ذريعة "حماية الأقلية الدرزية السورية".. باطلٌ إسرائيلي يرادُ به باطل

تطمح "إسرائيل" عبر سياسة العصا والجزرة، إلى سلب الدروز هويتهم العربية، مستفيدة من الفوضى الأمنية والتحريض الطائفي الذي يبثّه البعض ضد الدروز ليعزّز بذلك خوفهم من إخوانهم العرب السوريين.

  • هل ينجح نتنياهو، باختطاف الدروز إلى موقع غير موقعهم التاريخي؟
    هل ينجح نتنياهو، باختطاف الدروز إلى موقع غير موقعهم التاريخي؟

أثار توجّه نحو 100 رجل دين درزي من جنوب سوريا إلى "إسرائيل" في زيارة غير مسبوقة، تلبيةً لدعوة الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في "إسرائيل"، جدلاً واسعاً وانتقادات شديدة في ظلّ محاولات الاستقطاب الإسرائيلي للدروز والانقسامات بين مشايخ العقل. تأتي هذه الخطوة بعد تصريحات إسرائيلية تعهّدت بحماية الدروز في سوريا، مما زاد من حساسية الموقف وأثار تساؤلات حول أبعاد الزيارة وتداعياتها.

كما أنّ "إسرائيل" استبقت هذه الزيارة بخطوات متعدّدة هدفت إلى استمالة الدروز بالحوافز والإغراءات المادية من المساعدات الغذائية والطبية إلى المشاريع التنموية كبناء المدارس والمستشفيات وتمديد شبكات الكهرباء والمياه، ناهيك عن السماح للعمال السوريين الدروز بالعمل في "إسرائيل" في خطوة غير مسبوقة من قيادتها. فما الذي يجعل "إسرائيل" اليمينية المُتطرّفة "تذرفع الدموع" على الدروز وتبدي كلّ هذا القدر من "التعاطف والإنسانية" تجاههم؟.

لا شكّ بأنّ الزيارة التي قيل بأنها "دينية" تحمل في طياتها أبعاداً بل أطماعاً سياسية إسرائيلية تكاد لا تُخطئها العين، ولا سيما أنها تضمّنت لقاءً مع مرجعية درزية، يراها البعض، موالية للاحتلال في الداخل الفلسطيني، والأهم استغلال الإعلام الإسرائيلي تلك الزيارة وإظهارها بأنها تأتي ضمن سياق "هرولة" الأقليات في سوريا إلى طلب الحماية من "تل أبيب". 

بين شكل الزيارة ومضمونها، يكمن واقع درزي بات يرتاح إليه الإسرائيلي، ويتمثّل في حالة التشظّي التي أصابت الطائفة الدرزية، خصوصاً بعدما سقط نظام الأسد، حيث تستغلّ "إسرائيل" إلى الحدّ الأقصى الممكن الأجواء الأمنية التي نشأت في سوريا لتلعب على وتر الظروف المعيشية الصعبة للبلدات الدرزية بهدف تحقيق مآربها بالتوسّع والسيطرة، وهي التي لم تكتفِ بتوسيع رقعة احتلالها للأراضي السورية، بما في ذلك المنطقة السورية العازلة، وتدمير آليات ومعدات وذخائر الجيش السوري عبر مئات الغارات الجوية، وتدمير أصول ومقدّرات الدولة السورية والبنى التحتية، بل لجأت للّعب بورقة الأقليات وذريعة "حمايتها" لاختراق النسيج السوري وتفتيته.

شكّلت الاشتباكات التي وقعت بين مسلحين من الطائفة الدرزية وقوات الأمن السورية في منطقة جرمانة ذات الأغلبية الدرزية في بداية آذار/مارس، بالإضافة إلى الأحداث الدامية الأخيرة في منطقة الساحل السوري، ذريعة "إسرائيل" لتصعيد مخطّطها في سوريا من بواية "حماية الدروز". والواضح من سلوك الحكومة الإسرائيلية وتصريحات مسؤوليها أنها تحاول استغلال الدروز لتحقيق أهداف استراتيجية والتدخّل بما يتجاوز الوجود العسكري الإسرئيلي في سوريا، ويكشف عن محاولتها استغلال القلق من طبيعة النظام الناشئ لتبرير بقائها في الأراضي السورية التي احتلتها عقب سقوط نظام الأسد وتبرير استمرار الاعتداءات الإسرائيلية والتدخّل والعبث في سوريا لتحقيق الآتي:

أولاً: تستغلّ "إسرائيل"، التي لم تكن يوماً حريصة على حقوق الأقليات، هذه الزيارة الدينية كأداة لزرع الانقسام في الصف الوطني السوري، وتسعى لاستخدام الطائفة الدرزية كخطٍ دفاعي لتحقيق مصالحها التوسّعية في الجنوب السوري، فادّعاء "إسرائيل" حماية الدروز، ذريعة واهية لا تخدم سوى أطماعها التوسّعية في سوريا.

ثانياً: وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية فإن "إسرائيل" تسعى كذلك إلى إقناع دروز سوريا برفض الحكومة الجديدة في دمشق والمطالبة بحكم ذاتي ضمن نظام فدرالي، وإنها تخطط لإنفاق أكثر من مليار دولار لتحقيق هذه الغاية. فالتدخّل في شؤون دروز سوريا من بوابة "القلق الأمني" يأتي لتعزيز خيار انفصالي يتمّ تمريره على حسابهم، وسيكون له تأثير كبير على هوية الدروز وتاريخهم ومستقبلهم وعلاقتهم مع العالمين العربي والإسلامي. فـ "إسرائيل" تراهن على أنّ الطائفة الدرزية ستستغلّ حالة عدم الاستقرار لتطالب بحكم ذاتي موسّع في المناطق التي تشكّل فيها أغلبية، خاصة في جنوب سوريا. 

ويرى قادة "إسرائيل" إمكانية تعزيز طموحهم "بالحصول على حكم ذاتي كبير، وربما حتى إلى نوع من الدولة الدرزية في جنوب سوريا". وبعد أن أرسل نتنياهو رسالة إلى دمشق الأسبوع الماضي، قائلاً إن "إسرائيل" تطالب بمنطقة جنوب سوريا منزوعة السلاح، يبدو أنّ الطريقة الفعلية التي تنوي "إسرائيل" من خلالها فرض هذا الأمر هي عبر عقد "عهد دم" مع الدروز في سوريا، كما هو الحال مع الدروز في "إسرائيل".

وبحسب تقارير عديدة في سوريا، فإنّ كبار المسؤولين الإسرائيليين من الجيش والمجتمع الدرزي في "إسرائيل" على اتصال مستمر ونشط مع الدروز في سوريا. وبحسب التقارير الدولية تعمل "إسرائيل" على تشجيع إنشاء جناح مسلّح للدروز، بل إنها شجّعت دروز "جبل الدروز" على الاستيلاء على المطار المحلي في جنوب سوريا وإعلانه مطاراً "درزياً".

ثالثاً: ربما تسعى "إسرائيل" لجرّ بعض ضعفاء النفوس إلى حروب أهلية عبر تحريض دروز سوريا على وطنهم السوري، بما يساعد في تحقيق نيّات العدو الخبيثة بالتسلل إلى سوريا تحت العنوان الأمني، من خلال إثارة هواجس ومخاوف والبناء عليها وتدشين مرحلة تقسيم سوريا من بوابة الجنوب. الأمر ليس أمراً أمنياً كما تحاول "إسرائيل" تسويقه، بل يطال مستقبل سوريا الموحّدة من جهة، وحفظ الإرث الوطني السوري لأبناء جبل العرب، وإرثهم العربي والإسلامي الذي أسسوا له وحافظوا عليه على مرّ تاريخهم من جهة أخرى، إذ تحاول "إسرائيل" إضعاف الطائفة الدرزية من خلال محاولات لفصلها عن محيطها العربي والإسلامي لأهداف سياسية.

رابعاً: بات، على ما يبدو، الوضع جلياً بالنسبة إلى الجنوب السوري أيضاً، إذ يُفتّش الإسرائيلي على "حجّة" للبقاء لأجل غير مسمّى في المناطق التي وضعها تحت سيطرته بعد سقوط الأسد، لهذا قد يكون هذا الوفد الدرزي الزائر، الذي سلك الطريق التي استحدثها المحتل في الجولان السوري، قد أعطاه الذريعة نفسها. 

يهدف المخطط الإسرائيلي، بعدما سيطرت "تل أبيب" على مناطق واسعة، ونشرت قوات معززة من "الجيش"، وأقامت مواقع عسكرية، إلى تشكيل واقع جديد في سوريا يمنحها إمكانية المراقبة والسيطرة على مناطق واسعة، بذريعة ضمان أمن الحدود، ومنع وصول مقاتلين وتنظيمات معادية لها إلى نقاط قريبة من "حدودها" ومن مُرتفعات الجولان. حيث صرّح نتنياهو في 17 شباط/فبراير قائلاً "لن نسمح لقوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد بدخول الأراضي الواقعة جنوب دمشق. ونطالب بنزع السلاح الكامل من جنوب سوريا، في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء". كما حذّر نتنياهو من "استمرار تهديد المجتمع الدرزي وانتشار السلاح في محافظات جنوب سوريا".

على أية حال، يعتقد كثيرون أنّ التحرّكات الإسرائيلية في سوريا تنبع من قرار نشط لإحداث تغيير استراتيجي دراماتيكي في شمال "إسرائيل"، وأنّ التدخّل الإسرائيلي في سوريا لن ينتهي، وبالتأكيد ليس في وقتٍ قريب، حيث يؤكد كبار مسؤولي "الجيش" الإسرائيلي أن "البقاء هنا يفتح المجال للسيطرة على مساحات شاسعة في لبنان وسوريا، وهو أمر لم نكن نحلم بتحقيقه". 

وتؤكد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية كذلك أنّ المنطقة المواجهة لسوريا أصبحت مقسّمة إلى ثلاثة أجزاء؛ الأول هو المنطقة الأمنية داخل المنطقة العازلة على مسافة تصل إلى 15 كم من الحدود الإسرائيلية. والثاني يسمّى المنطقة الأمنية، وهي فعلياً تصل إلى خط الهضبة السورية، بعرض 15 كم وطول 80 كم، والجزء الثالث هو منطقة النفوذ، جنوب دمشق وحتى طريق دمشق - السويداء شرقاً. وبحسب كاتس، فإنّ كلّ إجراء تتخذه "إسرائيل" في لبنان وسوريا "يحظى بدعم أميركي"، مُلمّحاً إلى "أننا نتعامل أيضاً مع خيارات سياسية في سوريا". 

تطمح "إسرائيل" عبر سياسة العصا والجزرة، إلى سلب الدروز هويتهم العربية، مستفيدة من الفوضى الأمنية والتحريض الطائفي الذي يبثّه البعض ضد الدروز ليعزّز بذلك خوفهم من إخوانهم العرب السوريين، ويقوّي شوكة "الهويّة الدرزية الإسرائيلية" المُختلقة. يتجاهل هؤلاء، أن "إسرائيل" تميّز حتى بين اليهود أنفسهم، وأنها مهما منحت الدروز العرب من "حقوق"، فإنها لن تتخلّى عن أصل وجودها كـ "دولة" عنصرية لليهود دون غيرهم. 

ويتجاهل البعض أيضاً، أنّ هذا التكامل مع "إسرائيل" ينسف أصل فكرة حماية الأقليّة من أساسها، إذ يُحوّل الدروز إلى أعداء للعالمَين العربي والإسلامي، وهي الخديعة ذاتها؛ "حماية الدروز والسعي للحصول على حقوقهم" مقابل ثمنٍ باهظ على الدروز دفعه، ليس في سوريا فحسب، بل في كلّ المنطقة وقد يكلّفهم القبول بالارتهان للمشروع الصهيوني تاريخهم ومستقبلهم.

وبينما تحاول "إسرائيل" توظيف العلاقات مع الدروز كجزء من استراتيجيتها الإقليمية، يبدو أنّ دروز سوريا، خاصة في السويداء، يرفضون أيّ تدخّل خارجي ويتمسّكون بانتمائهم الوطني. وتكشف تصريحات بعض قياداتهم عن عمق الموقف الدرزي السوري، الذي يرفض أن يكون أداة في أيّ صراع إقليمي. وبينما تستمر "إسرائيل" في محاولاتها لتعزيز نفوذها في جنوب سوريا من خلال استغلال العلاقات مع الأقليات، يبقى موقف الدروز السوريين واضحاً: هم جزءٌ من النسيج السوري ولن يكونوا ورقة في أيّ لعبة سياسية، وهو ما عبّروا عنه في احتجاجات شعبية وبيانات أكدت رفضهم أيّ تدخّل إسرائيلي في الشؤون الداخلية السورية مجدّدين الدعوة إلى انسحاب "الجيش" الإسرائيلي من بلادهم. 

يبقى أن نرى كيف ستتعامل "إسرائيل" مع هذه التحدّيات، وكيف سيحافظ الدروز السوريون على هويتهم الوطنية في ظلّ التحدّيات الإقليمية المتزايدة!. فهل ينجح نتنياهو، باختطاف الدروز إلى موقع غير موقعهم التاريخي، أم يُفلح الدروز في تفويت الفرصة على أطماع "إسرائيل" في الجنوب السوري ووأد الفتنة في مهدها؟.