسرائيل" في إطار حماية المصالح الأميركية. تصريحات القيادة الأميركية تعكس رغبة في إدارة الأزمة من دون تصعيد عسكري شامل، مع ترك الباب مفتوحًا للحلول الدبلوماسية.
الإمكانات الأميركية وتأثير الحرب على أميركا
الولايات المتحدة تمتلك قدرات عسكرية ضخمة في المنطقة، بما في ذلك قواعد عسكرية متقدمة وأنظمة دفاع جوي متطورة. لكنها تفضل استخدام هذه الإمكانات في إطار ردع إيراني وحماية حلفائها، لا في خوض حرب مباشرة. التدخل الأميركي المباشر قد يؤدي إلى:
- استنزاف الموارد العسكرية والمالية.
- تعقيد الوضع السياسي الداخلي الأميركي.
- تصعيد الصراع ليشمل دولًا أخرى في المنطقة.
- تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي، خاصة أسعار النفط.
لذلك، تركز واشنطن على دعم "إسرائيل" بوسائل غير مباشرة، مثل توفير معلومات استخبارية واعتراض الصواريخ، مع محاولة إبقاء الباب مفتوحًا للحلول السياسية.
القدرات الإيرانية والالتفاف الشعبي
إيران أظهرت قدرة عالية على الصمود في وجه الضربات الجوية الإسرائيلية، مع استمرار إطلاق الصواريخ والهجمات الجوية على "إسرائيل". الحرس الثوري الإيراني أعلن عن موجة تاسعة من عملياته العسكرية ضد "إسرائيل"، مؤكدًا استمرار الردود العسكرية بشكل متواصل.
الالتفاف الشعبي الإيراني حول الدولة في هذه المرحلة يعكس قوة النظام في مواجهة الضغوط الخارجية، حيث إن الحرب أدت إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وتراجع المعارضة الداخلية مؤقتًا، ما يمنح النظام الإيراني قوة إضافية في الصراع.
الخلاصة
تحليل المعطيات الراهنة يشير إلى أن الولايات المتحدة لم تتخذ قرارًا بالمشاركة المباشرة في الحرب القائمة بين "إسرائيل" وإيران، رغم الدعم السياسي والعسكري غير المباشر لـ"إسرائيل". الهدف الأميركي الحقيقي يكمن في حماية مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ودعم حلفائها، وتجنب حرب شاملة قد تؤدي إلى تداعيات كارثية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
"إسرائيل" تواجه تحديات كبيرة في تحقيق أهدافها بسبب القدرات الإيرانية المتطورة والعمق الجغرافي لإيران، إضافة إلى الالتفاف الشعبي الإيراني حول الدولة. إيران بدورها تستغل الحرب لتعزيز وحدتها الداخلية والرد بقوة على الهجمات الإسرائيلية، ما يجعل الصراع مستمرًا ومعقدًا.
في ظل هذه المعطيات، يبقى الحل السياسي والدبلوماسي هو الخيار الأمثل لتجنب تصعيد أكبر، مع مراقبة دقيقة من قبل الولايات المتحدة التي تحاول إدارة الأزمة بحذر من دون الانزلاق إلى حرب مباشرة.