بعد التهديد باحتلال غزة.. هل وصلت المفاوضات لطريق مسدود؟ (3/2)

هل وصلت المفاوضات في غزة إلى طريق مسدود؟ أم أنّ أطراف التفاوض لا تزال تناور وتستخدم مختلف أساليب التفاوض كتكتيك لتحقيق أهدافها؟

0:00
  • الطرف الفلسطيني حافظ على نقاط القوة التي امتلكها منذ بداية الحرب.
    الطرف الفلسطيني حافظ على نقاط القوة التي امتلكها منذ بداية الحرب.

تشهد المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل" حالة من الجمود بعد الانسحاب المفاجئ للطرف الأميركي في الجولة الأخيرة في الدوحة وتحميل المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف الطرف الفلسطيني مسؤولية إجهاض المفاوضات، بسبب تعنّت الموقف الفلسطيني بحسب وصفه، كما سحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفده المفاوض من الدوحة، وسرّبت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنّ نتنياهو يتجه لاتخاذ قرار باحتلال قطاع غزة بالكامل، بينما رفض الجانب الفلسطيني العودة إلى طاولة التفاوض في ضوء استمرار المجاعة في قطاع غزة واستخدام ورقة المساعدات الإنسانية للابتزاز التفاوضي. فهل وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود؟ أم أنّ أطراف التفاوض لا تزال تناور وتستخدم مختلف أساليب التفاوض كتكتيك لتحقيق أهدافها؟

اعتمد الطرف الأميركي عبر جولات التفاوض تكتيكات تفاوضية مختلفة، هدفت بالأساس للضغط على الطرف الفلسطيني، وممارسة سياسة الضغط على طرفي الوساطة مصر وقطر ليمارسا ضغوطهما على الطرف الفلسطيني لتقديم تنازلات.

ومنذ تولّيه الرئاسة الأميركية، شارك الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً في استخدام أسلوب التهديد والوعيد للطرف الفلسطيني، بل ورفع سقف التهديدات عالياً عندما استخدم ورقة تهجير مواطني غزة، ما اعتبره الطرف العربي ولا سيما مصر تهديداً مباشراً لها، كما لجأ ترامب إلى أسلوب التهديد بفتح أبواب الجحيم في حال لم تطلق المقاومة سراح الأسرى الإسرائيليين، وفي مختلف مراحل التفاوض لجأ الطرفان الأميركي والإسرائيلي إلى أسلوب فرض الأمر الواقع بتقديم أوراق للطرف الفلسطيني بصيغة، خذه أو اتركه، حتى لا تتيح المجال للتعديل، وفي مراحل المفاوضات كافة لم يتخلَّ الطرفان الإسرائيلي والأميركي عن أسلوب التهديد للطرف الفلسطيني بفتح أبواب الجحيم والتهجير واحتلال قطاع غزة بالكامل واغتيال القيادات الفلسطينية في الخارج، في حال رفض الشروط الإسرائيلية.

الطرف الفلسطيني استخدم أسلوب التهديد عبر الأوراق التي يمتلكها مثل، التهديد بفقدان الأسرى وتحويل مصيرهم إلى مصير يشبه الجندي الإسرائيلي رون أراد المفقود منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، والتهديد باستمرار استنزاف قوات "الجيش" الإسرائيلي، والتهديد بأسر المزيد من الجنود، كما عرضت المقاومة مؤخراً مشاهد مصوّرة لحالة جنود أسرى تظهر انعكاس سياسة التجويع التي تمارسها "إسرائيل" على جنودها الأسرى، وذلك بهدف تحريك الرأي العامّ الإسرائيلي للضغط على المستوى السياسي للتقدّم نحو إبرام الصفقة والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

 كما ادّعى الطرف الإسرائيلي أنه الطرف الذي يقدّم تنازلات، ويتهم الطرف الآخر بالتعنّت، من خلال الادّعاء بالتراجع عن بعض "الإنجازات" الميدانية على الأرض مثل: ملف الخرائط، والانسحاب، والملف الإنساني. وفي المقابل يؤكّد الطرف الفلسطيني أنه تعامل بمرونة في ملف تبادل الأسرى وتراجع عن بعض المواقف المتعلّقة بالانسحاب في محاولة لتقليص الفجوات بين الطرفين بيد أنّ الطرف الإسرائيلي لا يزال يراوغ في ملف إنهاء الحرب والتعهّد بوقف إطلاق نار دائم.

 استخدم الطرف الفلسطيني الأداة الاعلامية لفضح جريمتي الإبادة والتجويع والتي نجحت من خلالها في عزل وفضح "إسرائيل" دولياً، واهتزاز صورتها على مستوى العالم. الأمر الذي أدى إلى إجبار الدول الحليفة تقليدياً معها كبريطانيا وفرنسا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقيام أغلب الدول الأوروبية بالتهديد باللجوء لفرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية.

تقييم الموقف التفاوضي

يعتمد الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني على عدد من نقاط القوة لتحقيق أهدافهما، كما يسعى كلّ طرف لاستغلال نقاط الضعف في الطرف الآخر؛ فالطرف الإسرائيلي يتفوّق عسكرياً، ولديه تحالف استراتيجي مع القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة التي وفّرت له كلّ ما يلزم من دعم عسكري وسياسي ومالي، وعلى الرغم من فائض القوة والاختلال الكبير في موازين القوة لصالحه، إلا أنه عانى من نقاط ضعف تمثّلت في الفشل في استعادة الأسرى وعدم قدرته على إخضاع المقاومة رغم الخسارة الفلسطينية البشرية والمادية الهائلة، وخسارة الشرعية الدولية، وفقدان دعم غالبية الجمهور الإسرائيلي للحرب، والتراجع الحادّ في تأييد "إسرائيل" على المستوى العالمي، وإرهاق "الجيش" واستنزافه.

الطرف الفلسطيني حافظ على نقاط القوة التي امتلكها منذ بداية الحرب، وهي:

- ورقة الأسرى

-  الصمود على الأرض

- استنزاف "الجيش"

-  الاستفادة من معركة الصورة وفضح العدو.

بيد أنّ نقاط الضعف ما زالت ترهق كاهل الطرف الفلسطيني، أبرزها:

-  الكارثة الإنسانية الممثّلة بالإبادة الجماعية والتجويع والتدمير الشامل في قطاع غزة.

-  غياب الظهير السياسي وضعف الدعم والمساندة العسكرية.

- ضعف الإسناد الفلسطيني في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتل.

- غياب المشاركة الشعبية العربية الداعمة للفلسطينيين باستثناء الحالة اليمنية.

-  الانقسام الفلسطيني.

 في ضوء تحليل الموقف التفاوضي لمختلف الأطراف ولا سيما موقفا طرفي الصراع، فإنّ الطرف الإسرائيلي يمتلك بدائل قد يلجأ إليها في حال وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، مثل احتلال قطاع غزة بالكامل، أو الاستمرار في حرب الإبادة بشكلها الحالي لفترة طويلة مع تغيير في أنماط الحرب عبر المناورة البرية في مناطق يعتقد أنها تشكّل خطراً على حياة الأسرى، الأمر الذي يعني احتمالية مقتل جنوده الأسرى، والذي سيحرم الطرف الفلسطيني أقوى نقطة قوة يمتلكها وهي ورقة الأسرى، بيد أنها ستؤدّي إلى غضب إسرائيلي داخلي عارم، وستعدّ فشلاً ذريعاً في تحقيق أحد أهمّ أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة.

البدائل لدى الطرف الفلسطيني محدودة في حال فشل المسار التفاوضي، بيد أنه يستطيع الاحتفاظ بورقة الأسرى والرهان على استمرار المقاومة واستنزاف القوات الغازية، إلى جانب تحشيد الرأي العامّ والضغط الدولي على المستويين الرسمي والشعبي.

 على الرغم من تعقيد المشهد التفاوضي، فإنه يمكن التوصّل إلى حلّ وسط في حال تخلّى الطرف الإسرائيلي عن هدف إخضاع المقاومة عبر الاستسلام أو قبول نزع سلاحها وإبعاد كوادرها، وحلّ الوسط الممكن يتمثّل في الاتفاق على صفقة شاملة والتخلّي عن مسار المفاوضات الجزئية، بما يفضي لإنهاء الحرب، وتبادل للأسرى متفق عليه وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وإدخال الإغاثة والإعمار، وتشكيل هيئة فلسطينية مستقلة لإدارة قطاع غزة ما بعد الحرب لا تنتمي للفصائل الفلسطينية، الأمر الذي سيمكّن كلّ طرف من تسويق إنجازاته ومكتسباته في الحرب كانتصار.