إردوغان ونتنياهو ..القدس لمن؟

الإعلام الموالي لإردوغان يهدّد ويتوعّد نتنياهو،  ويسعى لتسويق القدس كقضية دينية وقومية وتاريخية بالنسبة إلى تركيا والأتراك، ولاسيما أتباع الرئيس إردوغان.

0:00
  • يتمادى ترامب  في دعمه للمجرم نتنياهو.
    يتمادى ترامب  في دعمه للمجرم نتنياهو.

عندما كان زعماء الدول العربية والإسلامية يتسابقون فيما بينهم للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على الدوحة، كانت القوات الإسرائيلية تتوغل في الوقت نفسه داخل قطاع غزة براً مع قصف عنيف يؤدي يومياً إلى مقتل ما لا يقل عن مئة فلسطيني.

ومن دون أن يكون ذلك كافياً لتحريك وجدان وضمير الزعماء العرب والمسلمين الذين " استنكروا وبشدة"، ولكن بشيء  من الخجل والخوف، جرائم الكيان الصهيوني الذي لم ولا ولن يتردد في استهداف أي من الدول العربية والإسلامية، حتى إن كان زعماؤها من الموالين له أو المتحالفين معه، سراً كان أم علناً.

وكالعادة، وبخيبة أمل الشعوب العربية من هذه القمة، التي كان وما زال لدولها، بمعظمها، علاقات دبلوماسية واقتصادية، وأحياناً عسكرية وأمنية مع "تل أبيب". لم يتأخر المجرم نتنياهو في الاستهزاء، بل وحتى الاستهتار، ببيان القمة الساقطة حكماً، فاستمر في وعيده وتهديده للدول العربية والإسلامية وقال لها  "ياعرب ويا مسلمين أرجوكم أن تفهموني فأنا قادم لأدمّر دولكم وشعوبكم جميعاً، ثم اجعل منكم عبيداً لدولة إسرائيل الكبرى والعظمى بعاصمتها الموحدة القدس" .

ومن دون أن ينسى نتنياهو أن يشكر الرئيس ترامب لاعترافه  في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة تاريخية ودينية لدولة "إسرائيل" وليهود العالم، ثم قراره بنقل سفارته من "تل أبيب" إليها. وهو ما استنكره الرئيس إردوغان آنذاك بصفته رئيس منظمة التعاون الإسلامي فدعا إلى قمة عاجلة في إسطنبول، ولكن لم يحضرها إلا العدد القليل من الزعماء؛ بسبب خلافات أنقرة  آنذاك مع القاهرة  والعديد من عواصم الخليج.

وربما لهذا السبب أراد نتنياهو أن يعيد إلى الأذهان خلافاته مع الرئيس إردوغان فذكره بالاسم دون أي زعيم آخر وقال له "إن القدس مدينتنا يا إردوغان وليست مدينتك،  وستبقى  موحدة  عاصمة لدولة إسرائيل وإلى الأبد".

وجاء الرد التركي على كلام نتنياهو على لسان الرئيس إردوغان نفسه، الذي عاد وهدّد نتنياهو وشبّهه بهتلر مذكّراً إيّاه بحماية الدولة العثمانية للقدس، وقال "إننا لن نسمح لك ولأمثالك أن تدنسوا طهارة وكرامة القدس الشريف" .

بدوره، قال زعيم حزب الحركة القومية دولت باخشالي وهو حليف إردوغان "القدس قضية قومية استراتيجية بالنسبة إلى تركيا"، وأكّد "ضرورة الرد الحازم على استفزازات نتنياهو"، وقال "إن سقوط القدس وسيطرة  إسرائيل عليها بالكامل سيؤديان حتماً  إلى سقوط أنقرة، وأن الاستفزاز والتصعيد الإسرائيليين باتا  يشكلان تهديداً خطيراً على المنطقة برمتها".

الإعلام الموالي لإردوغان يهدّد ويتوعّد نتنياهو، ويسعى لتسويق القدس كقضية دينية وقومية وتاريخية بالنسبة إلى تركيا والأتراك، و لاسيما أتباع الرئيس إردوغان الذين رفعوا بعد سقوط نظام الأسد "اليوم أصبحنا في دمشق وقريباً في القدس".

 وأما  زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزكور أوزال فدعا إردوغان إلى "الكفّ عن التصريحات النارية غير الجادة"، وناشده "اتخاذ مواقف عملية ضد إسرائيل بما في ذلك  قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية المستمرة معها، وإغلاق الأنابيب التي تنقل النفط الأذربيجاني إلى ميناء جيهان التركي ومنه إلى حيفا".

واتهم أوزال الرئيس إردوغان "بعقد صفقات سرية مع الرئيس ترامب وعلى حساب غزة" وقال "إن نجل الرئيس ترامب جونيور ترامب جاء إسطنبول  السبت ( 13 أيلول/ سبتمبر ) والتقى إردوغان سراً، وبحث وإيّاه العديد من المواضيع المهمة بما فيها الوضع في غزة وسوريا والتوقيع على صفقات تجارية ضخمة"، وأضاف مخاطباً إردوغان "إذا كنت جاداً في حديثك عن التضامن مع  غزة فتعال نذهب جميعاً إلى هناك، ونتحدى نتنياهو وترامب ومن معهما. وسأستقبلك شخصياً في مطار أنقرة لدى عودتك إلى تركيا لأحييك إذا  تجرأت خلال لقائك الرئيس ترامب في البيت الأبيض ووصفت نتنياهو بأنه مجرم وقاتل، ويرتكب جرائم حرب وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني". 

وجاء الاتصال  الهاتفي الذي أجراه ترامب فجأة مع الرئيس إردوغان ليؤكد صحة معلومات أوزال، إذ قال ترامب  إنه "سيلتقي إردوغان في البيت الأبيض 25 الشهر الجاري ليوقّع معه على العديد من الصفقات التجارية المهمة، ويبحث معه الوضع في سوريا وغزة"، وربما بعد أو قبل  يوم من لقائه الشرع ونتنياهو.

أوساط المعارضة عموماً تتهم الرئيس إردوغان بعدم المصداقية خلال حديثه عن غزة وفلسطين والقدس،  وتذكّره بالزيارة التي قام بها إلى "إسرائيل" عندما كان رئيساً للوزراء في 2 مايو/ أيار 2005 حيث لم يعترض على  حديث شارون الذي قال له آنذاك وأمام الكاميرات "أهلاً بك في القدس عاصمة دولة إسرائيل الأبدية والتاريخية".

كما التقى إردوغان، وفي جو ودّي، نتنياهو في 20 أيلول/ سبتمبر 2023 في نيويورك، واتفقا على فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وكادت أن تبدأ عملياً زيارة نتنياهو إلى تركيا لولا أحداث  "طوفان الأقصى" وسبقتها زيارة الرئيس الإسرائيلي  هرتسوغ إلى أنقرة في مارس/ آذار 2022.

لم تمنع كل هذه المعطيات والمعلومات بما فيها التوتر بين إردوغان وشمعون بيريز في دافوس في 29 كانون الثاني/ يناير 2009  ثم الهجوم الإسرائيلي في 31 مايو/ أيار 2010  على سفينة مرمرة المتوجهة إلى غزة، الرئيس ترامب من العمل على تحقيق المصالحة الاستراتيجية  بين الحليفين تركيا و "إسرائيل" مع استمرار الحديث عن اتفاق سوري - إسرائيلي وشيك برعاية أميركية  وعلم  الرئيس إردوغان، وحسب تصريحات سابقة للرئيس ترامب.

ودفعت هذه التطورات السريعة إردوغان، وهو اللاعب الرئيسي في سوريا، إلى إرسال  رئيس مخابراته إبراهيم كالين فجأة إلى دمشق (الاربعاء 17 أيلول/سبتمبر ) ليلتقي الشرع الذي يتعرض لضغوط إقليمية ودولية متضاربة، وتتوقع له أن يوقع  على اتفاقية الاستسلام ( ليس السلام )  مع الكيان الصهيوني  مقابل  رفع العقوبات  وضمان الدعم الأميركي بعد السماح له بالمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة  الأربعاء (29-9).

 وسط معلومات تتوقع له أن يلتقي نتنياهو وترامب في البيت الأبيض، الذي وضع العديد من المشاريع والخطط لإعادة رسم خريطة المنطقة وفق مصالح "تل أبيب" وواشنطن ومن سيكون في خدمتهما معاً.

وسيشجع هذا الاحتمال، إن تحقق، نتنياهو على التمادي في عدوانه، ليس فقط على غزة فحسب، بل لبنان وسوريا واليمن وإيران، وأي بلد آخر بما فيها تركيا التي تقوم الشركات الروسية ببناء مفاعلات نووية فيها، وهو ما قد يزعج "تل أبيب" التي لم ولن تتردد في استهداف هذه المفاعلات، كما فعلت  في العراق وإيران بل وحتى في سوريا عندما قصفت مبنى في دير الزور في أيلول 2007 بحجة أنه سيكون مركزاً للدراسات النووية.

في الوقت الذي يتحدث فيه الإعلام الأميركي والأوروبي باستمرار عن صفقة  محتملة بين أنقرة و "تل أبيب" تحدد ملامح الدورين التركي والاسرائيلي  في سوريا والمنطقة التي إما  أن تتضارب فيها مصالح الطرفين (حدود إسرائيل الكبرى تشمل نصف تركيا)  أو تلتقي برعاية واشنطن التي ترى في  أنقرة و "تل أبيب" اثنين من أهم حلفاء أميركا.

في الوقت الذي يستمد فيه الطرفان التركي والإسرائيلي قوتهما من مواقف الأنظمة العربية التي أثبتت  جميع قممها، كما هي الحال في الدوحة، أن معظم الحكام الذين شاركوا فيها يتهربون من أي توتر شخصي أو رسمي مع نتنياهو ونظامه الإجرامي المدعوم من الرئيس ترامب.

ويتمادى ترامب  في دعمه للمجرم نتنياهو، وعلى الرغم من التغيير المفاجئ في مواقف معظم العواصم الأوروبية وأهمها مدريد، التي لم تعد تتحمّل تواطؤ الأنظمة العربية والإسلامية فراحت تسعى من أجل مواقف أكثر إنسانية وتحت ضغوط شعوبها الشريفة  التي عبّرت و ما زالت  تعبّر منذ "طوفان الأقصى" عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني.

ومع الأسف، تخلت معظم الشعوب العربية والإسلامية عنه، وباتت  تئن جميعاً  تحت وطأة استبداد  الأنظمة العميلة  التي تآمرت وما زالت ليس فقط على شعوبها بل على كل الشرفاء والمخلصين والأوفياء من شعوب الدول الأخرى الذين صمدوا وناضلوا وضحوا بالغالي والنفيس من أجل فلسطين وقدسها الشريف الذي ينادي بل يصرخ وبصوت عال وحزين " يا معتصماه إلى متى ستبقى آذانك صمّاء  وقلبك من حجر"!