من يؤجج الإسلاموفوبيا والكراهية في الغرب؟ ولماذا؟

ربما كان ردّ الفعل الإنساني والأخلاقي على الإبادة الجماعية وأهوالها وفظاعتها متوقعًا على هذا النحو، لكن غير المتوقع كان امتداد ثورة الوعي نحو التعرف على الإسلام وحضارته وقرآنه.

0:00
  • الإسلاموفوبيا ومنطق الكراهية في الغرب.
    الإسلاموفوبيا ومنطق الكراهية في الغرب.

أسفر اندلاع "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول 2023 وما تبعه من أحداث مفصلية، عن تحولات كبرى بمسار الصراع العربي- الصهيوني وقضية فلسطين.

فقد شهد العالم صحوة تناصر قضية فلسطين وتعي سردية النكبة الفلسطينية. صحوة شملت الجنوب العالمي، والأهم مراكز الميتروبوليتان الغربي وعواصمه ومدنه بمختلف أصقاع الغرب، طارحة بقوة أسوأ كوابيس الصهيونية: تجريم "إسرائيل" وإسقاط شرعية الوجود عنها، خاصة لدى الأجيال الجديدة. 

شارك في هذا التحول طيف واسع من أجيال الغرب، منهم ناجون من المحرقة النازية، ونقابات عمالية واسعة النطاق، وحقوقيون، وتيارات سياسية تقدمية، وشباب وشابات من عائلات صهيونية راسخة، يهودية وغير يهودية، وشبان الجيل زد Gen Z، كلهم تمردوا على الرواية الصهيونية وتحرروا من أكاذيبها. 

التعرف على الإسلام 

ربما كان ردّ الفعل الإنساني والأخلاقي على الإبادة الجماعية وأهوالها وفظاعتها متوقعًا على هذا النحو، لكن غير المتوقع كان امتداد ثورة الوعي نحو التعرف على الإسلام وحضارته وقرآنه، والبحث عن رؤيته الكونية للإنسان والعالم وإجاباته عن أسئلة الوجود، وقيم ومبادئ الحق ومعايير العدل. ومن ثمّ التماهي مع العدالة ونبذ الفاشية والإسلاموفوبيا والكراهية العنصرية والعدوانية الإمبريالية، كما تظهر مئات من مقاطع الفيديو عبر اليوتيوب ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي. 

وتحققت بعض أسوأ كوابيس الإمبريالية والصهيونية، أي أن تؤسس هذه الحراكات لموجة تحرر ثقافي واجتماعي وسياسي من براثن الرجعية الغربية واحتكار الثروة والسلطة والفساد السياسي والظلم الاجتماعي والانحطاط الأخلاقي، سعيًا نحو آفاق العدل والتراحم الإنساني، وتغيير وجه الغرب. فقد أحيت حركة التضامن مع فلسطين كافة ألوان الطيف الغربي الداعية للقيم الإنسانية والحريات الحقيقية والعدل الاجتماعي والتحرر الأخلاقي من الإمبريالية والعنصرية والاستغلال والنيوليبرالية وأحادية قطبية قبيحة طغت واستفحلت واستفردت بالعالم سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وأخلاقيًا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي واختفاء تحدياته للمنظومة الإمبريالية.  

لم تقتصر هذه الحراكات على استنكار الإبادة والدمار والتجويع والمطالبة بوقفها لإنقاذ المدنيين، بل تجاوز وعيها كذلك أكذوبة "حل الدولتين" بسماجتها وسفاهتها إلى مطالبة صريحة بـ"فلسطين حرة، من النهر إلى البحر". بل ظهرت معارضة جذرية في الغرب للمشروع الصهيوني يشترك فيها ناجون من المحرقة النازية وجيل أحفادهم، بعد أن رأوا في الصهيونية والقومية اليهودية حركة عنصرية توسعية. 

استدعاء رهاب الإسلام

مؤخراً، لفتت الكاتبة الأسترالية المستقلة من مدينة سيدني، كايتلين جونستون، إلى أن الصهاينة هم الذين يروّجون الإسلاموفوبيا، أي رهاب الإسلام وكراهيته وعداءه والتحريض عليه، واستدعاء العنصرية الغربية ضد العالم الإسلامي، لأن إقناع الغربيين بكراهية المسلمين أسهل من إقناع الناس بحب "إسرائيل"!  

تتساءل جونستون: هل لاحظتم يومًا أنه كلما رأيتَ أشخاصًا يُروّجون لكراهية المسلمين، فإن تسعة من كل عشرة منهم يفعلون ذلك هم من أنصار إسرائيل؟ بالتأكيد هناك سببٌ لذلك.

ففي سياق أحداث العامين الماضيين وما نفذته "إسرائيل" من عدوان وتدمير وتهجير وتجويع وإبادة جماعية، شملت قتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء وجرح ضعف ذلك، ودمار مقومات الحياة الأساسية، يجعل استمرار الرأي العام الغربي في دعم "إسرائيل" أمرًا صعبًا. 

فـ"إسرائيل"، كما تشير الشواهد، مجرد "دولةٍ" شريرةٍ وبغيضةٍ مليئةٍ بالأشرار، ولا تمتلك أيَّ مزايا تُبرّر وجودها كدولة. لا أحد يستطيع تفسير  أن تكون هذه الدولة حليفًا مهمًا بطريقةٍ منطقية؛ فجميع المشكلات التي يدّعون أنها تُساعد في حلها هي مشكلات تخلقها "إسرائيل" نفسها بمساعدة الدعم الغربي وإقراره. وما لم يكن المرءُ صهيونيًا يهوديًا أو صهيونيًا "مسيحيًا" مُتعصبًا، فلا شيء في "دولة إسرائيل" الحديثة يُثير ميله لدعمها بطبيعة الحال.

لكن استدعاء العنصرية الغربية ضد العالم الإسلامي واستمالتها أسهل بكثير من تبرير الاستمرار في دعم "إسرائيل". فهناك تيارات وفصائل سياسية بأكملها ضمن التيار الرئيسي، تتجهم برامجها السياسية ومنصاتها اشمئزازًا من أي شخص يبدو أو يتصرف بشكل مختلف عما يعتقدونه مقبولا وطبيعيًا. إنّ ترسيخ العنصرية البيضاء عميقًا حالة متأصلة في الغرب، والغربيون يحاربون المسلمين ويقتلونهم منذ قرون؛ لذا هناك ذاكرة ثقافية غربية وفيرة – في بغض المسلمين – يمكن الاستناد إليها في هذا النوع من الكراهية تحديدًا.

لذا، لا يهتمون كثيرًا بشرح أي جوانب إيجابية لـ"إسرائيل"، بل يركزون بدلًا من ذلك على إثارة الخوف من الدين الذي غالبًا ما يقع أتباعه ضحية العنف العسكري الإسرائيلي. لا يمكنهم إقناع الجمهور الغربي بأن "إسرائيل" جيدة في حد ذاتها، لكنهم يستطيعون إقناع الكثيرين في الغرب بأنه من الجيد إلقاء القنابل الحربية على المسلمين.

ورم خبيث في جسد البشرية 

وكما لاحظت جونستون، سنجد إذًا أن معظم رهاب الإسلام وكراهيته وعداءه التي تراها في الغرب تأتي من الصهاينة أنصار "إسرائيل" ومن أشخاص روّجوا دعايتها. هناك أقلية صغيرة تنتمي إلى اليمين المتطرف الذي يكره المسلمين واليهود على حد سواء، لكن أغلبية كراهية المسلمين هي نتاج الدعم الغربي لـ"إسرائيل" وتحريض الغرب على الحرب في الشرق الأوسط، والذي تلعب فيه "إسرائيل" الدور الأبرز باستمرار.

لهذا السبب، سترى، مثلاً، حسابات إسرائيلية بارزة على مواقع التواصل الاجتماعي تُثير المخاوف بشأن تزايد أعداد المسلمين في أوروبا. قد لا تظن مثلاً أن وجود الكثير من المسلمين في بلجيكا – أو غيرها من الدول – سيُثير قلق "إسرائيل"، لكن من مصلحة الكيان الصهيوني سياسيًا إبقاء الغربيين خائفين ومُشمئزين تجاه أتباع دين الإسلام.

وهكذا نشهد المزيد والمزيد من هذا الموقف العدائي تجاه الإسلام والمسلمين مع تزايد عزلة "إسرائيل" لدى الجمهور الغربي المتموضع سياسيًا في الوسط وكذلك الاتجاه التقدمي في السياسة والاجتماع في الغرب، واعتمادها بشكل متزايد على دعم اليمين العنصري. ومع فقدان السردية القائلة بأن [اليهود] كأقلية دينية مسكينة ومضطهدة تحتاج إلى وطن خاص بها، نراها تُستبدل بشكل متزايد برواية أن هؤلاء المسلمين في الشرق الأوسط بحاجة إلى أن يقتلوا، يا للهول! 

تخلص جونستون إلى أنّ "إسرائيل" تجعل كل شيء مقرفًا فظيعًا. إنها تجعل العالم أكثر عنفًا، وأكثر اعتلالاً واضطرابًا اجتماعيًا، وأكثر مدعاة للكراهية. هذه "الدولة" بأكملها قائمة على العنف المتواصل والكراهية المستمرة. إنها ورم خبيث في جسد الجنس البشري.