ذعر اللوبي الصهيوني من فقدان السيطرة على الرواية
ذعر الجماعات الصهيونية في أميركا الشمالية من فقدان السيطرة على الخطاب العام ورواية الإبادة الجماعية، وتحوّلات الرأي العام العالمي العميقة من المشروع الصهيوني، قد نال مؤخرًا اهتمام كثيرين في أميركا وخارجها.
-
انهيار الرهان على الهولوكوست.
منذ أسبوعين، حلّ جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية المرموق في جامعة شيكاغو، ضيفًا على القاضي أندرو نابوليتانو، مُقدِم البرنامج الحواري على يوتيوب، "الحكم على الحرية" Judging Freedom. فتحدثا عن "إسرائيل"، وما تشهده من انحطاط أخلاقي لمجتمع لا يدافع فحسب، بل يُشيد بالجنود الذين اغتصبوا سجينًا فلسطينيًا بوحشية.
وناقشا جهوداً يائسة يبذلها اللوبي الصهيوني وعملاؤه، مثل مارك ليفين، للرد على ما يوجهه الإعلامي المحافظ الشهير، تاكر كارلسون، من انتقادات مؤثرة وذائعة إلى "إسرائيل"، عبر تصويره عدوًا لأميركا، ونقيضًا تامًا لمن يؤمنون بـ"أميركا أولاً"، مع أنّ ليفين من دعاة "إسرائيل أولاً"، ويحاول زورًا الظهور كأحد دعاة "أميركا أولاً".
كذلك، فإنّ ذعر الجماعات الصهيونية في أميركا الشمالية من فقدان السيطرة على الخطاب العام ورواية الإبادة الجماعية في فلسطين، وتحوّلات الرأي العام العالمي العميقة من المشروع الصهيوني، وبخاصة لدى شباب اليهود، وعزلة اللوبي الإسرائيلي (إيباك) سياسيًا في واشنطن، ورفض تبرعاته الانتخابية، قد نال مؤخرًا اهتمام كثيرين في أميركا وخارجها، كالكاتبة الأسترالية المستقلة، كايتلين جونستون.
انقسام بين الأجيال اليهودية
سارة هُرويتز، كاتبة خطابات أوباما السابقة، أدلت مؤخرًا بتصريحات كاشفة في مؤتمر الاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية، مُعربةً عن إحباطها من طريقة رفض الشباب اليهود الحجج المؤيدة لـ"إسرائيل" بعد المذبحة في غزة.
قالت هُرويتز: "نواجه الآن، كما أعتقد، انقسامًا جديدًا بين الأجيال هنا، وأعتقد أنه صحيح بشكل خاص لأن وسائط التواصل الاجتماعي أصبحت الآن مصدرنا الإعلامي". في الماضي، كانت الأخبار في أميركا تُبث عبر وسائل إعلام أميركية، وتمثل التيار الرئيسي جدًا؛ وكما تعلمون، لم تكن تُعبّر عمومًا عن آراء متطرفة معادية لـ"إسرائيل". كان عليك الذهاب إلى مكتبة غريبة نوعًا ما للعثور على وسائل إعلام عالمية وأخرى هامشية. أما اليوم، فلدينا وسائط التواصل الاجتماعي، وهي الوسيلة العالمية؛ يشكّل خوارزمياتها مليارات الأشخاص حول العالم لا يُحبّون اليهود حقًا. وفيما لم يكن في التسعينيات، مُرجّحًا أن يجد شابٌّ قناة الجزيرة أو شخصًا مثل نك فوينتس، فاليوم هذه المنافذ الإعلامية تجدهم؛ تجدهم على هواتفهم".
وأضافت هُرويتز: "تمثل هذه الوسائط الإعلامية باطراد ثقافة ما بعد القراءة؛ نصوص أقل فأقل، ومقاطع فيديو أكثر فأكثر". "إذاً، لديكم تيك توك يُدمّر عقول شبابنا طوال اليوم بفيديوهات المذبحة في غزة. لذلك، لا يستطيع الكثير منا إجراء محادثة عقلانية مع الشباب اليهود، لأن أي شيء نحاول قوله لهم، يسمعونه من خلال جدار المذبحة. لذلك، أريد أن أقدم بيانات ومعلومات وحقائق وحججاً، وهم يرون في أذهانهم: مذبحة. وأبدو أنا فاحشة".
انهيار الرهان على الهولوكوست
ومضت هُرويتز قائلة إن التوعية بالهولوكوست تأتي بنتائج عكسية، لأنها تُعطي الشباب انطباعًا خاطئًا بأن الإبادة الجماعية سيئة دائمًا.
وأضافت: "وكما تعلمون، أعتقد للأسف، أن الرهان الذكي الذي وضعناه على التوعية بالهولوكوست لتكون تثقيفًا حول معاداة السامية في بيئة الإعلام الجديدة، أعتقد أن هذا الرهان بدأ ينهار قليلاً، لأن التوعية بالهولوكوست ضرورية للغاية، لكنني أعتقد أنها قد تُربك بعض شبابنا بشأن معاداة السامية".
و"لأنهم يتعلمون عن النازيين الأقوياء ضخام الأجسام الذين يؤذون اليهود الضعفاء النحفاء، ويعتقدون أن معاداة السامية أشبه بالعنصرية ضد السود، أليس كذلك؟ البيض الأقوياء ضد السود الضعفاء. لذا، عندما يرون على تيك توك طوال اليوم، إسرائيليين أقوياء يؤذون الفلسطينيين الضعفاء الهزلى، فليس مستغربًا أن يفكروا: "أوه، أعلم أن درس الهولوكوست هو أن تحارب "إسرائيل". أن تحارب الأقوياء ضخام الأجسام الذين يؤذون الضعفاء."
تعلق جونستون: يا للهول! هنا الكثير مما يجب شرحه. فمن المثير للاهتمام حقًا رؤية كاتبة خطابات سابقة في البيت الأبيض تطرح نقاطًا عديدة طرحها خصوم الصهيونية لسنوات، لكن المعنى المقصود لدى هُرويتز معاكس تمامًا:
– لطالما أخفت وسائل الإعلام التقليدية السائدة الآراء المعادية لـ"إسرائيل" عن الجمهور، وكان ذلك أمرًا جيدًا.
– منحت وسائط التواصل الاجتماعي الفلسطينيين الآن صوتًا وقدرة على كشف حقيقة انتهاكات "إسرائيل"، وهذا أمر سيئ.
– لم يعد الناس ينخدعون بالتلاعب الصهيوني بالروايات، لأنهم رأوا المذبحة في غزة بأمّ أعينهم، وهذه مشكلة.
– أولئك الذين تعلموا من دروس الهولوكوست أن الإبادة الجماعية جريمة، يطبقون هذه الدروس على الإبادة الجماعية في غزة، وهذا يعني أنهم "مرتبكون".
لماذا تبدو فاحشة؟
لا تنكر هُرويتز انتهاكات "إسرائيل"، ولا تُصوّر فظائع الإبادة الإسرائيلية كمشكلة، بل تُصرّح صراحةً بأن حصول الناس على المعلومات والوضوح الأخلاقي حول الانتهاكات هما المشكلة! الفظائع ليست خطأ، بل المشكلة أن الناس يرونها ويصفونها كما هي.
جونستون تعجبها طريقة شكوى هُرويتز من أنها تبدو "فاحشة" لمحاولتها طرح حجج وروايات تبرر هولوكوست غزة للذين رأوا "جدار المذبحة" الناجم عن الإبادة الجماعية. والواضح أن هُرويتز ستبدو فاحشة إذا حاولت أن تخبر شخصًا ما لماذا لقطات الفيديو الخام للمجازر والأطفال المشوهين وجثث المجوعين الهزيلة تظهر في الواقع شيئًا مبررًا ومقبولًا.
فلا يمكن لأحد الوقوف أمام كومة من جثث الأطفال وتبرير قتلهم، ثم التذمر عندما يتجاهل الناس تهويله ويحدقون في الجثث الصغيرة. هذا أشبه بقتل عائلة بأكملها ثم إخبار الشرطة: "لكنكم لا تستمعون إلى أسبابي لقتلهم!".
إن المستنكرين للإبادة يفعلون الشيء الطبيعي بينما هُرويتز تتصرف بفُحش.
انتشر مقطع فيديو لهذه التصريحات اللاذعة على تويتر، وكانت جونستون تتساءل بفضول إن كانت هُرويتز قد قالت أي شيء بعد انتهاء مقطع الفيديو، ما قد يجعل ما قالته يبدو أقل فظاعة، لذلك ذهبت جونستون لمشاهدة الفيديو الأصلي لقناة الاتحادات اليهودية بأميركا الشمالية على يوتيوب، ولكن لا. لم يتلطف الوضع.
فقد أضافت هُرويتز أن الناس مخطئون في تطبيق دروس التوعية بالهولوكوست على معارضة فظائع الإبادة الجماعية التي ارتكبتها "إسرائيل"، لأن الهولوكوست كانت ألمانيا النازية هي التي تلوم اليهود على جميع مشكلاتها، بالطريقة نفسها التي يعتقد بها الناس أن "إسرائيل" هي مصدر جميع مشكلات العالم اليوم. ثم أعربت عن أسفها على الطريقة التي أعاد بها اليهود الغربيون "تصوّر اليهودية كديانة على الطراز البروتستانتي" بهدف الاندماج في المجتمع الغربي بدل الحفاظ على هوية قوية موالية لـ"دولة إسرائيل".
ليست مجرد ديانة
قالت هُرويتز: "المشكلة هي أننا لسنا مجرد ديانة."، فـ"نحن أمة. حضارة. قبيلة. شعب. والأهم من ذلك كله، نحن عائلة. لذا، إذا كنت شابًا نشأ بأميركا ويعتقد أن اليهودية ديانة على الطراز البروتستانتي، فإن السبعة ملايين يهودي في إسرائيل هم مجرد إخوة في الدين. لذا، إذا نظرتُ إلى إخوة في الدين ووجدتُ أنهم لا يمارسون ديني القائم على العدالة الاجتماعية وبعض القيم النبوية، فما شأني بهم؟".
"لكن هذا خطأ تصنيفي"، تستطرد هُرويتز. فـ"السبعة ملايين شخص في إسرائيل، ليسوا فقط إخوة في الدين، بل أشقائي. لكنني أعتقد أنه إذا اعتبرتَهم مجرد إخوة في الدين، فمن السهل الانزلاق إلى معاداة الصهيونية. ليس بالضرورة أن تربطك بهم هذه الصلة".
إذًا، ترى هُرويتز هنا أن على يهود العالم أن يكونوا مخلصين لـ"إسرائيل" مهما فعلت، ليس لأن هذا هو الموقف الأخلاقي أو الموقف الصحيح، بل لأن "إسرائيل" هي موطن ولاءاتهم.
بالمقارنة، تقول جونستون، لو كان إخوتي يقتلون المدنيين، لكنت أصبحت عدوهم فورًا. لن أدافع عن أخي لو كان يتجول ويطلق النار على رؤوس الأطفال كما يفعل قناصة الجيش الإسرائيلي في غزة، بل سأشعر بمسؤولية خاصة لإيقافه لمجرد أنه أخي. لا تُصبح الإبادة الجماعية مقبولة فجأةً إذا كان مرتكبوها "إخوتك"، إلا إذا كنتَ مختلاً أو معتلاً عقليًا واجتماعيًا.
من المذهل حقًا مدى قلق الصهاينة الشديد إزاء فقدان "إسرائيل" السيطرة على الرواية خلال العامين الماضيين. فنراهم يقولون أمورًا هادئة بصوت عالٍ، بينما يكافحون بجنون للسيطرة على التصورات والتلاعب بالعقول حول العالم.
أشياء كثيرة كانت مخفية في السابق، بدأت تتكشف في العلن.