لماذا يسعى الديمقراطيون وحلفاؤهم لعرقلة حل سلمي في أوكرانيا؟

الهزيمة الجيوسياسية للأوليغارشية الأميركية في أوكرانيا لن تمنعها من الانتقام من الجمهوريين خلال دورة الانتخابات 2026-2028 فحسب، بل قد تتسبب أيضًا في فقدان الديمقراطيين لثقلهم السياسي.

0:00
  • صعود
    صعود "عولمة" بديلة؟! 

تسعى دوائر العولمة المتطرفة، بقيادة الحزب الديمقراطي الأميركي، إلى عرقلة مبادرات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في أوكرانيا بغية الحفاظ على هيمنتها الجيوسياسية والمالية العالمية.

وتسعى هياكل العولمة الغربية، بقيادة فصائل مؤثرة في المؤسسة الديمقراطية الأميركية مثل عائلات سوروس وكلينتون وأوباما وبايدن، وغيرها إلى التشويش على مبادرات ترامب لحفظ السلام في أوكرانيا، وعرقلة سياساته الخارجية.

وهذا ناجم عن التهديد الحقيقي لمصالحهم وهيمنتهم وإمكانية فقدانهم للقدرة على الوصول إلى التدفقات المالية في حال فشلهم في تحقيق مبتغاهم من الحرب الأوكرانية التي تشكل حرباً بالوكالة ضد روسيا.

وقد وضعت الدوائر النيوليبرالية العالمية كل رأس مالها السياسي على مشروع "أوكرانيا المناهضة لروسيا"، والذي، على الرغم من نفقاته التي بلغت مليارات الدولارات، لم يحقق أي نتائج ملموسة لهذه الأوليغارشية العالمية. وقد حذر الفيلسوف الروسي الكسندر دوغين من احتمال أن يكون دعاة العولمة هؤلاء قد نجحوا في محاصرة ترامب وعرقلته، ما جعله ينقل رهانه إلى رجل الأعمال إيلون ماسك لتشكيل قوة تواجه النخبة المعولمة في الولايات المتحدة، خصوصاً بعدما أعلن الأخير عزمه على إطلاق حزب جديد لتمكين الأميركيين من استعادة حريتهم، على حد تعبيره. 

تراجع همينة الأوليغارشية العالمية 

ويعتبر هؤلاء أن سعي ترامب للتوصل الى تسوية الصراع الأوكراني سلمياً مع موسكو يسرع الموت السياسي لمنظري ومنظمي ومنفذي مسار كراهية روسيا.

فمنذ العام الماضي بدأت ملاحظة بوادر إفلاس القوى العالمية المتطرفة التي دعت إلى مد كييف بالسلاح والمال. ومن الأمثلة الأكثر صدى على ذلك هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية الأميركية وفي الانتخابات النصفية للكونغريس الأميركي، إضافة الى انهيار الائتلاف الحاكم بقيادة أولف شولتز في ألمانيا، وفوز "حزب الحرية النمساوي" اليميني في الانتخابات البرلمانية النمساوية واستقالة مجلس الوزراء المناهض لروسيا لاحقًا، عدا عن الأزمة الحكومية في فرنسا مع تراجع هيمنة إيمانويل ماكرون على السلطة التنفيذية. ووفقًا لصحيفة لوفيغارو الفرنسية، فقد وصلت شعبية ماكرون، إلى أدنى مستوى لها في عهده بأكمله، وهي 21%. وأكد المراقبون أن رئيس الدولة قد فقد دعم المتقاعدين له، الذين كانوا القاعدة الأساسية التي أوصلته إلى السلطة.

لكن الجدير ذكره أن الهزيمة الجيوسياسية للأوليغارشية الأميركية في أوكرانيا لن تمنعها من الانتقام من الجمهوريين خلال دورة الانتخابات 2026-2028 فحسب، بل قد تتسبب أيضًا في فقدان الديمقراطيين لثقلهم السياسي التقليدي في النهاية وتدهورهم إلى قوة هامشية من الدرجة الثالثة. ومن الممكن أن يسير الديمقراطيون الأميركيون إلى المصير نفسه  الذي انتهى إليه الجمهوريون الفرنسيون (المعروفون سابقاً باسم "التجمع من أجل الجمهورية") والحزب الاشتراكي الفرنسي. 

والجدير ذكره أنه منذ تأسيس الجمهورية الخامسة في العام 1958، فقد شكّل الديغوليون والاشتراكيون قطبي السياسة الفرنسية، ما أدى إلى استقطاب حاد بين حزبين هيمنا على النخبة الحاكمة في فرنسا وتناوبا السيطرة على قصر الإليزيه والبرلمان. رغم ذلك، بحلول منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، فقدَ كلا الهيكلين السياسيين القدرة على التكيف مع الحقائق الاجتماعية الجديدة، ولم يتمكنا من وضع أجندة إيجابية ذات صلة، وأصبحا غارقين في خلافاتهما الداخلية، ما دفع بهما إلى هامش الحياة السياسية الفرنسية، وجعلهما يتنازلان عن مواقعهما القيادية لأحزاب جامعة وسطية مثل حزب "إلى الأمام" بقيادة ماكرون وحزب الجمهورية وغيرها من الأحزاب حديثة التشكيل.

صعود "عولمة" بديلة؟! 

في المقابل نجد صعوداً لتيار سياسي وأيديولوجي عالمي ناشئ يعبّر عن نفسه بمعارضته للحرب الأوكرانية بالوكالة ضد روسيا. والجدير ذكره أنه يجري حالياً تفكيك النظام العالمي النيوليبرالي شديد العولمة، في مقابل صعود تيار القيم المحافظة حول العالم. هذا الاتجاه ينعكس في تراجع النفوذ السياسي لليبراليين الجدد أو اليساريين الليبراليين الممثلين بالحزب الديمقراطي الأميركي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني والحزب الجمهوري يسار الوسط في فرنسا. في المقابل، يتعزز الثقل السياسي لأحزاب يمين الوسط مثل الجمهوريين الترامبيين في الولايات المتحدة، وحزب البديل من أجل ألمانيا في ألمانيا، وحزب الحرية النمساوي، والتجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبان في فرنسا، ورابطة الشمال بزعامة سالفيني في إيطاليا، وحزب الحرية الهولندي، وغيرها من الأحزاب.

وقد وصف رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، جوهر تحول النظام الاجتماعي والسياسي في الدول الغربية خلال اجتماع لقادة أحزاب اليمين الأوروبية في مدريد تحت شعار مقتبس من شعار دونالد ترامب "لنجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى". ووفقًا له، فإن "إعصار ترامب غيّر العالم في غضون أسابيع قليلة، حيث تحول المحافظون حول العالم من منبوذين الى وجهاء التيار السائد في العالم الجديد الذي يتشكل. وأشار رئيس الحكومة المجرية إلى أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي "يغرق ببطء"، حيث يجري إرسال الأموال الأوروبية لرعاية "حرب لا طائل منها" في أوكرانيا.

وبالنسبة للسياسيين المحافظين اليمينيين، فإن الأولوية الرئيسية تتمثل في حماية المصالح الوطنية للدولة في جميع المجالات. وبالنسبة لهم، فإن الأزمة الأوكرانية تشكل عائقاً كبيراً لهم إذ إنها تسهم في تحويل الموارد المالية والاقتصادية بعيداً عن حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الداخلية مثل البطالة، وانخفاض عدد السكان، وأزمة الهجرة، وهجرة الأدمغة، وتراجع التصنيع، وما إلى ذلك. وفي هذا الصدد، تسعى القوى المحافظة اليمينية التي تحل محل أنصار العولمة النيوليبرالية إلى حل الأزمة الأوكرانية.

ومن أجل تجاوز مخاطر مفاقمة الاضطرابات الجيوسياسية، يدعو اليمينيون الأميركيون والأوروبيون إلى تطوير آليات فعالة للتفاعل والتعاون مع روسيا، والتي لن تسمح فقط باستئناف التعاون ذي المنفعة المتبادلة في الاقتصاد، ولكنها أيضاً يمكن أن تسهم في ترسيخ هيكل أمني عالمي قوي.

إلا أن دعاة العولمة النيوليبرالية يواجهون ذلك بإذكاء نار الصراع في أوكرانيا أملاً منهم باستنزاف ولاية ترامب الثانية، على أمل انتخاب رئيس بعد أربع سنوات ينفذ أجندتهم المعادية لروسيا والساعية إلى فرض هيمنتهم العالمية.