هل تقلق "إسرائيل" من سوريا الجديدة فعلاً؟

من الواضح أن "إسرائيل" تحاول ترسيخ واقع حرية خرق السيادة السورية في الوقت الذي تراه ملائماً. أما الذريعة، التي تُرفع بطاقةَ حمراء: "لن نقبل أن يتحول الجنوب السوري إلى جنوب لبناني آخر". 

0:00
  • يكثر الحديث عن أن
    يكثر الحديث عن أن "إسرائيل" تتخوف من تشكل محور تركي - سوري يهدد الهيمنة الإسرائيلية.

منذ سقوط النظام السوري السابق تواصل " إسرائيل" توعُّد النظام الجديد بالويل والثبور إن حاول الرد على اعتداءاتها وانتهاكاتها للأراضي السورية. فكانت النتيجة تدمير المقدرات العسكرية للدولة السورية، واحتلال مزيد من الأراضي، ومنها ما هو استراتيجي إلى حد قول وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال زيارته منطقة جبل الشيخ، التي لا تبعد سوى 40 كلم عن العاصمة دمشق، بأنه "عندما يفتح الجولاني عينيه كل صباح سيرى الجيش الإسرائيلي يراقبه من جبل الشيخ، وسيتذكر أننا هنا".

الوزير الإسرائيلي، وقبله رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لم يكتفيا بهذا القدر، وإنما أكدا، في أكثر من مناسبة، أن "تل أبيب" ستواصل السيطرة على المناطق المحتلة الجديدة، بصفتها "مناطق آمنة منزوعة السلاح". 

وليس ذلك فحسب، بل من الواضح أيضاً أن "إسرائيل" تحاول ترسيخ واقع حرية خرق السيادة السورية في الوقت الذي تراه ملائماً، على شاكلة اعتداءات يوم الثلاثاء (25 شباط/فبراير)، بحيث قصفت الطائرات الحربية مواقع عسكرية في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة. أما الذريعة، التي تُرفع بطاقةَ حمراء: "لن نقبل أن يتحول الجنوب السوري إلى جنوب لبناني آخر".

لكن، هل هذا ممكن في الحالة السورية مع حكام سوريا الجديدة؟ 

أولاً: رأس الحكم

منذ الأيام الأولى، يشدد من أصبح اليوم رئيساً انتقالياً لسوريا، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقاً)، على أنه ليس في وارد الدخول في حرب جديدة مع أحد، ولا نية له في ذلك، فالداخل السوري سيكون محور المرحلة الانتقالية المقبلة، باعثاً رسائل إلى الإسرائيلي كما الأميركي، مفادها أن "مصالحهما مفهومة في سوريا الجديدة" (للتذكير الولايات المتحدة ألغت مكافأة، قيمتها 10 ملايين دولار لاعتقال الجولاني، لكنها مددت قانون قيصر الذي يمس الشعب مباشرة إلى عام 2029).

وتقريباً، في كل مناسبة يتجدد الموقف ذاته، وإن عبر صيغ متعددة. على سبيل المثال، وتماشياً مع ما درج على السير فيه النظام السوري السابق، شدد الشرع، في القمة العربية الطارئة، التي عُقدت في القاهرة مؤخراً، على ضرورة العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا و"إسرائيل" لعام 1974. لكن، بخلاف النظام السابق، لم نعد نسمع العبارة الساخرة وحرفيتها "الرد في المكان والوقت المناسبين"، على الاعتداءات الإسرائيلية التي تواصلت أعواماً على سوريا، وإن بطريقة متقطعة. 

ثانياً: القاعدة اللصيقة والحاضنة للحكم الجديد

إذا عدنا إلى حاضنة الرئيس الانتقالي، فهي هيئة تحرير الشام، أي جبهة النصرة سابقاً. وبالعودة إلى تاريخ هذه الجبهة، يمكننا أن نغرف من الصحافة الغربية والإسرائيلية تقارير لا تُعَدّ ولا تُحصى عن العلاقة الوثيقة التي جمعت الجبهة بـ"إسرائيل"، وهي ليست إلا جزءاً من تنظيم القاعدة، الذي لم يستهدف "إسرائيل" يوماً. 

في هذه التقارير، مواد تتحدث عن تنفيذ "إسرائيل" ضربات جوية ضد الجيش السوري وحلفائه لمساعدة مقاتلي جبهة النصرة على التقدم، وأخرى تتحدث عن تقديم "إسرائيل" المال لشراء الطعام ولدفع الرواتب وشراء السلاح واللوجستيات. وتقارير مطوّلة تتحدث عن علاج عناصر الجبهة في مستشفيات "تل أبيب"، مدعَّمة بصور لنتنياهو وهو يزور جرحاهم. وكل ذلك يحدث تحت عنوان عريض "استقرار المنطقة الحدودية"!

ثالثاً: المناطق الجنوبية المحاذية لـ"إسرائيل"

أما بالنسبة إلى المناطق الجنوبية المحاذية لفلسطين المحتلة، حيث الأغلبية الدرزية، فمن الواضح وضع هذه البيئة تحت المجهر الإسرائيلي، عبر الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز في فلسطين المحتلة، موفق طريف، بهدف انتزاعها من حضنها الأصيل السوري، وضمها إلى الكيان المصطنع.

وما زيارة الوفد الدرزي السوري، بقيادة الرئيس الروحي للموحّدين الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، لمقام النبي شعيب في الأراضي المحتلة، إلا مقدمة لكسر ما كان محرَّماً في السابق. لا يجادل إثنان في وجود معارضة درزية لخطوة كهذه، وهذا ما تابعناه في البيانات الصادرة، لكنها عملياً تبقى كلامية حتى الساعة. وربما هنا نشير إلى أن طائفة الموحدين الدروز في سوريا هي في موقع لا تُحسَد عليه اليوم، فالعقلاء منها تشخص عيونهم إلى مجزرة الساحل السوري، وفي الوقت ذاته إلى المجازر الإسرائيلية في كل من فلسطين (وتحديداً غزة) والجنوب اللبناني.

وهنا يحق لنا أن نسأل ونتساءل: إذا كانت سوريا الجديدة فعلاً تعترض على زيارة عدد من مشايخ الدروز للأراضي المحتلة ("إسرائيل")، فلماذا لم تخرج إلى العلن، للقول إن هذه الزيارة تندرج تحت خانة "التعامل مع العدو"، وبالتالي "الخيانة الوطنية!!! 

رابعاَ: الدول الداعمة للحكم الجديد 

يكثر الحديث عن أن "إسرائيل" تتخوف من تشكل محور تركي - سوري يهدد الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة. ولأن النفوذ أمر والتهديد الأمني أمر مغاير كلياً، تُعَدّ ذريعة التخوف من محور تركيا - سوريا باطلة جملة وتفصيلاً، فتركيا دولة عضو في الناتو، كما أنها، على رغم الكلام الكثير بشأن دعم فلسطين، بصورة عامة، وغزة، بصورة خاصة، إلا أن تهديدات القيادة التركية بقيت من دون تأثير أو أثر في مجريات المجازر المرتكبة يومياً. وأكثر من ذلك، يذهب بعض التحقيقات إلى الحديث عن دور الوقود التركي في إطالة أمد حرب الإبادة على قطاع غزة. تكتب الـ  military watch   تحت عنوان: "تفاصيل بشأن دور أنقرة في تعزيز تل أبيب".

لذلك كله، يبدو أن سيناريو التفاهم البيني وتقاسم مناطق النفوذ بين "إسرائيل" وتركيا أقرب من الصراع بينهما في سوريا.

إذاً، لماذا التهديد الإسرائيلي صباحاً مساءً؟ 

بالمختصر، هو لذرّ الرماد في العيون، فـ"إسرائيل" تخطط تغيير الشرق الأوسط، وهذا الكلام صادر عن بنيامين نتنياهو نفسه، كما أنها عازمة على استكمال مشروعها، وهو "إسرائيل الكبرى"، وهذا يسهُل مع رمي القنابل الصوتية علّها تُعمي من هم ضعيفو النظر.