اقتصاديات العالم تحت وطأة الديون والعجز

في ظل تعاظم الديون وارتفاعها وتزايد العجوزات المالية، تقف اقتصادات العالم أمام تحدٍ وجودي يستدعي إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والمالية.

0:00
  • اقتصادات العالم تقف أمام تحدٍ وجودي يستدعي إعادة.
    اقتصادات العالم تقف أمام تحدٍ وجودي يستدعي إعادة.

يشهد الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة، وبالتحديد بعد أزمة كورونا، تباطؤاً في النمو وتراجعاً في الصعد كافة، وتصاعداً مقلقاً في مستويات الدين العام والعجز المالي.

ومع عامل الحرب في أوروبا انطلاقاً من أوكرانيا، وصولاً إلى التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، أصبح تفكير العالم منصبّاً على كيفية دعم النمو الاقتصادي والإنفاق الجماعي، من دون السقوط في فخ الديون غير القابلة للسداد، وكيفية التعامل مع الرسوم الجمركية التي تُفرض على العالم من قبل الولايات المتحدة. كما أن المنظمات الاقتصادية الجديدة من شنغهاي إلى بريكس، والشرق بشكل عام، باتت تلعب دوراً محورياً في مجالات العسكر والطاقة، وحتى في الحصول على المعلومة وإنتاج المعلومة والمعرفة.

أبرز ملامح أزمة الديون والعجز العالمية هذه تتجلّى على الشكل الآتي:

١- الولايات المتحدة:

وصول الدين العام إلى 37 تريليون دولار، حيث سجلت الموازنة الأميركية ثالث أكبر عجز تاريخي رغم إيرادات الرسوم الجمركية، إذ بلغ في شهر آب/ أغسطس 345مليار دولار، كما بلغ العجز التراكمي خلال 11 شهراً 1097 تريليون دولار أي ما يقارب 8٪، رغم أن حصيلة الرسوم الجمركية بلغت 172 ملياراً منذ بداية العام 2024-2025، و ووصل الناتج المحلي إلى 25 تريليون دولار.

مع كل الإجراءات التي تم العمل عليها من أجل استعادة العافية في الاقتصاد الأميركي، ومع إجراءات القوة التي تعتمد خاصة على فرض الرسوم الجمركية على العالم، يبقى الثقل في الاقتصاد الأميركي على الشكل الآتي:

١- حجم الإنفاق

٢- حجم الاقتراض

٣- الفوائد

وأسباب عجز الموازنة هي على الشكل الآتي:

·  الإنفاق الحكومي الضخم:

١- الدفاع

٢- الرعاية الصحية

٣- الضمان الاجتماعي

٤- الفوائد على الدين

·  الاقتراض المستمر لتمويل العجز

· تخفيض الضرائب على الشركات والأفراد والأثرياء مقابل فرض رسوم جمركية وتجارية على العالم

·  تأثير الفوائد المرتفعة والمدفوعة

٢- القارة الأوروبية:

في أحدث البيانات التي صدرت مؤخراً، بلغ حجم ديون منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي 14 تريليون يورو. ونسبة الديون إلى الناتج المحلي جاءت على النحو الآتي: اليونان 152٪، إيطاليا 137٪، فرنسا 114٪، بلجيكا 106.8٪، إسبانيا 103٪، البرتغال 96٪، النمسا 84٪، المجر 75٪. وبالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية في أوروبا، وحرب أوكرانيا، ومستقبل الطاقة البديلة الذي لم يُحسم بعد، وتوجه الدول إلى زيادة الضرائب وزيادة الموازنات العسكرية، إلى جانب الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة، يبقى النمو في الأسواق الأوروبية بطيئاً جداً حتى إشعار آخر.

٣- الأسواق الناشئة:

تواجه الأسواق الناشئة صعوبات كبيرة بسبب:

· ارتفاع كلفة الدين:

مع ارتفاع الفوائد قبل القرار الأخير للفيدرالي الأميركي بتخفيض ربع نقطة، إذ كانت كلفة الاقتراض كبيرة ما أدى إلى الضغط على ميزانيات الدول المثقلة بالديون.

· تراجع تدفقات رؤوس الأموال:

لأن معظم المستثمرين يفضلون الأسواق المتقدمة ذات العوائد الأعلى والمخاطر الأقل، ما يؤدي إلى هروب الرساميل من الأسواق الناشئة.

· ضعف العملات المحلية:

التضخم وازدياد قيمة الديون والطبع النقدي يؤديان إلى انخفاض قيمة العملات، ما يرفع كلفة الاستيراد ويزيد من العجز التجاري.

· الاعتماد على المواد الأولية:

تقلب أسعار المواد الأولية والنفط والمعادن يؤثر مباشرة على إيرادات الدول المصدرة ويزيد من تقلبات اقتصادها.

· تباطؤ الطلب الصيني:

تباطؤ النمو في الاقتصاد الصيني، كمحرّك أساسي للاقتصادات الناشئة، ينعكس سلباً على صادرات وأسواق الدول الناشئة.

في ظل تعاظم الديون وارتفاعها وتزايد العجوزات المالية، تقف اقتصادات العالم أمام تحدٍ وجودي يستدعي إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والمالية. إن استمرار سياسة الاعتماد على الاقتراض لتمويل العجز سيؤدي إلى أزمات أعمق تهدد الاستقرار المالي والاجتماعي. والسؤال الأكبر: هل ينجو العالم من الديون من دون وقوع حرب كبرى؟