الموقف التفاوضي بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل"
يعتمد الطرف الإسرائيلي على الأدوات الخشنة في التفاوض أبرزها الأداة العسكرية من خلال قتل أكبر عدد من الفلسطينيين حتى باتت تصنف الحرب في قطاع غزة بالإبادة الجماعية.
-
مواقف وأهداف الأطراف الرئيسيين في التفاوض.
أخذ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي شكلاً مختلفاً منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023 عندما شنّت المقاومة الفلسطينية هجوماً مفاجئاً على المواقع العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات المحاذية لقطاع غزة في عملية سمّتها "طوفان الاقصى "، الأمر الذي اعتُبر فشلاً استراتيجياً في مفاهيم العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي تقوم عل الردع والإنذار المبكر والحسم والدفاع . وشنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي حرباً على قطاع غزة أطلقت عليها حرب "السيوف الحديدية" المستمرة حتى تاريخه.
يمتلك الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني عناصر قوة مختلفة، فالعدو الإسرائيلي يمتلك فائضاً هائلاً من القوة العسكرية وتحالفاً استراتيجياً مع الدول العظمى وعلى رأسها الإدارة الأميركية، بيد أن المقاومة الفلسطينية تمتلك نقاط قوة أبرزها الاحتفاظ بعدد من الأسرى الإسرائيليين، عدد منهم ضباط وجنود، كما تعتمد المقاومة على قدرتها على الصمود، وخوض معركة استنزاف لفترة طويلة، بيد أنها تفتقر إلى الظهير السياسي والحليف الإقليمي والدولي، الأمر الذي يعتبر اختلالاً عميقاً في موازين القوى بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، والذي انعكس بدوره على طاولة المفاوضات، فاعتمد الجانب الإسرائيلي على القوة الغاشمة التي شملت القوة العسكرية والحصار الاقتصادي، وصولاً إلى التجويع، بينما استمرت المقاومة الفلسطينية في التمسك بموقفها التفاوضي المتمثل في وقف الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية وإدخال المساعدات والإغاثة والإعمار وتبادل الأسرى، بينما يسعى الجانب الإسرائيلي لاستنزاف الموقف الفلسطيني وإجباره على تقديم تنازلات جوهرية وصولاً إلى إخضاعه بالكامل.
على الرغم من نجاح المرحلتين الأولى والثانية من المفاوضات التي شملت هدنتين، الأولى استمرت لمدة أسبوع في الشهر الأول من الحرب والثانية استمرت نحو تسعة أسابيع تخللها تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، إلا أن الهدنة الأخيرة اخترقها الجانب الإسرائيلي من جانب واحد حتى تاريخه، ويسعى الوسطاء لسد الفجوات القائمة بين الطرفين وصولاً إلى وقف إطلاق نار دائم.
مواقف وأهداف الأطراف الرئيسيين في التفاوض
الطرف الفلسطيني
⁃ الهدف السياسي: استعادة المكانة السياسية للقضية الفلسطينية على المستوى الإقليمي والدولي.
⁃ وقف العدوان وحرب الإبادة على قطاع غزة.
⁃ إدخال المساعدات والإغاثة وبدء الإعمار لقطاع غزة عبر مؤسسات الأمم المتحدة.
⁃ انسحاب كامل لقوات "الجيش" الإسرائيلي من قطاع غزة تدريجياً.
⁃ تشكيل إدارة فلسطينية مستقلة تدير قطاع غزة بعيداً من السيطرة الإسرائيلية.
الطرف الإسرائيلي
_ إخضاع المقاومة الفلسطينية عبر استسلامها الكامل أو القضاء عليها عسكرياً وحكومياً وسياسياً.
_ ألّا يشكل قطاع غزة تهديداً مستقبلياً لـ"إسرائيل" .
_نزع سلاح المقاومة وإبعاد عناصرها خارج قطاع غزة.
_ العمل على تهيئة البيئة في قطاع غزة للتهجير القسري للسكان .
_ دراسة جدوى احتلال قطاع غزة بالكامل في حال فشل الأهداف أعلاه.
طرفا الوساطة مصر وقطر
مصر
_ الحفاظ على الأمن القومي المصري
_ منع التهجير الفلسطيني لمصر كونه يشكل تهديد للأمن القومي المصري.
_ وقف العدوان على قطاع غزة.
_ العمل على تعزيز الدور المصري من خلال الورقة الفلسطينية.
. _ استعادة سيطرة السلطة الفلسطينية لتتولى حكم قطاع غزة.
_ الحد من نفوذ فصائل المقاومة وحركة حماس داخل قطاع غزة.
قطر
_ وقف العدوان على قطاع غزة.
_ تعزيز الدور القطري من خلال دبلوماسية الوساطة .
_ تعزيز النفوذ القطري وتأثيره على مسارات القضية الفلسطينية .
_ كسب ثقة مختلف أطراف النزاع
الولايات المتحدة الأميركية
⁃ ضمان انتصار حليفها الاستراتيجي "إسرائيل" وهزيمة المقاومة الفلسطينية.
⁃ تعزيز التحالف الأميركي الإسرائيلي والحفاظ على قوة "إسرائيل " كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط.
⁃ تحقيق مفهوم "السلام" بالقوة والانطلاق لتوسيع مسار التطبيع بين "إسرائيل" والدول العربية والإسلامية عبر توسيع ما يعرف بـ "اتفاقيات أبرهام".
⁃ تحقيق المصالح الأميركية في المنطقة والعالم.
⁃ استخدام "إسرائيل " كأداة وظيفية لردع الدول والكيانات المناوئة للولايات المتحدة في المنطقة.
يعتمد الطرف الإسرائيلي على الأدوات الخشنة في التفاوض أبرزها الأداة العسكرية من خلال قتل أكبر عدد من الفلسطينيين حتى باتت تصنَّف الحرب في قطاع غزة بالإبادة الجماعية، ويستخدم الأداة الاقتصادية عبر الحصار الاقتصادي الشامل الذي وصل منذ بداية حزيران/ يونيو 2025 إلى مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي أدى إلى ما جرى توصيفه من المؤسسات الأممية بالمجاعة في قطاع غزة، كما استخدم الطرفان الأميركي والإسرائيلي الأداة الدبلوماسية عبر الضغط على الوسيطين المصري والقطري للقيام بممارسة الضغط بدورهما على الطرف الفلسطيني لتقديم تنازلات وإبداء مرونة أكبر في مراحل التفاوض المختلفة، كما استخدما مؤخراً أسلوب الانسحاب والتهديد في محاولة لإجبار الطرف الفلسطيني على التراجع لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات.
في المقابل، استخدمت المقاومة الفلسطينية أدوات تفاوضية مختلفة وفقاً لإمكاناتها فاستخدمت الأداة العسكرية عبر تكثيف العمليات العسكرية والمواجهة المباشرة مع القوات الغازية واستخدمت الأداة الدبلوماسية عبر التهديد بعدم الاستمرار في المفاوضات والانتهاء من الاتفاقيات الجزئية في حال رفض الجانب الإسرائيلي التوافق على إطار مقبول في المفاوضات الجارية.
واستخدم الطرف الفلسطيني الأداة الإعلامية لفضح جريمتي الإبادة والتجويع والتي نجح من خلالها في العزلة الدولية لـ "إسرائيل" واهتزاز صورتها على مستوى العالم. الأمر الذي أدى إلى إجبار الدول الحليفة تقليدياً لـ "إسرائيل" كبريطانيا وفرنسا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقيام أغلبية الدول الأوروبية بالتهديد بعقاب الحكومة الإسرائيلية على أكثر من مستوى.
مارس الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي تكتيك الضغط الدولي لتحقيق أهدافهما، فالطرف الإسرائيلي اعتمد على التنسيق مع الإدارة الأميركية لقيام الأخيرة بالضغط على الوسيطين المصري والقطري للضغط على الطرف الفلسطيني لتقديم مرونة في المفاوضات، وقيامه بتهديد مختلف الدول والكيانات من دعم المقاومة الفلسطينية، وممارسة الضغط على الدول الأوروبية بعدم التجاوب مع الرواية الفلسطينية حتى لا يفسر ذلك بأنه جائزة لما تسمّيه "الإرهاب" .
في المقابل اعتمد الطرف الفلسطيني على التنسيق مع حلفائه من الدول والكيانات في المنطقة لدعمه عسكرياً وسياسياً وبالتحديد من إيران وحزب الله واليمن، كما عزز اتصالاته مع قطر وتركيا، لتعزيز دعمهما الدبلوماسي والإعلامي.
كما استخدم الطرف الفلسطيني الأداة القانونية عبر حث الدول الصديقة للشعب الفلسطيني على إدانة "إسرائيل" في المحافل الدولية، علماً أن محكمة الجنايات الدولية اتهمت بالفعل قادة الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، بارتكاب جرائم حرب كما تنظر محكمة العدل الدولية في قضية اتهام "إسرائيل " باقتراف الإبادة الجماعية وجرائم حرب التي قدمتها دولة جنوب أفريقيا.
ومن خلال معركة الصورة سعى الطرف الفلسطيني لتحشيد الرأي العام العالمي لدعم القضية الفلسطينية وإدانة جرائم الحرب الإسرائيلية.
استخدمت الحكومة الإسرائيلية أسلوب المماطلة والتسويف على طاولة المفاوضات وذلك لإتاحة الفرصة لها لتنفيذ مزيد من الإبادة على الأرض، من خلال عدم إرسال وفود إسرائيلية بمستوى عالٍ للمفاوضات وبصلاحيات محدودة، الأمر الذي يؤخر إنجاز البنود محل التفاوض . بيد أن الطرف الفلسطيني لم يستجب لطلب الأطراف تقديم ردود سريعة بسبب سعيه لدراسة شاملة مع مختلف الأطراف الفلسطينيين وسعياً منه للإيضاح للطرف الإسرائيلي بعدم نجاحهم في الابتزاز التفاوضي، بيد أن التأخير التفاوضي من الجانب الفلسطيني قابلته "اسرائيل " بمزيد من الضغط العسكري والابادة والجرائم على الشعب الفلسطيني.