ثور ترامب الهائج في مواجهة العرب.. لمن تكون الغلبة!

قديماً قالوا تمخّض الجبل فولد فأرا، واليوم نقول بلسان التمنّي تمخّض جبل العرب فولد أسدا، أسداً يقف في وجه الثور الأميركي الجامح، وفي وجه مخطّطاته العدوانية التي تهدّد كلّ المشرق العربي والإسلامي.

0:00
  • في معظم مراحل الصراع العربي اتّسم الموقف العربي بالعجز والضعف وقلّة الحيلة.
    في معظم مراحل الصراع العربي اتّسم الموقف العربي بالعجز والضعف وقلّة الحيلة.

لا أعرف سبباً يدعو البعض للتفاؤل بموقف عربي حاسم وواضح يواجهون به الهجوم الكاسح الذي يشنّه عليهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولا أرى في الأفق سواء قبل انعقاد القمة العربية في القاهرة أو بعدها، ردود أفعال مجدية قد تفرمل اندفاعة الثور الأميركي المتسلّح بعصاه الغليظة والخشنة، وهو يعتمد كما يشير الكثيرون سياسة الهجوم تلو الهجوم، والتي يحاول من خلالها منع خصومه وحتى حلفائه من التقاط أنفاسهم، وحشرهم في زاوية ردود الأفعال العشوائية والمرتبكة، والتي لا يبدو أنها تجدي نفعاً حتى الآن على أقلّ تقدير.

جملة التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي والتي تناول من خلالها قضايا حسّاسة تهمّ كلّ العرب والمسلمين في العالم، والتي كان على رأسها تلك المتعلّقة بتهجير أهالي قطاع غزة من مناطق سكناهم بحجة إعادة الإعمار، والذي تبعه تصريح آخر عن رغبته في شراء أراضي القطاع وتحويلها إلى أماكن سياحية، وإلى فتح أبواب الجحيم على سكان القطاع في حال لم يتمّ تسليم الأسرى ظهيرة السبت المقبل، بالإضافة إلى الكثير من التفاصيل الأخرى التي تتعلّق بهذا الموضوع، والتي كان من بينها تهديده للدول التي سترفض توطين الفلسطينيين على أراضيها، وفي المقدّمة منها مصر والأردن، واللتان أبدتا ردّاً محتشماً وخجولاً على مطالب ترامب وتهديداته، وإن كان مغلّفاً بشيء من الرفض والاستنكار.

السعودية هي الأخرى دخلت دائرة الدول التي يرغب ترامب في طرد الفلسطينيين إليها، وهذا الطلب تبنّاه الكثير من أقطاب التيار الديني الصهيوني المتطرّف، إذ طالب البعض منهم مثل الأحمق بتسلئيل سموتريتش باقتطاع مساحات من الأراضي السعودية لصالح خطة التهجير، والتي كانت على الدوام مطلباً وهدفاً استراتيجياً لقوى اليمين المتطرّف في "إسرائيل".

وبغضّ النظر عن الأسباب الحقيقية لرفض الدول سالفة الذكر وغيرها لخطة ترامب، والتي تتنوّع من وجهة نظرنا ما بين الخوف من إحداث تغيير ديموغرافي في بيئة بعض البلدان مثل الأردن، أو حدوث خطر على الأمن القومي لدول أخرى بسبب ارتباط شريحة من الفلسطينيين بقوى سياسية معارضة كما هو الحال في مصر، فإنّ نجاح الجانبين الأميركي والإسرائيلي في تطبيق هذه الخطة الجهنّمية، حتى وإن اقتصرت على بضع مئات من الآلاف من سكان القطاع الصغير والمنكوب، والذين يبلغ تعدادهم الإجمالي بحسب آخر إحصائية نحو مليونين وثلاثمئة ألف نسمة، فإنّ المخاطر الناجمة عن ذلك ستتجاوز مخاوف تلك الدول بمراحل. 

كما أنّ تأثير هذه المخاطر سيمتدّ ليشمل منظومة الأمن القومي العربي والإسلامي في مختلف دول الإقليم، وسيسمح بنشوء تحوّلات جيوسياسية تصبّ في مصلحة "الدولة" العبرية بشكل كامل، وستؤدّي فيما يمكن أن تؤدّي إليه إلى سقوط الجدار الأخير الذي يقف في وجه الأطماع التوسّعية للكيان الصهيوني، والذي ما زال يطمح في إنشاء دولته الممتدة من النيل إلى الفرات، خصوصاً في ظلّ سيطرة قوى اليمين المتطرّف على السلطة، ووقوف صديقها الوفي والمخلص دونالد ترامب على رأس أقوى دولة في العالم. 

في معظم مراحل الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي الممتدّ منذ أكثر من مئة عام، والذي تحوّل بفعل فاعل إلى صراع فلسطيني ـــــ إسرائيلي، بعد أن تنصّلت العديد من الدول العربية من تعهّداتها بدعم الفلسطينيين أو الدفاع عنهم، بل وصل الأمر ببعضها إلى عقد معاهدات وأحلاف دافعت وحمت "دولة" الكيان، كما كان الحال أبّان عمليتي الوعد الصادق الإيرانيّتين، في معظم تلك المراحل اتّسم الموقف العربي بالعجز والضعف وقلّة الحيلة، وباتت مصطلحات من قبيل نطالب ونناشد وندعو، تهيمن على ما سواها من مصطلحات. 

كما أضحت كلّ البيانات الصادرة عن تلك الاجتماعات معروفة للجميع، ويمكن التنبّؤ بها قبل صدورها بأيام، حتى أنّ تلك الاجتماعات باتت مثاراً للسخرية والتندّر من قِبل الشعوب، والتي عانت هي الأخرى من حالة من البلادة وعدم التفاعل مع الكثير من القضايا المركزية التي كانت يوماً ما في مقدّمة اهتماماتهم وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والتي عانت وما زالت تهميشاً ونسياناً غير مسبوقين خلال السنوات الأخيرة.

قد يعتقد البعض أنّ التطوّرات الملحّة والمفاجئة في هذه الأيام، وخصوصاً تلك المتعلّقة بالملف الفلسطيني، وانعكاسه على مجمل الأوضاع في المنطقة، قد تساهم في ظهور موقف عربي وإسلامي مختلف، ولا سيّما أنّ الجميع بمن فيهم الأنظمة بدأت تتحسّس رأسها في ظلّ التوحّش الصهيوـــــ أميركي الحالي، وهي تشعر أنّ دورها مقبل سواء في هذه المرحلة أو التي بعدها، وهذا ما يمكن أن يدفعها لاتخاذ خطوات وإجراءات ملفتة وغير مُتوقّعة سواء بشكل منفرد، أو بشكل جماعي، قد تسهم في قلب الطاولة على رأس الجميع، بمن فيهم الأميركيون والإسرائيليون، وبما يُحدث الكثير من التحوّلات على مستوى العلاقات الدولية، وعلى مستوى التحالفات التي ظلّت ثابتة خلال الأربعين سنة الأخيرة على أقلّ تقدير.

هذا الاعتقاد يصطدم بالكثير من المعوّقات التي نشأت خلال السنوات الأخيرة، والتي ربطت فيها معظم الأنظمة العربية والإسلامية مصيرها بسياسات القوى الكبرى على مستوى العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي تمكّنت رغم العديد من التحوّلات خلال العقد الماضي من مواصلة فرض سيطرتها وهيمنتها على معظم دول المنطقة، ولا سيّما العربية منها، وأضحى الموقف الأميركي من عديد القضايا ومن بينها العدوان الواسع على قطاع غزة، وعلى الأراضي اللبنانية واليمنية بمثابة مرجعية ثابتة لتلك الدول، ما أدّى إلى ظهورها بمظهر العاجز والضعيف، وربما في بعض الأحيان المتعاون أو المتواطئ مع جرائم الاحتلال الصهيوني المارق.

وحتى لا نبدو متشائمين زيادة عن اللزوم، يمكننا الإشارة إلى تلمّس بداية حراك عربي جادّ ربما قد يغيّر الصورة السابقة، وقد يفاجئنا ويفاجئ الجميع بما لم نكن نتوقّعه، بحيث يؤدّي هذا الحراك وإن كان محدوداً إلى تغيير في موازين القوى، وإلى إشهار بطاقة الرفض في وجه الأميركي والإسرائيلي، وإلى نشوء جسم عربي أقلّ ما يمكن أن يُوصف به هو أنه بإمكانه الصمود في وجه الهجمات الأميركية المستمرة، ووضع حدّ لها قد يمنعها من التمادي أكثر في غيّها وعدوانها وبطشها.

صحيح أنّ المعطيات المتوفّرة حتى الآن لا تشي بذلك، ولا سيّما بعد زيارة ملك الأردن للبيت الأبيض، والتي حاول البعض تصويرها بأنها حقّقت نتائج مبهرة تتطلّب تنظيم حفل استقبال للملك العائد إلى العاصمة عمّان، وفي ظلّ تردّد الرئيس المصري في القيام بزيارة مماثلة، قد تضعه أمام استحقاقات يريد التهرّب منها، إلا أنّ المنطق يقول إن التغيّرات الدراماتيكية تبقى واردة، خصوصاً بعد أن وصلت النار إلى قصور وبيوت الحكّام العرب أنفسهم، وهو موقف لم يعايشوه خلال السنوات الغابرة.

قديماً قالوا تمخّض الجبل فولد فأرا، واليوم نقول بلسان التمنّي تمخّض جبل العرب فولد أسدا، أسداً يقف في وجه الثور الأميركي الجامح، وفي وجه مخطّطاته العدوانية التي تهدّد كلّ المشرق العربي والإسلامي، وفي وجه العدوان الصهيوني المتواصل ضدّ كلّ شعوب المنطقة، وفي المقدّمة منهم الشعب الفلسطيني المظلوم، والذي ما زال يواصل مسيرة الدفاع عن كلّ أبناء الأمّة، وعن مصالحها الحيوية، على الرغم من كلّ ما يقدّمه من أثمان باهظة لم يسبق لها مثيل.