حرب الـ12 يوماً، خلاصات أولية!

خاضت طهران المواجهة من موقع رد العدوان والدفاع عن البلاد والعباد، منطلقة من مسلمة لا لبس فيها، وهي أن المساس بأمنها القومي يشكّل خطاً أحمر.

0:00
  •  هل
    هل "إسرائيل" جاهزة للجولة المقبلة؟

مع إعلان الولايات المتحدة وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وإيران، تتجه الأنظار نحو تقييم أولي لما تحقق لكل طرف من هذه الجولة التصعيدية غير المسبوقة. سنحاول هنا، بموضوعية، رصد الأهداف المُعلنة والخفية للعدوان على إيران، ونقارن بين المكاسب والخسائر لكلا الطرفين.

 أهداف العدوان... مروحة الرماد

مع انطلاق العدوان الإسرائيلي على إيران، أعلنت "تل أبيب" أن هدفها المباشر يتمثل في تدمير البرنامج النووي الإيراني. لكن سرعان ما ارتفعت سقوف الأهداف في الرهان على عنصر المفاجأة واللحظة الخاطفة، إذ صرّح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن المواجهة تتجاوز المنشآت النووية، وصولًا إلى محاولة إسقاط النظام الإيراني نفسه، وهو ما عكسه في رسائل علنية وموجّهة إلى الداخل الإيراني؛ وفي كل يوم من أيام الحرب، ومع التقدم الإيراني في ميدان المواجهة، كانت مروحة الأهداف الإسرائيلية المعلنة تدخل في العشوائية والعبثية أكثر، فمن الترويج لهدف إسقاط النظام، إلى اعتباره نتيجة محتملة، إلى استبعاده، ومن الترويج إلى القضاء على البرنامج النووي، إلى إعادته إلى الخلف، إلى التشكيك في جدوى العدوان على المنشآت، ومن الترويج للقضاء على نسبة عالية من منصات الصواريخ، إلى الرضوخ تحت وابلها إلى وقف العدوان. 

باختصار، كانت الأهداف التي تعلنها "إسرائيل" على امتداد أيام الحرب، تدخل يوماً بعد يوم في خانة التصريحات الضبابية والرمادية، بسبب عدم القدرة على الإنجاز، فتطايرت في نهاية الأمر مثل الرماد. 

في المقابل، خاضت طهران المواجهة من موقع رد العدوان والدفاع عن البلاد والعباد، منطلقة من مسلمة لا لبس فيها وهو أن المساس بأمنها القومي يشكل خطاً أحمر، وأن أي اعتداء على سيادتها سيقابل بردٍ مباشر وقاسٍ.

إيران في ميزان المكاسب والخسائر

على مستوى الخسائر، تكبّدت إيران أثماناً بشرية ومادية لا يمكن إغفالها، رغم غياب الأرقام الدقيقة حتى الآن. فقد خسرت طهران عدداً من القيادات البارزة على المستويين العسكري والعلمي في ضربات استهدفت مواقع حساسة تحديداً في الساعات الأولى من العدوان. أما بالنسبة إلى برنامجها النووي السلمي، فتشير التقديرات الأولية إلى تضرر جزئي لبعض المنشآت النووية، إلا أن حجم الأذى الفعلي لا يزال غير معروف حتى الآن؛ ولكنه في المحصلة، لن يكون ضرراً استراتيجياً على مستوى البرنامج ككل، المسنود أولاً وأخيراً بتراكم معرفتها وخبراتها.

اقتصادياً، مما لا شك فيه أن الحرب تركت وستترك ارتدادات مباشرة على الوضعين المالي والمعيشي داخل إيران، لكن مدى التأثير الكامل لا يزال رهن الوقت والتقارير اللاحقة. أما من الناحية البشرية، فلم تُعلن حتى الساعة الحصيلة الدقيقة للشهداء والخسائر في صفوف المدنيين والعسكريين، ما يترك الباب مفتوحاً أمام تقديرات متفاوتة وحديث إعلامي كثير، لكنه غير محسوم.

في مقابل الخسائر، سجّلت إيران سلسلة من المكاسب اللافتة التي أعادت تموضعها كقوة إقليمية قادرة على خوض مواجهة مباشرة مع عدو بحجم "إسرائيل" وما تمثله في المنطقة، بل وخوض مواجهة مع الراعي الأساسي لها، وهو الولايات المتحدة. فقد أظهرت طهران قدرة سريعة على امتصاص الصدمة الأولى والتأقلم مع وتيرة التصعيد، ما فاجأ كثيرين في الأوساط الأمنية والعسكرية.

ولأول مرة منذ عقود، أصبحت إيران الدولة الأولى التي تقصف "تل أبيب" بشكل مباشر، في تحول رمزي واستراتيجي ضرب العمق الإسرائيلي وأحدث أثراً معنوياً ومادياً في البنية الاجتماعية للمجتمع الاستيطاني. ولأول مرة منذ أكثر من خمسين عاماً، تواجه دولة إقليمية كبرى "إسرائيل"، ومن مسافة بعيدة، ومن دون مقاتلات حربية، ومن دون القدرة على توظيف ورقة قوة بحجم القوة البرية الإيرانية، كل ذلك حدث باستخدام السلاح الصاروخي الدقيق.

في هذه الحرب، حوّلت إيران تهديداً كبيراً إلى فرصة، واستفادت من الحرب لكشف شبكات تجسس واسعة تابعة لـ"إسرائيل" في الداخل، ما يعد ضربة أمنية بالغة الدقة، وتطويقاً لجهود إسرائيلية متراكمة لسنوات على الأغلب. وعلى الصعيد العسكري، أكدت الحرب فعالية الترسانة الصاروخية الإيرانية، بعد أن فشلت الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأميركية المتطورة في اعتراض جميع الصواريخ، الأمر الذي يُسجَّل لمصلحة طهران كرسالة ردع واضحة، باستخدام نموذج عسكري استثنائي.

في ميزان المكاسب والخسائر، هنالك مكاسب غير قابلة للقياس الكمّي، ولكن مفاعيلها الاستراتيجية تكون الأكثر فعالية؛ فإيران بتصدّيها الحاسم للعدوان، ومشروع الهيمنة على المنطقة ككل؛ تحطّم الدعاية التحريضية الطائفية التي استثمرت فيها الولايات المتحدة لسنوات، وربما تؤسس لعقد اجتماعي سياسي جديد في المنطقة، عنوانه تعزيز مفاهيم التنمية المستقلة في المنطقة، وكل ذلك مدفوعاً بالالتفاف الشعبي العربي حول إيران في هذه الحرب. 

"إسرائيل" في ميزان المكاسب والخسائر

خاضت "إسرائيل" العدوان على إيران مدفوعة برؤية استراتيجية أراد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تجسيدها على أرض الواقع، غير أن نتائج المواجهة جاءت مركّبة، يتداخل فيها الإنجاز التكتيكي المحدود مع الخسائر الاستراتيجية العميقة.

على صعيد المكاسب، تمكنت "إسرائيل" من تحقيق أحد الأهداف التي طالما روّج لها نتنياهو: قصف منشآت نووية إيرانية، وعلى رأسها "فوردو"، وهو ما يُعتدّ إنجازاً عملياتياً ولو أن حجم الضرر الفعلي ما زال غير محسوم.

كما نجحت "تل أبيب" في جرّ الولايات المتحدة جزئياً إلى المشاركة في الضربات، ولكن محاولة الجرّ الإسرائيلية للولايات المتحدة لم تكن كما يشتهي نتنياهو، بل إن حجم الانخراط يؤكد القاعدة السياسية القائلة بأن المصالح الاستراتيجية لواشنطن تعلو في نهاية الأمر على الرغبات الطائشة لنتنياهو .

كيف يمكننا تفسير جزئية ضرب الولايات المتحدة لمنشأة فوردو بـ30 طناً، بينما أسقطت "إسرائيل" على مكان وجود الأمين العام لحزب الله السابق السيد الشهيد حسن نصر الله نحو 80 طناً من المتفجرات!!!.

اليوم، تواجه الحكومة الإسرائيلية حالة من الغضب الشعبي، خصوصاً في الشمال، حيث وُصفت اتفاقية وقف إطلاق النار بـ"الاستسلام"، وتوالت الاتهامات بالتفريط في الأمن القومي، إلى حد أن وزراء مثل إيتمار بن غفير وصفوا القرار بـ"الخطأ التاريخي".

وتحت هذا الضغط، بدأنا نسمع بخشية محورها تراجع الشعور بالأمان لدى الإسرائيليين، ما قد يدفع إلى موجات هجرة معاكسة، وهذا هو العصب الاستراتيجي الذي يقلق نتنياهو على المدى الاستراتيجي، فـ"إسرائيل" قلقة اليوم من تصاعد نسب الهجرة المعاكسة بعد أن تهدأ جبهة الحرب، وليس في ذلك أي غرابة في ظل كيان غادر 760 ألف مستوطن منه، منذ تأسيسه إلى ما قبل "طوفان الأقصى"، وقد تتعاظم الأرقام في ظل وجود شريحة واسعة من الوظائف في قطاعات خدمية وتكنولوجية قابلة للاستمرار من خارج جغرافيا فلسطين المحتلة.

يُضاف إلى ذلك أن الهجمات الإيرانية ألقت بثقلها على الاقتصاد الإسرائيلي، مُحدثةً أضراراً تُقدّر بملايين الدولارات، في وقت انهارت فيه رواية "التفوق الإسرائيلي المطلق"، بعد أن شهد العمق الإسرائيلي هجمات مباشرة ودقيقة؛ وهذا أيضاً عصب مؤلم لـ"إسرائيل"، فالكيان، ومع كل البهرجة الإعلامية في ما يخص اقتصادها، لكنه في نهاية الأمر قائم على كمّ كبير من الاستثمار الخارجي، ويعتمد على توقعات المستثمرين، كما أنه يعتمد على المساعدات الخارجية، والحرب وأضرارها لا تناسب كل هذه المسارات. 

في المحصلة، وبعيداً من التصريحات الانتصارية، يمكن القول إن نتنياهو لم يحقق أهدافه الكبرى، بل فتح جبهة مع "عدو" وهو إيران يمتلك الجرأة والإرادة والقدرة على الرد، فوجد نفسه على أعتاب معركة استنزاف طويلة لا يتحمل نتائجها.

الحرب لم تغير موازين القوى، ولكنها كشفتها، وبيّنت الوزن الإيراني الحقيقي فيها، كما أنها غيّرت قواعد الاشتباك، وأسقطت أوهام "التفوق الإسرائيلي المطلق"، وجعلت كل ذلك مرئياً.

هذه الجولة انتهت، لكن السؤال الحقيقي يبقى: هل "إسرائيل" جاهزة للجولة المقبلة؟ وهل ستتحمل تداعيات حرب قررها نتنياهو، ودفعت ثمنها الجبهة الداخلية الإسرائيلية؟!

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.