صراع ترامب -ماسك يعكس تناقضات في الحكم
الترامبية في حالة توتر دائم مع كل من النظام الذي انبثقت عنه والائتلاف الانتخابي ومجموعات رأس المال المختلفة التي تسعى إلى تمثيلها.
-
ترامب-ماسك وتضارب المصالح بينهما.
تمر الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب، بمرحلة جديدة. ليس من السهل اليوم التنبؤ بنتائجها العملية. هناك تطورات من شأنها أن تُزعزع الموازين في النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية.
لا شك في أن الولايات المتحدة هي القوة العسكرية والمالية والتجارية الأولى عالمياً، لكنها تتحرك حاليًا في ظل حالة من عدم اليقين الذي يقلب جميع المعايير. فهي تنسحب من الأمن الأوروبي على المستوى العالمي، وتعمق مفاوضاتها مع روسيا ومع دول تعتبر غير ديمقراطية، أما الصراع اليوم فهو بين الكتل الرأسمالية والمشاريع الأيديولوجية التي تتجاوز مؤسسات الدولة، وهي تتمظهر بالكتل الرأسمالية القائمة على الطاقة والصناعات الثقيلة ودعم السوق المحلية التي يمثلها دونالد ترامب، ورأس مال التكنولوجيا المعولم، ممثلاً بماسك، والمعتمد على التكنولوجيا الخضراء والبنية التحتية الرقمية وسلاسل التوريد العالمية.
صراع ترامب وإيلون ماسك ما هو إلا انعكاس لهذه الأزمة، بدا وكأنه مواجهة شخصية لكنه في الواقع يعكس التوترات الداخلية لعملية تحول وهيمنة أحد الأطراف.
أما التخفيضات التي حدثت للسيارات الكهربائية والطاقة النظيفة في الحزمة التشريعية التي قدمها ترامب إلى مجلس الشيوخ والتي اتخذ منها ماسك موقفاً علنياً، فهي لا تهدد شركاته فحسب، بل تهدد أيضاً التحول التكنولوجي للاقتصاد الأميركي. وقد أدت هذه الخطوة إلى اضعاف تحالف ترامب-ماسك.
الأزمة الاقتصادية 2008 وآثارها
لم تجرِ معالجة الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة منذ عام 2008 لذلك انعكس الأمر على المجتمع الأميركي حيث تعمق التفاوت الاجتماعي، وأصبحت سلاسل التوريد العالمية هشة، وتآكل أمن الطبقات الوسطى الاجتماعي والمادي.
كذلك تآكلت الشرعية الاجتماعية للنيوليبرالية، لكن بقيت أجهزتها التقنية وهياكل سياسات صندوق النقد الدولي وأنظمة منظمة التجارة العالمية التي تشكل هيكل الرأسمالية العالمية.
تحاول الترامبية تطوير خطاب شعبوي وثقافي-قومي، على هذه القاعدة، تحاول معالجة مطالب الشعب من خلال سد الثغرات المنهجية التي تشكك بعدم المساواة وتحاول سدّ فجوة الشرعية التي أوجدتها الهيمنة النيوليبرالية، وهذا سبب تناقض البنية الأيديولوجية للترامبية منذ البداية.
فالخطاب الشعبوي معادٍ للنخبة؛ لكن، الداعمين الرئيسيين لحركته هم الفئات المتميزة في نظام رأس المال القائم، على الطاقة والبناء والتمويل. وهو يدعو إلى الانغلاق القومي، لكنه يعبر أن دعم رأس مال التكنولوجيا المعولم ضروري في الوقت نفسه.
لذلك فإن الترامبية في حالة توتر دائم مع كل من النظام الذي انبثقت عنه والائتلاف الانتخابي ومجموعات رأس المال المختلفة التي تسعى إلى تمثيلها.
ترامب-ماسك وتضارب المصالح بينهما
التحالف بين ترامب وماسك هو تحالف براغماتي، التحالف بينهما كان تحالف الضرورة، علاقة ماسك مع الديمقراطيين لم تكن عظيمة، أصبح ماسك منفتحًا على وعود تخفيف القيود التنظيمية وخفض الضرائب.
وأعطى خطاب ترامب عن "الحكومة الصغيرة" و"تقليص البيروقراطية" وإلغاء القيود التنظيمية أرضية سياسية مواتية لماسك ولمبادراته التكنولوجية ولسياسات "حرية التعبير" خطابات ترامب فتحت مساحة كبيرة لماسك.
ومن ناحية أخرى، استفاد ترامب أيضاً من هذا التحالف. من خلال ماسك، وجد الفرصة لتقديم نفسه كقائد/حركة "منفتحة على الابتكار" و"غير مناهضة للتكنولوجيا" وأحيانًا "شاملة للمستقبل".
لكن هذه العلاقة كانت هشة، نمت إمبراطوريات ماسك التجارية بفضل الدعم الحكومي المباشر، ومنح البنية التحتية للطاقة وعقود ناسا والبنتاغون - كل هذه الموارد مكنت مشاريع ماسك من التوسع بسرعة.
حاول ماسك، تحقيق توازن عملي بين أعماله وبين طروحات ترامب، الدعوة إلى حكومة صغيرة ومكافحة البيروقراطية والسوق الحرة يتناقض مع النهج الذي يطالب بالإعانات وبإلغاء القيود، اصطدم بالخطاب الأيديولوجي للترامبية. فإذا كان رأس المال التكنولوجي المعاصر يعتمد بشكل كبير على دعم الدولة، فهو أراد الاستفادة منه وأيضاً الحفاظ على حيزه للعمل المستقل وتوسيعه.
من أعمق التناقضات وأكثرها هيكلية في تحالف ترامب-ماسك هو التوتر بين الاعتماد الهيكلي لقطاع التكنولوجيا الأميركي على العمالة الماهرة العالمية والنزعة القومية التي ينادي بها ترامب تعتمد صناعة التكنولوجيا الأميركية على تدفقات المواهب العالمية، سواء في الهندسة وتطوير البرمجيات، أم الذكاء الاصطناعي، أم عمليات التصنيع المتقدمة. وهي تتكئ على العمالة المهاجرة، ويتشابك أيضًا مع عمليات إنتاج المعرفة الأكاديمية والبحثية التي تتدفق من الجامعات إلى شركات التكنولوجيا.
في هذه المرحلة، تُعد نزعة الترامبية القومية المناهضة للهجرة ضربة مباشرة لجوهر هذه البنية.
الضغط على الجامعات
خطاب وممارسات الحركة الترامبية العامة المناهضة للجامعات والحرية الأكاديمية تتميز بصراع أعمق مع رأس المال التكنولوجي. تشكل جامعات مثل هارفرد وستانفورد المصدرين الأساسيين للمهاجرين/القوى العاملة المؤهلة تأهيلاً عالياً للنظام البيئي التكنولوجي الأميركي؛ من ناحية أخرى، فهي المراكز "النخبوية الثقافية" و"العولمة الليبرالية" في نظر قاعدة الترامبية.
لقد خفضت إدارة ترامب تمويل الأبحاث والدعم الفيدرالي لهذه المؤسسات وزادت الضرائب عليها. هذه السياسات هي أيضًا خطوات تهدد البنية التحتية لإنتاج المعرفة ومجموعة المواهب طويلة الأجل لرأس المال التكنولوجي.
التوتر الجيو-اقتصادي
يطالب رأس المال التكنولوجي الأميركي بحماية التقنيات الاستراتيجية. وهو يريد الحد من صعود الصين والحفاظ على التفوق الأميركي، ولا سيما في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات المتقدمة والتقنيات العسكرية الحساسة والبنية التحتية للبيانات. لهذا السبب دعم قادة التكنولوجيا بعض عناصر التعرفات الجمركية الترامبية وبعض القيود المفروضة على الصين.
ولكن في الوقت نفسه، ترتبط هذه الشركات بسلاسل التوريد وهو ارتباط وثيق، يتم الحصول على المعادن الرئيسية في بطاريات السيارات الكهربائية لشركة تسلا من الصين وجنوب شرق آسيا. تحصل سبيس إكس على العديد من مكوناتها من موردين دوليين. كما أن البنية التحتية ومراكز البيانات الخاصة بشركة إكس جزء من شبكات التكنولوجيا العالمية.
لذا، بينما يريد أشخاص مثل ماسك قيودًا استراتيجية على التكنولوجيا الصينية، فإنهم يريدون أيضًا حرية الوصول إلى السوق الصينية وسلاسل توريد متواصلة، فهم يريدون الحماية، لكنهم يعتمدون أيضًا على حرية التدفق العالمية وهذا يعكس تناقضاً.
إن مطلب رأس المال التكنولوجي بـ "حماية استراتيجية مع حرية عالمية" يتعارض مع الحمائية الأكثر شمولية التي ينادي بها ترامب.
في بيئة تتآكل فيها المؤسسات من غير الواضح على أي أساس يمكن إعادة الاستقرار السياسي. علاوة على ذلك، فإن هذا الغموض يجعل ليس فقط السياسة الداخلية الأميركية ولكن أيضًا التوازنات العالمية هشة بشكل متزايد.السؤال الحقيقي هو محاولة لفهم السياسة الأميركية اليوم وهو: ما مدى استدامة هذا الغموض كشكل من أشكال الحكم؟