الثنائي ترامب-ماسك.. من سيحكم العالم وكيف؟

الشرق الأوسط مهد الحضارات والأديان، وبالتالي النفط والغاز يفتح شهية الثنائي ترامب – ماسك، وإن اختلفا في الدين والعقيدة، فإن قاسمهما المشترك هو الدولار الأخضر.

0:00
  • العقيدة التي يؤمن بها ماسك هي المال فقط.
    العقيدة التي يؤمن بها ماسك هي المال فقط.

بعد أن ساهم، وبشكل فعّال ومؤثّر، في الحملة التي أعادت ترامب إلى البيت الأبيض، بدأ الرهان مبكراً حول الدور المحتمل لرجل الأعمال الأميركي والمولود في جنوب أفريقيا والحامل للجنسية الكندية، إيلون ماسك، في مجمل سياسات ترامب الداخلية والخارجية، بل وحتى العقائدية.

فعلى الرغم من تبنّي الرئيس ترامب أفكار الإنجيليين وعقيدتهم التي تتطابق إلى حدّ بعيد مع العقيدة الصهيونية بشقّيها الديني والأسطوريّ، فإن فالجميع يعرف أن العقيدة التي يؤمن بها حليفه ماسك هي المال فقط.

ليبقى هذا المال القاسم المشترك بين ترامب وماسك، ويراهن الكثيرون على خططهما المشتركة لحكم العالم بالدولار الذي قد يساعدهما في إقامة عالم جديد سعى لإقامته آخرون بأساليب مماثلة خلال السنوات الماضية.

فالجميع يتذكر الملياردير الأميركي جورج سوروس، وهو يهودي من مواليد المجر، ظهر في بداية السبعينيات من القرن الماضي وكأنه يؤيد القضايا السياسية ذات الطابع الديمقراطي والليبرالي في أوروبا والعالم، إذ تبرّع بالمليارات من الدولارات لمنظمات "المجتمع المفتوح" التي ساهم في تشكيلها في العديد من دول أوروبا، ومنها بلغاريا ورومانيا وجورجيا وأوكرانيا، والأخيرتان شهدتا ما يسمّى بـ"الثورات الملوّنة" التي انتهت إلى ما انتهت إليه في الدولتين المذكورتين.

ومن دون أن يهمل سوروس دولاً أخرى في مناطق مختلفة من العالم، ومنها قرغيزيا أو لبنان وتونس قبل ما يسمّى بـ"الربيع العربي" الذي كان لسوروس وأتباعه من أمثال الصحفي الفرنسي برنارد هنري ليفي باع طويل فيه. ولم يختلفوا في الهدف مع كلاوس شواب، مؤسس منتدى دافوس الاقتصادي، وهو من تلامذة الثنائي اليهودي هنري كيسنجر وبريجنسكي اللذين دافعا عن ضرورة قيادة أميركا للعالم تارةً بالسياسة وتارة أخرى بالمال، وأحياناً أخرى بالحروب التي تناقض فيها كيسنجر وبريجنسكي فيما رجّح عليها سوروس "الثورات الملوّنة" التي أراد لها أن تحدّ من دور السوفيات ثم الروس في العالم، وبشكل خاص في الحدائق الخلفية لهم في القوقاز وآسيا الوسطى وأوروبا الشرقية، وأخيراً الشرق الأوسط.

الشرق الأوسط مهد الحضارات والأديان، وبالتالي النفط والغاز يفتح شهية الثنائي ترامب – ماسك، وإن اختلفا في الدين والعقيدة، فإن قاسمهما المشترك هو الدولار الأخضر الذي يريد ماسك له أن يساعده في تشكيل نظام عالمي جديد كان حلم أمثاله من سوروس و شواب ومن معهما أو خلفهما من القوى السرية والعلنية بما فيها المجموعات الماسونية التي كانت المحرك الأساسي الخفي والعلني للعديد من الحركات السياسية في الغرب بامتداداتها في مختلف أنحاء العالم.

وقد يكون إيلون ماسك متأثراً بنهجها وأفكارها التي يريد لها أن تساعده في زعامة العالم، ليس فقط بالمال، بل أيضاً بأفكاره السياسية والاجتماعية التي يتمنى لها أن تجعل منه نموذجاً جديداً، وربما مثالياً لزعامة العالم بأفكاره الجديدة التي يريد لها أن تجمع الجميع في بوتقة واحدة، بعيداً من التعصب الديني والسياسي والقومي، بل وحتى الفكري.

ويفسر ذلك علاقاته بنتنياهو والرئيس إردوغان والرئيس بوتين ورئيس وزراء المجر فيكتور آوربان الذي قال قبل أيام  إن" انتصار ترامب في أميركا بمنزلة الضربة القاضية بالنسبة إلى أولئك الذين كانوا يفكرون بعقلية سوروس وأمثاله في أوروبا".

ويفسر كل ذلك حملة ماسك الشرسة ضد حكومة حزب العمال البريطاني ورئيسها كير ستارمر الذي اتهم بدوره ماسك "بالعمل على إلحاق الضرر بالنظام الديمقراطي في بريطانيا".

وهو ما أشار إليه المستشار الألماني أولاف شولتس إذ اتهم "قوى سياسية في أميركا بالعمل على تدمير المؤسسات الديمقراطية في الغرب". ومن دون أن يكون واضحاً ما المقصود بالمؤسسات الديمقراطية التي لم تعد تعني أي شيء بالنسبة إلى الدول والقوى الإمبريالية والاستعمارية التي اتخذت مواقفها الدنيئة تجاه العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ثم لبنان وأخيراً سوريا، وهو ما يفتقر إلى أبسط معايير الديمقراطية، بل وحقوق الإنسان.

ويفسر ذلك مساعي شبكات التواصل الاجتماعي لحجب أي مضمون مؤثر ضد سياسات إرهاب "الدولة" العبرية، وبالتالي التسويق لهذا الإرهاب الذي كان مدعوماً من مئات الآلاف، إن لم نقل الملايين من الحسابات المزوّرة التي كانت وما زالت في خدمة الصهيونية العالمية ما دام الذين يملكون أو يسيطرون على هذه الشبكات هم يهود صهاينة (أصحاب الفيس بوك والإنستغرام وغيرهما) أو ممن تحالفوا معهم لأغراض معينة كما هي الحال مع إيلون ماسك الذي زار بعد أحداث السابع من أكتوبر المستوطنات اليهودية في غلاف غزة ومعه صديقه الودود المجرم نتنياهو.

وأثبت قرار الهدنة في غزة أن ترامب يسعى للتخلص من نتنياهو؛ كي لا يكون عائقاً أمام مساعيه ومعه ماسك لإقامة نظام شرق أوسطي جديد بإقطابه المختلفة، وأهمها محمد بن سلمان ورجب طيب إردوغان وكلاهما على علاقة وطيدة مع ماسك وترامب، وقد ينضم إليهم الرئيس السيسي أيضاً. ويفسر ذلك لقاءات الرئيس ترامب مؤخراً مع قيادات بعض المجموعات اليهودية المعادية للصهيونية في أميركا والحديث إليها عن مستقبل علاقاته مع "تل أبيب" واليهود في أميركا عموماً، وربما بعد التخلص من نتنياهو.

على أن يكون الدولار المدعوم بشبكات التواصل الاجتماعي السلاح الأكثر فتكاً في التأثير على سلوك المجتمعات وأخلاقياتهم ونمط معيشتهم، وكذلك على معطيات ومعادلات المرحلة القادمة التي سيكون للذكاء الاصطناعي دور مهم فيها.

وهو ما سيسعى إليه ماسك ومعه أقطاب عالم التكنولوجيا الجديدة من أمثال بيل غيتس (التقى غيتس مع ترامب الجمعة 17/1 وخرج ليقول "إنني معجب به جداً") كي يقرروا معاً مصير البشرية ومستقبلها إن لم نقل الكون برمّته، وفق تخيلات إيلون ماسك ورفاقه.

ويبدو واضحاً أن الرئيس ترامب يسعى للاستفادة من حنكته وذكائه في التعامل مع المعطيات اليومية التي يتمنى لها أن تساعده في تقرير مصير أميركا أولاً، وبالتالي مصير كل المعطيات الإقليمية والدولية التي تهم واشنطن.

كما هي الحال في استفزازاته مع بنما وكندا والدنمارك، ولاحقاً دول أخرى منها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وقد يرى فيها ترامب حلبة يثبت فيها رجولته السياسية التي قد تساعده في تحقيق أحلامه التي تحدث عنها خلال الحملة الانتخابية.

ونجح خلالها في بيع نسخ من الإنجيل بمئات الدولارات، حسب إمكانيات المتأثرين بدعايته، رافعاً شعار " ليبارك الله أميركا". ومن دون أن يخطر على باله أن صديقه وحليفه وشريكه في تحقيق حلمه في إقامة "أميركا العظيمة" التي يريد لها أن تحكم العالم أو تتحكم بمصيره، هو ملحد ولا علاقة له بالدين والمتدينين أياً كان انتماءاتهم الدينية أو المذهبية بل وحتى القومية، ويكفي أن يكونوا جميعاً من محبّي الدولار الأخضر وإن اصفرّ لونه!