الكيان الصهيوني لا يزال يصارع الفشل أمام مفاجأة طوفان الأقصى
لا يزال المجتمع الاستيطاني الصهيوني وصحافته يصارعون ظواهر عدم الكفاءة والغطرسة الإمبريالية وافتقاد المساءلة والمسؤولية، كما كشفت عملية طوفان الأقصى، وأدّت لإخفاقات 7 أكتوبر 2023 المهينة.
منذ أيام كتب الناشط الإسرائيلي ضدّ نظام الفصل العنصري، ميكو بيليد (ابن الجنرال ماتيتياهو بيليد)، عن مقطع فيديو نشرته يديعوت نت (Ynet) يوم 21 كانون الثاني/يناير الجاري. يظهر الفيديو رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق مناحيم بيغن، زعيم المعارضة آنذاك، يتحدّث عقب فشل "جيش" الكيان في التصدّي لهجوم القوات المصرية والسورية يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973. فاستقال رئيس أركان "الجيش" الجنرال ديفيد إليعازر. "هل يمكن أن يستقيل رئيس الأركان، ويبقى رئيسه، وزير الدفاع، في منصبه؟" يسأل بيغن بخطابيّته التقليدية. ثم يواصل، "هل يُعقل أن يترك وزير الدفاع منصبه ويبقى رئيسه، رئيس الوزراء؟"
نُشر هذا الفيديو فور إعلان الجنرال هيرتسي هاليفي، رئيس أركان "جيش" الاحتلال، استقالته بسبب إخفاقات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. نقل الموقع الرسالة نفسها التي وجّهها بيغن: فالمسؤولية لا تتوقّف، أو بالأحرى لا ينبغي أن تتوقّف عند "الجيش"، ويجب على الحكومة تحمّل مسؤولية الفشل. قال الجنرال هاليفي في بيان عامّ طويل ومفصّل، وعلى خلفيّة الدمار الذي جرى في معسكر الاعتقال الكبير بغزة، إنه يتحمّل المسؤولية عن فشل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأيضاً عن (النجاح) الذي حقّقه "الجيش" منذئذ!
قال هاليفي إنّ "الجيش منظّمة مخصصة للتعامل مع حالات الطوارئ ومنعها. لقد فشلنا في البداية في منعها والدفاع عنها". "هذه حرب صعبة، لكننا حقّقنا نجاحات كبيرة". وذكر أنّ جبهات أخرى ظهرت مع تواصل الحرب، لكنّ "الجيش" تمكّن من تدمير قيادة المقاومة بغزة ولبنان، وأنّ "إسرائيل قتلت عشرين ألف إرهابي في غزة وأربعة آلاف في لبنان".
يعتبر بيليد هذه التصريحات محيّرة! وقد تُنسي المرء بسهولة أنّ المقاومة الفلسطينية التي بدأت عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر جاءت من إحدى أفقر المناطق وأكثرها قمعاً في العالم. كما أنها أكثر منطقة تخضع للمراقبة المستمرة في العالم باستخدام المُسيّرات وتقنيات جمع المعلومات الاستخبارية.
قبل إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار، ركّزت الصحافة العبرية وخطاب المجتمع الاستيطاني على إخفاقات 7 تشرين الأول/أكتوبر والحاجة لرؤية الأطراف المعنية تتحمّل المسؤولية. إحدى الشخصيات الرئيسة التي ركّزت عليها الصحافة العميد أميت ساعر. كان ساعر على رأس هرم الاستخبارات في "الجيش"، وأحد أكثر مناصبه المرموقة، بل أهمّ منصب في الاستخبارات العسكرية. كان ساعر رئيساً لأبحاث الاستخبارات العسكرية. إنه السلطة الأولى عندما يتعلّق الأمر بالاستخبارات، وفشل عندما تمّ اختبار المنظومة التي كان مسؤولاً عنها.
كانت كلّ الطرق داخل مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، أي جمع المعلومات وتحليلها تؤدّي إليه وهو السلطة النهائية. في مقابلة أجراها في 1 كانون الأول/ ديسمبر 2024، واستمرّت ساعة، بدأ الجنرال ساعر بقصة عن رسالة كتبها إلى رئيس الوزراء ووزير الدفاع في شباط/فبراير 2023، وحذّر فيها من أنّ المجتمع الاستيطاني في خطر جسيم: "أعداؤنا الأساسيون، حماس وحزب الله وإيران"، يرون انقسام المجتمع الإسرائيلي بشأن الإصلاح القضائي ضعفاً كبيراً وبداية نهاية "إسرائيل". وكتب إلى رؤسائه: "يُنظر إلى إسرائيل على أنها ضعيفة وعرضة للخطر. نحن نقف على حافة الهاوية".
كانت المقابلة تأمّلية وليست قاسية على رجل كانت مهمته التحذير من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر ومنعه. كان فشله أنه حذّر من هجوم وشيك من حزب الله، من الشمال، وفشل في رؤية علامات هجوم وشيك من غزة. ما هو مميّز للغاية ومحيّر حول هذا الرجل الذي يمثّل مجتمع استخبارات "جيش" الاحتلال، أكثر من أيّ شخص، أنه ترّأس مكتب الأردن ثم مكتب غزة بالاستخبارات، ويعتبر خبيراً باللاعبين العرب في المنطقة، وشغل منصب رئيس استخبارات القيادة الجنوبية، وهي بالأساس جبهة غزة، ومع ذلك، يقول، "لقد فشلت في تقدير قدرات حماس".
قبل أسبوعين من 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، دعا ساعر إلى اجتماع طارئ لكبار قادة "الجيش". وقال في الاجتماع إن هناك توتراً وحذّر من هجوم وشيك من الشمال، أي من حزب الله. وبينما قال إنه ربما هناك نشاط من غزة، فلن يكون أكثر من اضطراب. يقول محاوره: "كانت غزة مملكته"، حيث يدّعي ساعر معرفة عميقة بحماس، لكنه لا يُظهر مثل هذا العمق من المعرفة أو الفهم. لا توجد كلمة واحدة يقولها تشير إلى حقيقة أنّ قمع الشعب الفلسطيني له أيّ علاقة بحماس.
عندما سُئل صراحةً عن وثيقة معيّنة عُثِر عليها لاحقاً وتشير إلى إمكانية وقوع هجمات فلسطينية في 7 تشرين الأول/أكتوبر، قال: "لم تصل هذه الوثيقة إلى مكتبي أبداً، وحتى لو وصلت فلن يُحدِث ذلك أيّ فرق"! ويوضح أنّ الفشل كان نتيجة عدم الاعتقاد بأنّ الفلسطينيين في غزة قادرون على مثل هذا الهجوم، وأنّ أيّ قدر من الاستخبارات لم يكن ليغيّر هذا الاعتقاد، أو "المفهوم" كما يسمّيه.
كما ظهرت مؤخّراً تقارير نشرت في الصحافة العبرية تفيد أنّ القادة من المستوى الأدنى طلبوا إحضار قادة كتائب منطقة غزة ليلة 6–7 تشرين الأول/أكتوبر، لكنّ قائد الجبهة الجنوبية – الذي استقال مؤخّراً – ورئيس الأركان في "الجيش" تجاهلا الأمر. يبدو أنهما شعرا أنّ العلامات لم تكن كافية لتنبيه قادة الكتائب. في جبهة غزة، اعتمد "الجيش" بالكامل على استخبارات التكنولوجيا ولم يتوفّر سوى القليل من مصادر المعلومات البشرية. واعتبر أحد المعلّقين أنّ من المذهل أنه بين الفلسطينيين الذين شاركوا في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم تكن هناك مصادر استخباراتية إسرائيلية تقدّم المعلومات.
وفي أواخر 2024، تمّ تشخيص إصابة الجنرال ساعر بسرطان الدماغ المميت واضطر إلى الاستقالة.
أكانت مصادفة أنّ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 جاءت بعد 50 عاماً ويوم واحد من اندلاع حرب 1973 يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973؟ عندما فاجأت الجيوش المصرية والسورية "إسرائيل" بهجوم منسّق تماماً فاجأ الكيان الصهيوني إلى درجة جعلت حكومته تشعر برعب اقتراب نهاية "الدولة" الصهيونية. وسواء كان ذلك مصادفة أم لا، فإنه في كلتا الحالتين تمّ اختبار "الجيش" والمخابرات وفشلا.
لقد صوّت الكنيست الصهيوني مؤخّراً برفض اقتراح تحقيق مستقلّ في فشل 7 تشرين الأول/أكتوبر. وحرصت حكومة نتنياهو ــ التي يفترض أن تتحمّل المسؤولية ــ على عدم إقرار هذا الاقتراح. ولو تمّ هذا التحقيق لأظهر أنّ عدم الكفاءة والغطرسة وافتقاد المساءلة ساهمت في إخفاقات الكيان الصهيوني المهينة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
كان المفكّر الراحل عبد الوهاب المسيري مؤلّف موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية"، يتأمّل دلالات النهاية في أقوال كتّاب ومفكّرين إسرائيليين حول مصير الكيان، فأحدهم كتب: "إنّ أباه رحل بعد أن ترك له دولة، أما هو فعندما يرحل سيترك لابنه علامة استفهام!". وكتب غيره: "سيكون على آخر المغادرين من مطار بن غوريون أن يطفئ مصابيح المطار!".
عندما عُرض على أعضاء الكنيست فيلم توثيقي عن تفاصيل حدث 7 تشرين الأول/أكتوبر، أغمي على بعضهم من هول الصدمة وعالجهم أطباء من آثارها. وفي لحظة صدق نادرة، قال يائير لابيد، زعيم المعارضة بالكنيست: "إنّ إسرائيل ليست دولة أخلاقية وليست قوة إقليمية ولن تنتصر في الحرب!".