المتطرفون بأميركا والكيان: علاقة عضوية أساسها فاشية مشتركة

الكاتب الأميركي، كريس هيدجز، تناول علاقة الفاشيين المسيحيين التابعين لترامب بالحرب على فلسطين. ونبه إلى عدم ارتباط المتطرفين المسيحيين في أميركا بالمتطرفين اليهود في "إسرائيل" على أساس الدين والإيمان.

  • إحياء النضال لهزيمة الفاشية.
    إحياء النضال لهزيمة الفاشية.

ينسب إلى الروائي والشاعر الأميركي، سنكلير لويس (1885-1951)، قوله: "عندما تأتي الفاشية إلى أميركا ستكون مغلفة بالعلم القومي وتحمل صليباً"! كان ذلك بفترة ما بين الحربين العالميتين التي شهدت صعود الفاشية بأوروبا، خاصة إيطاليا وألمانيا وأسبانيا، على خلفية صراعات أيديولوجية وأزمات اجتماعية واقتصادية خلفتها الحرب العالمية الأولى، دماراً وفقراً وبطالةً وبؤساً، خاصة بين ملايين الجنود العائدين من الحرب، الذين باتوا وقوداً للحركات الفاشية. 

وشأن كل موجة فاشية، زرعت هذه الموجة بذور صراعات أوروبية أفضت لاندلاع الحرب العالمية الثانية. وكما وصف سنكلير لويس، تمزج الأيديولوجية الفاشية القومية بالدين بالمطالب الاجتماعية (الاشتراكية الوطنية بألمانيا وإيطاليا)، رافعة الصليب رمزاً لحضور المقدّس، في سياق إبادة الآخر. 

وهي ليست حالة طارئة في التاريخ الأوروبي الحافل بحملات صليبية وحروب دينية (مقدّسة)، اختتمت بمعاهدة ويستفاليا (1648)، ثم حروب قومية اندلعت عقب الثورات الجمهورية من 1848 حتى 1945، لتنطلق فوراً حرب عالمية باردة بين الشرق "الاشتراكي" والغرب "الرأسمالي". ورغم غلبة الأيديولوجيا على هذا الصراع، حوّل كل طرف أيديولوجيته إلى "مُقدّس" له معابد وكهنة وطقوس وراية إمبراطورية مقدّسة، كما هو ديدن الغرب تاريخياً، ومعها العنصرية ومزاعم دونية الخصم والتفوق العرقي والحضاري وتكريس مرجعية الذات وشرورها، بل والتمحور الغربي التام حول الذات.

ارتباط أساسه فاشية مشتركة 

في مقال لافت مؤخراً، تناول الكاتب الأميركي، كريس هيدجز، علاقة الفاشيين المسيحيين التابعين لترامب بالحرب على فلسطين. ونبه إلى عدم ارتباط المتطرفين المسيحيين في أميركا بالمتطرفين اليهود في "إسرائيل" على أساس الدين والإيمان، بل على أساس فاشية مشتركة بينهما.

لقد شنّ القوميون المسيحيون، الذين يشكلون أساس قاعدة دعم دونالد ترامب – صوّت 80% منهم لترامب في الانتخابات الأخيرة وفق استطلاع أسوشيتد برس – حملةً منسقةً تدعو البيت الأبيض لدعم ضم إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة.

تشمل هذه الحملة زياراتٍ قادة بارزين، مثل رالف ريد وتوني بيركنز وماريو برامنِك، لإسرائيل وتقديم عرائض إلى البيت الأبيض، والضغط على الكونغرس، والدعوة للضم بمؤتمرات مسيحية، وقرار يدعم السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية اعتُمد بمؤتمر العمل السياسي "المحافظ" الأخير. وفي آذار/مارس، جمع مؤتمر هيئات البث الديني (NRB) في دالاس أكثر من 200 توقيع من قساوسة وزعماء دينيين يمينيين من جميع أنحاء البلاد، داعين لضم "يهودا والسامرة" – الاسم الصهيوني المزعوم للضفة الغربية – واعتبار حل الدولتين "تجربة فاشلة".

أيّد "قادة مسيحيون أميركيون لأجل إسرائيل"، يدّعون تمثيل شبكة تضم "أكثر من 3000 قيادة تنظيمية بجميع أنحاء البلاد، بما في ذلك هيئات البث الديني"، قرار مؤتمر دالاس وأرسلوه إلى ترامب. وأرسلت عضو الكونغرس، كلوديا تيني، وخمسة أعضاء آخرين من "تجمع أصدقاء يهودا والسامرة" بالكونغرس، رسالة إلى ترامب مطالبين بـ"الاعتراف بحق إسرائيل" في إعلان السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحجة أن ذلك سيعزز "التراث اليهودي المسيحي الذي قامت عليه أمتنا".

ترامب، الذي ألغى أمراً تنفيذياً لإدارة بايدن يفرض عقوبات على مستوطنين يهود بالضفة الغربية لانتهاكاتهم حقوق الإنسان، وعد في 4 شباط/فبراير بإصدار إعلان خلال "الأسابيع الأربعة المقبلة" حول ضم محتمل للضفة الغربية. ويأتي هذا الإعلان عقب دعوة ترامب للتطهير العرقي في غزة وتهديداته بالقتل للفلسطينيين ما لم يطلقوا سراح الرهائن الإسرائيليين. وقال ترامب عن غزة أثناء حديثه للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: "أنت تتحدث عن مليون ونصف شخص تقريبًا، ونحن فقط نقوم بتنظيف هذا الشيء بأكمله".

لا وجود للفلسطينيين

لطالما تقاربت أجندة المتطرفين الصهاينة والفاشيين المسيحيين، الذين يشغلون مناصب عليا بإدارة ترامب. فاللغة والأيقونات والرمزية التي يستخدمها الفاشيون المسيحيون واليهود هي من نتاج الكتاب المقدس. لكن الروابط سياسية، وليست دينية. وقد فصّل كريس هيدجز تاريخ وأيديولوجية الفاشية المحلية (الأميركية) وعلاقتها بالفاشية اليهودية في كتابه: "الفاشيون الأميركيون: اليمين المسيحي والحرب على أميركا".

رشّح ترامب حاكم ولاية أركنساس السابق والقس المعمداني، مايك هاكابي، سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل. وصرّح هاكابي بأنه "لا وجود للفلسطينيين"، مُؤكدًاً أن الهوية الفلسطينية "أداة سياسية لمحاولة انتزاع الأرض من إسرائيل". ويقترح إقامة أي دولة فلسطينية خارج إسرائيل في دول مجاورة مثل مصر وسوريا والأردن. ويرفض حل الدولتين باعتباره "غير منطقي وغير عملي".

ويقول هاكابي: "أؤمن بالكتاب المقدس، سفر التكوين:12: من يبارك إسرائيل يُبارَك، ومن يلعن إسرائيل يُلعَن. أريد أن أكون في صفّ المبارَكين، لا في صفّ اللعنة". ويدعو جون راتكليف، الذي عيّنه ترامب مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية، إلى مساعدة إسرائيل فيما وصفه بنهج "وضع قدم [إسرائيل] على حنجرة" إيران.

أما وزير دفاع ترامب، بيت هيغسيث، فيجادل بأن "الصهيونية والأميركية هما خط المواجهة الأمامي للحضارة الغربية والحرية في عالمنا اليوم" – ويُروّج لفكرة عبثية مفادها أن الكتاب المقدس "العبري"، المكتوب قبل 4000 عام، يُمكن استخدامه لرسم حدود وطنية معاصرة.

فصرّح لقناة فوكس نيوز في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي: "افتحوا كتابكم المقدس. لقد منح الرب إبراهام هذه الأرض. أسست أسباط إسرائيل الاثنتا عشرة مملكة دستورية عام 1000 قبل الميلاد. كان الملك داود ملكهم الثاني وأسس القدس عاصمةً لهم. اليهود حاربوا المحتلين الأجانب لقرون، وفي النهاية حافظوا على وجودهم هناك. والآن، يحاول الفلسطينيون والعرب والمسلمون محو صِلات اليهود بالقدس، بينما أتحدث. لقد زرت القدس مرات عديدة. إنهم يحاولون تصوير الأمر وكأن اليهود لم يكونوا هناك قط. أهم جانب في هذا هو أن المجتمع الدولي منح السيادة لليهود، للدولة اليهودية، بعد الحرب العالمية الثانية، واضطرت إسرائيل لخوض حرباً دفاعية تلو الأخرى لمجرد البقاء، حيث هبّت كل دولة لسحقها، منذ ذلك الحين".

الداعية التلفزيونية بولا وايت-كين، وهي مسيحية صهيونية متشددة، تقول إن أي تحدي لترامب أشبه بـ"محاربة يد الرب"، وهي مستشارة أولى بمكتب الإيمان (الدين) المُنشأ حديثًا في البيت الأبيض.

الذريعة: معاداة السامية!

شوّه الصهاينة سمعة الجامعات الأميركية باعتبارها حليفة لحماس فَور توغل 7 تشرين الأول/أكتوبر في إسرائيل، قبل أسابيع من احتجاجات أي حرم جامعي. واستجابة للانتقادات والمخيمات الطلابية، حظرت هذه الكليات والجامعات الاحتجاجات وأغلقت حرية التعبير. وقامت بتأديب وإيقاف وطرد طلاب ناشطين. كما طردت أو وضعت تحت المراقبة أعضاء هيئة تدريس وإداريين انتقدوا الإبادة الجماعية.

شهدت حملة "مطاردة الساحرات" خضوع رؤساء جامعات هارفرد وبنسلفانيا ومعهد تكنولوجيا ماساتشوستس لمحاكمات تحقيق مكارثية في جلسات استماع بالكونغرس بقيادة النائبة إليز ستيفانيك. أُجبرت رئيستا جامعتي هارفرد وبنسلفانيا بالنهاية على التنحي لعدم كفاية تذللهما. ستيفانيك، المبتهجة بطرد رؤساء جامعات عريقة، أصدرت بياناً وتعهداً بـ"المضي قُدمًا لكشف فساد أعرق مؤسسات التعليم العالي لدينا، والمساءلة نيابة عن الشعب الأميركي".

ستيفانيك مرشحة ترامب لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وتؤمن بأن "لإسرائيل حقاً توراتياً في كامل الضفة الغربية".

قبل أربعة أشهر من إقامة مخيم الاحتجاج بالحرم الجامعي، حظرت جامعة كولومبيا فرعي منظمتي "طلاب لأجل العدالة بفلسطين" و"صوت يهودي لأجل السلام". وبمجرد إقامة مخيم الاحتجاج بقلب الجامعة، سمحت بثلاث مداهمات للشرطة، واعتقال أكثر من 100 طالب. وطردت أربعة طلاب، ثلاثة منهم بكلية برنارد وواحد بجامعة كولومبيا. كما أجبرت أساتذة وإداريين على الرحيل.

ورغم إجراءات صارمة فرضها مسؤولون بجامعة كولومبيا، ألغت إدارة ترامب 400 مليون دولار منحاً فيدرالية مخصصة للجامعة، وذلك بسبب ما زعمته "تقاعساً مستمراً عن مواجهة المضايقات المستمرة للطلاب اليهود".

لا علاقة للحملة التي تُشنّ ضد الكليات والجامعات بمكافحة معاداة السامية. لن تستطيع كولومبيا والجامعات الأخرى تهدئة منتقديها. فالحملة تستهدف تجريم المعارضة وإجبار المؤسسات التعليمية على الالتزام بالإملاءات الأيديولوجية لليمين المتطرف والفاشيين المسيحيين. والذريعة: معاداة السامية.

تشويه المسيحية والكتاب المقدّس

يُشوّه الفاشيون المسيحيون المسيحية لإضفاء قداسة على سيادة وفوقية البيض والإمبراطورية الأميركية والرأسمالية، بالإضافة إلى شيطنة من يعارضونهم واعتبارهم شياطين. هؤلاء الهراطقة [الفاشيون] – وهيدجز يتحدث كخريج كلية لاهوتية – يُشوّهون الأناجيل بنفس الطريقة التي يُشوّه بها الفاشيون اليهود التوراة. 

في الواقع، ووفقًا لعقيدة الفاشيين المسيحيين الأخروية، سيعتنق يهود إسرائيل المسيحية أو يُبادون في "آخر الزمان"، مما يكشف جذورهم المعادية للسامية العميقة وتبنيهم الصريح لمنظري النازية أمثال كارل شميدت والمتعاطفين معهم أمثال روساس جون رَشدوني.

تنتهك إسرائيل الأعراف الدبلوماسية والأخلاقية روتينياً. فتتجاهل القانون الدولي والإنساني الدولي، وترتكب إبادة جماعية منتهكة اتفاقية الأمم المتحدة لتجريم الإبادة الجماعية (1948). وتهزأ بمفهوم المجتمع الديمقراطي المفتوح، وتجعل مواطنين من الدرجة الثانية، ونظام فصل عنصري يهيمن عليه أوروبيو الأصل غالباً. وتستخدم قوة مميتة عشوائياً لـ"تطهير" مجتمعها ممن يُوصفون بـ"ملوثات بشرية" و"حيوانات بشرية".

يزعم هؤلاء المتعصبون أن الفوقية اليهودية، مثل فوقية الفاشيين المسيحيين، مُقدّسة من الله. إن مذبحة الفلسطينيين، الذين شبّههم بنيامين نتنياهو بعماليق التوراة، هي تجسيد للشر، ويستحقون القتل. واستخدم المستوطنون الأوروبيون بالمستعمرات الأميركية نفس النص التوراتي لتبرير إبادة الأميركيين الأصليين. العنف والتهديد بالعنف هما وسيلتا التواصل الوحيدتان التي يتحدثها الذين داخل الدائرة السحرية للقومية اليهودية أو القومية المسيحية.

محاكاة الفاشية اليهودية

يسعى الفاشيون المسيحيون لمحاكاة الفاشية اليهودية. ويتوقون لـ"تطهير" المجتمع الأميركي من "ملوثاته" البشرية، كما تطهر إسرائيل نفسها عرقيًا من الفلسطينيين. ينص قانون إسرائيل الأساسي (الدستوري)، "قانون الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي أقره الكنيست عام 2018، على أن حق تقرير المصير في إسرائيل "حصري للشعب اليهودي". 

يخطط الفاشيون الأميركيون لمحاكاة هذا التمييز القانوني نيابة عن المسيحيين البيض. وسيكون أعداء الفاشية المألوفون – الصحافيون، ودعاة حقوق الإنسان، والناس الملونون، والعمال غير المسجلين، والمسلمون، والمثقفون، والفنانون، والنسويات، والليبراليون، واليسار، والمسالمون، والفقراء – مستهدفين، كما الحال في إسرائيل.

سيصبح القضاء أداةً لقمع المعارضين وحماية الأغنياء. سيتلاشى النقاش العام. سيختفي المجتمع المدني وسيادة القانون. سيُضطهد من يُوصفون بـ"الخونة"، كما يتضح من جهود وزارة الخارجية الأميركية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، المسماة بـ"القبض والإلغاء"، لـ"إلغاء تأشيرات الأجانب الذين "يبدو" أنهم يدعمون حماس أو غيرها من الجماعات المصنفة إرهابياً".

في 8 مارس/آذار، اعتقلت سلطات الهجرة الفيدرالية الناشط بجامعة كولومبيا محمود خليل، من أصل فلسطيني، رغم أنه مقيم دائم قانونياً. وصرحت المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي، تريشيا ماكلوغلِن، بأن خليل اعتُقل "دعمًا للأوامر التنفيذية للرئيس ترامب التي تحظر معاداة السامية".

إنّ اعتقال شخص مقيم دائم قانونياً واحتمال ترحيله نذيرٌ بالسوء.

إحياء النضال لهزيمة الفاشية

للفاشية أشكالٌ مختلفة، لكنّ خصائصها الجوهرية واحدة. لهذا السبب يعمل الفاشيون المسيحيون بنشاطٍ كبيرٍ لصالح إسرائيل. تزدهر الفاشية من الشعور بالمظلومية. سيتحقق الخلاص المشيحاني في إسرائيل بمجرد طرد الفلسطينيين، المُدانين بتجسيد الشر. 

وسيتحقق الخلاص المشيحاني لأميركا بمجرد إعادة السلطة المطلقة إلى دولة قومية عرقية مسيحية بيضاء! دولة تُلغي تشريعات الحقوق المدنية – قانون حقوق التصويت لعام 1965 الذي نقضته المحكمة العليا بالفعل – وتُقلص خدمات اجتماعية "ترأف" بالفقراء، خاصةً الملونين.

ويُحذّر هيدجز، فالرياح وموجات المد تسير ضدنا. التحالفات القديمة تُفسح المجال للاستبداد العالمي، سواءً في روسيا فلاديمير بوتين، أو صين شي جين بينغ، أو هند ناريندرا مودي، أو مجر فيكتور أوربان، حيث تستخدم جميعها القوانين والشرطة المُسلحة لإسكات المعارضين والصحفيين والطلاب والأساتذة، وفي أرقى جامعاتها مثل جامعة جواهر لال نهرو الهندية. اليمين المتطرف آخذ في الصعود بجميع أنحاء أوروبا، خاصةً بفرنسا وألمانيا. لقد انكسر اليسار الراديكالي والحركة العمالية. دفاعاتنا قليلة ومحدودة. لن نحظى بحماية الحزب الديمقراطي المُستعبَد والمُستسلم للشركات، أو مؤسسات ليبرالية كجامعة كولومبيا.

لا يُمكن هزيمة الفاشية إلا بنضال مُضاد – نضال أظهره الشيوعيون والفوضويون والاشتراكيون بثلاثينيات القرن الماضي – نضال يُقدم رؤيةً بديلة ولا يُساوم ولا يتنازل لسلطة استبدادية. هذا النضال المُضاد يُقرّ بحتمية قمع الدولة الوحشي وضرورة التضحية بالنفس. ولا يسعى لتسوية أو مُهادنة. سنُعيد إحياء هذا النضال ونُقاوم بأعمال عصيان مدني مُستمرة – كالإضرابات – ضد قوى الاستبداد، أو نُصبح عبيدها.